إن الحمد لله نحمده
ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا
مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شرك له وأشهدُ
أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
إن التوحيد أهمُّ
ما يجبُ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ مراعاتُه والحرصُ عليه تعلماً وتعليماً.
قال شارح الطحاوية (واعلم أن
التوحيدَ أولُ دعوةِ الرسل وأولُ منازلِ الطريق وأوّلُ مقامٍ يقوم فيه السالكُ إلى
الله عزَ وجلّ) 1/1
ومن حقَّقَ التوحيد
ظاهراً وباطناً أدخله اللهُ الجنّةَ قال تعالى: (الذين آمنوا
ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمنُ وهم مهتدون) الأنعام 82 . ويقول عليه الصلاةُ والسلام
(من شهد أن لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريك له وأن محمداً
عبدُه ورسولُه ، وأن عيسى عبُد الله ورسولُه وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه ، والجنّةُ
حقٌ والنّارُ حقٌّ، أدخلهُ اللهُ الجنّةَ على ما كان عليه من العمل) متفق
عليه
.
والذي ينظرُ إلى
حال كثيرٍ من الناس يجدُ فيهم مخالفاتٍ وأخطاءَ كثيرةