الأحد، 13 نوفمبر 2016

الأصول الشرعية للتعامل مع الناس

الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ علي خاتم النبيين ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له   وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله  وبعد،،

 مقدمـــة :

* قال الإمام الشاطبي في الموافقات (الشريعةُ جاءت لإخراج الإنسان من داعية هواه ليكون تابعاً لأمر الله تعالى) انتهى . ولا يكون المؤمن تابعاً لأمر الله إلا بتعلم الشريعة وتطبيقها في جميع حياته ، في اعتقاده ، وفي عباداته ، وفي سلوكه وأخلاقه ، وغير ذلك .

 ومما يجب على المسلم أن يتعلمه في أمور أخلاقه : أصول التعامل مع الناس فلا يتعامل ويتصرف المسلم مع غيره كما يريد وكما يشتهي أو كما يُمليه له عقلهُ وهواه ، بل يجب عليه أن يتعامل معهم وفق الأحكام الشرعية التي جاءت في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بينه وفهمه أهل العلم من السلف الصالح .* إنّ التعامل مع الناس يحتاج إلى علم شرعي بأصول هذا التعامل والذي لا يتعلم هذه الأصول يقع في مخالفةِ أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .

 فلابد للمسلم أن يتعلم أصول التعامل مع نبيه صلى الله عليه وسلم ، ومع نفسه ووالديه، ولابد أن يتعلم أصول التعامل مع زوجته وأولاده وأرحامه ، ولابد أن يتعلم أصول التعامل مع ولاة الأمر من المسلمين ، كذلك لابد أن يتعلم أصول التعامل مع الفاسقين وأهل البدع وغير المسلمين ، .. وهكذا

فما هي أصول التعامل مع الناس وفق الشريعة الإسلامية :

1- أصول التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم :
من أصول التعامل معه توقيرهُ واحترامه وتعظيمه التعظيم اللائق به من غير غلو ولا تقصير ، وتوقيره بعد مماته، توقير سنته وشريعته والالتزام بها والدعوة إليها والذبِّ عنها . ومن أصول التعامل معه : تصديقه فيما أخبر به من الأمور الماضية والمستقبلة . ومن أصول التعامل معه : امتثال أمره واجتناب نهيه . ومنها : الإيمان بأن هديه أكمل الهدي وأحسنه ، وشريعته أكمل الشرائع ، وأن لا يُقدم عليها تشريع أو نظام مهما كان مصدره . ومن أصول التعامل معه: وجوب محبته صلى الله عليه وسلم وتقديمها على محبةِ جميع الناس ، ومن التعامل معه صلى الله عليه وسلم : الصلاةُ والسلامُ عليه عند ذكره ، ومن أصول التعامل معه : الشوق إلى معرفة شريعته بدراسة كتب السنة والعلم النافع ، ومن أصول التعامل معه صلى الله عليه وسلم : النصيحة له ، قال الإمام النووي رحمه الله (وأما النصيحةُ لرسول الله فتصديقُه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به وطاعتُه في أمره ونهيه ، ونصرته ومعاداةُ من عاداه وموالاةُ من والاه وإحياءُ طريقته وسنته ، وبثُّ دعوته ونشر شريعته والدعوة إليها والتأدبُ بآدابه ، ومحبة أهل بيته وأصحابه ، ونحو ذلك) شرح مسلم 1/38

2-  أصول التعامل مع الوالدين :
قال تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه) وقال تعالى (وبالوالدين إحسانا)  ومن الأصول الشرعية في التعامل معهما :

 * أن تبرَّهما وذلك بالإحسان إليهما قولاً وفعلاً بالمال والبدن.

 * ومن الأصول : امتثال أمرهما في غير معصية لله وفي غير ما فيه ضررٌ عليك .

 * ومن التعامل معهما: بسط الوجه لهما والقيام بخدمتهما على الوجه اللائق بهما وعدم التضجر من ذلك وخاصة عند الكبر والمرض والضعف .

* ومن أصول التعامل مع الوالدين : فلا تقلْ لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما ، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا .

* ومن أصول التعامل مع الوالدين : عدم تسميتهما باسمهما وعدم المشي أمامهما والجلوس قبلهما ، قال أبو هريرة لرجلٍ معه أبوه (لا تُسِّمه باسمه ولا تمشِ أمامه ولا تجلس قبله) صحح إسناده الألباني في صحيح الأدب المفرد (32)

3- أصول التعامل مع النفس :
يعامل الإنسان نفسه على وفق الحكم الشرعي وذلك بتزكيتها وإصلاحها ، قال تعالى (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) فالسعي إلى تزكية النفس هي أولى درجات التعامل معها فإنّ النفس لها طلبات في الخير ولها طلبات في الشر ، فإذا سعى إلى تزكيتها كانت نفساً طيبةً مفلحةً (قد أفلح من زكاها)، وتزكية النفس يكون بجعلها متعلقة بالدار الآخرة غير منشغلةٍ ولا متكالبةٍ على الدنيا وملذاتها ، وتزكية النفس بجعلها مطيعة لأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، مجتنبةً النواهي ، وتزكية النفس تكون أيضاً بمحاسبتها قبل الفعل وأثناء الفعل وبعد الفعل، وتزكية النفس تكون بتدريبها على الطاعات والأخلاق (إنما الحلم بالتحلم) ومن أصول التعامل مع النفس : حثُّها على التوبة والإنابة والخشية وغيرها .

4-  أصول التعامل مع الأرحام والأقارب :
والرَّحمُ يطلق على الأقارب وهم مَنْ بينه وبين الآخر نسب سواء كان يرثه أم لا . ومن أصول التعامل معهم إعطاؤهم حقوقهم ، قال تعالى (وآتِ ذا القربى حقه) فيجب على كل قريب أن يصل قريبه بالمعروف ببذل الجاه والنفع البدني والنفع المالي . ومن أصول التعامل معهم : إنذارهم وتعليمُهم أمور الدين ، قال تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) ومن أصول التعامل مع الأرحام : أن يصلهم ولو قطعوه وأن يصِلهم ولو كانوا من الظالمين والمشركين .

5-  أصول التعامل مع الأولاد :
منها : التربية وهي تنمية الدين والأخلاق في نفوسهم ، فهم أمانة في عنق الوالدين . ومن أصول التعامل معهم : الإنفاق عليهم بالمعروف من غير إسراف ولا تقصير . ومن أصول التعامل معهم : العدلُ بينهم في العطايا والهبات وعدمُ تفضيل أحدٍ منهم على أحد . ومن ذلك : حمايتهم من الأعداء والمنكرات وأصدقاء السوء .

6- أصول التعامل بين الزوجين :

 * يجب أن يعاشر كلٌ منهما الآخر بالمعروف وذلك أن يعرف كلٌ منهم خصال الآخر وما يُغضبه وما يرضيه .

* ومن أصول التعامل مع الزوجة : القيام بواجب النفقة من الطعام والشراب والكسوة والمسكن وتوابع ذلك ، وكذلك القيام بتعليمها ، في الحديث (ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم)  متفق عليه ، فتح(13/231) م (674) .

* ومن أصول التعامل مع الزوج : أن تُطيعه في غير معصية وأن تحفظه في سره وماله ، وأن لا تعمل عملاً يُضيع عليه كمال الاستمتاع حتى ولو كان ذلك تطوعاً بعبادة لحديث (لا يحل لأمرأةٍ أن تصوم وزوجها شاهدٌ إلا بإذنه ، ولا تأذن لأحدٍ في بيته إلا بإذنه) متفق عليه .

 * ومن أصول التعامل بين الزوجين : حثُّ كلٌ منهما صاحبه على العبادة وعلى فعل الخير والبر والصبر والرفق والتحمل والتسامح والمحبة والرحمة وغير ذلك .

7-  الأصول الشرعية للتعامل مع ولاة الأمر :
الولاةُ هم الذين يتولون أمور المسلمين سواءً كانت الولايةُ عامة كالرئيس الأعلى في الدولة ، أم خاصةً كالرئيس على إدارةٍ معينةٍ أو عملٍ معين ، وكل هؤلاء لهم حقُ يجب القيام به على رعيتهم . ومن أصول التعامل مع ولاة الأمر :

 * وجوب عقد البيعة للإمام القائم المستقر المسلم ، لحديث (من مات ليس في عنقه بيعةٌ مات ميتةً جاهلية) مسلم (12/240)

* وجوب طاعتهم وحرمة منازعتهم ومعصيتهم ، لحديث (تسمع وتطيع للأميروإن ضرب ظهرك) مسلم (3/1476)

 * الصبر على جورهم وظلمهم، لحديث (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية) متفق عليه خ (13/5) م (3/1477)

* عدم الخروج عليهم : لحديث (من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه ليس أحدٌ من الناس خرج عن السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية) رواه مسلم وهو في فتح الباري (13/7)

 * النهي عن سبِّ الأمراء وذكرِ معائبهم ، وقد ورد النهي عن كثير من السلف الصالح .

8- الأصول الشرعية للتعامل مع عامة المسلمين :
وهذه الأصول كثيرة منها :

*   إعطاء المسلم حق الإسلام ، في الحديث (حق المسلم على المسلم ستٌّ : إذا لقيته فسلّم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فانصحه ، وإذا عطس فحمد الله فشمته ، وإذا مرض فعُده ، وإذا مات فاتبعه) مسلم . ومن حقوقه : كفُّ الأذى عنه ، لحديث (لا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، كلُ المسلم على المسلم حرامٌ دمه وماله وعرضه) رواه مسلم .

ومن أصول التعامل مع عامة المسلمين : قضاء حاجاتهم وحسن الظن بهم والتواضع لهم والتزاور بينهم والدعاء لهم بظهر الغيب وعدم إفشاء أسرارهم والستر عليهم والذبُّ عن أعراضهم .

ومن أصول التعامل مع المسلمين : تعليمهم أمور دينهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ذلك .

9- الأصول الشرعية للتعامل مع العلماء :
العلماء هم العارفون بشرع الله ، المتفقهون في دينه ، العاملون بعلمهم على هدى وبصيرةٍ ، المتبعون لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولمذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان . ومن أصول التعامل معهم : موالاتهم ومحبتهم واحترامُهم وتقديرهم والأخذ عنهم والسعي إليهم  ، والحذر من القدح فيهم وتخطيئهم بغير علم والتماس العذر لهم  ، والحذر من زلاتهم وعدم التعصب أحدٍ منهم ، والرجوع إليهم واستشارتُهم ووضع الثقة فيهم .

10-  أصول التعامل مع المخالفين :

أ‌)         غير المسلمين
ب‌)       أهل البدع
ت‌)       الفاسقون 
ث‌)       أصحاب الزلات والأخطاء من أهل العلم والصلاح

أ‌)   أصول التعامل مع غير المسلمين :

 * البراءةُ منهم ومن عملهم (إنا بُرءآؤُا منكم ومما تعبدون من دون الله) الممتحنة(4)

 * بغضُهم  (وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاءُ أبداً حتى تأمنوا بالله وحده) الممتحنة    

 * الحذر منهم  (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) المائدة(49)  

 * الغلظـة في معاملتهم   (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم)

 *جهادهــم ـ للآية السابقة ـ ويكون الجهاد على المحاربين والمارقين على الدين

 * العدل معهم بالوفاء بالعهود وغيرها  (ولا يجرمنّكم شنآنُ قومٍ على ألا تعدلوا) المائدة(8)

 * دعوتُهم إلى الحق ومخاطبتُهم بالتي هي أحسن .

ب‌) أصول التعامل مع أهل البدع : وهم الفرق الإسلامية المبتدعة كالخوارج والمعتزلة وما تفرع منها ، وكل من أحدث في دين الله .

 * بُغضُ عملهم المبتدع ، وأهم أعمالهم المبتدعة تفريق كلمة المسلمين إلى أحزاب ومذاهب وفرق .  * هجرهم والابتعاد عنهم وعن تجمعاتهم ، قال البغوي رحمه الله (وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماءُ السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم) شرح السنة (1/227)  * التضييق عليهم والتحذير منهم

 * عدم تكفيرهم بالجملة .

 * نصحهم وإرشادهم وتعليمهم كما فعل علي بالخوارج حيث بعث اليهم ابن عباس ليناظرهم .

ت‌)       أصول التعامل مع العصاة والفسقة :

 * النصح وهو من حق المسلم على المسلم 

 * إقامة العقوبة المستحقة من قبل ولاة الأمر كتطبيق الحدود أو التعزير أو التأديب

 * رد رواياتهم وشهادتهم لأن الفاسق لا تُقبل روايته ولا شهادته

 * الهجر بضوابطه وهي ثبوت الفسوق وأن تكون المعصية ظاهرة وأن يكون في الهجر مصلحة راجحة 

 * التضييق عليهم بتذكيرهم وتخويفهم بالله وإبلاغ ولاة الأمر عن حالهم .

 * التحذير منهم وبيان خطرهم للناس حتى لا ينخدعوا بهم .

ث‌)       أصول التعامل مع أصحاب الزلاّت من أهل العلم والصلاح من أتباع السلف الصالح : وهذه الفئة تختلف عن الفئات السابقة حيث لا كفر ولا بدعة ولا فسوق :

* الولاء التام من الأخوّة والموالاة والنصرة.

* أداء الحقوق إليهم كاملة .

* إحسان الظن بهم وإقالة عثراتهم والتجاوز عن أخطائهم .

* عدم متابعتهم في زلاتهم وأخطائهم .

* وهم درجات : منهم العلماء العاملون المجتهدون ، ومنهم طلبة العلم المتقدمون ، ومنهم الطلبة المبتدئون ، ومنهم العامّة ، ومنهم العامة الصالحون الأتقياء … وهكذا

11- الأصول الشرعية للتعامل مع المخطئ :
تصحيح الخطأ من النصيحة في الدين ، وإدراك المنهج النبوي في التعامل مع أخطاء الناس من أهم المواضيع :

1.        الإخلاص في النصيحة وليس التعالي ولا التشفي ولا السعي لنيل استحسان المخلوقين .

2.        أن يكون الهدف من التعامل إعلاء كلمة الحق وإزهاق الباطل وكسبُ المخالف والمعذرةُ أمام الله .

3.        أن تكون التخطئة مبنية على الدليل الشرعي الصريح الثابت .

4.        التفريق بين المخطئ والجاهل عن علم ، فالأول يحتاج إلى تعليم ، والثاني يحتاج إلى بيان وإزالة شبهة .

5.        التفريق بين الخطأ الناتج عن اجتهاد صاحبه وبين الخطأ العمد والغفلة والتقصير ، فالأول يعلَّمُ ويناصح ، والثاني يوعظ وينكر عليه مع مراعاة البيئة التي يوجد فيها مثل انتشار السنة أو البدعة ، وكذلك مدى استشراء المنكر أو وجود من يفتي بجوازه من المتساهلين .

6.        العدل وعدم المحاباةِ في التنبيه على الأخطاء ، قال تعالى (وإذا قلتم فاعدلوا )

7.        الحذر من إصلاح خطأٍ يؤدي إلى خطأ أكبر.
ومن ذلك سكوته صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ولم يقتلهم مع ثبوت كفرهم لئلا يقول الناس محمدٌ يقتل أصحابه .

8.        التفريق بين المخطئ صاحب السوابق في عمل الخير وبين العاصي المسرف على نفسه .

9.        التفريق بين المجاهر بالخطأ والمستتر به .

10.     اعتبار حال المخطئ من جهة المكانة والسلطان .

11.     إعطاء الوقت الكافي لتصحيح الخطأ خصوصاً لمن درج عليه واعتاده زماناً طويلاً من عمره مع المتابعة والاستمرار في التنبيه والتصحيح .

12.     المسارعة إلى تصحيح الخطأ وعدم إهماله مع بيان الحكم الشرعي .

13.     معالجة الخطأ بالموعظة وتكرار التخويف وإظهار الرحمة بالمخطئ .

14.     بيان خطورة الخطأ ومضرته في الدنيا والآخرة ؟

15.     عتاب المخطئ ولومه والإعراض عنه وهجره ان استمر على الخطأ بعد بيان الحجة .

وهناك أصول أخرى للتعامل في أمور أخرى

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق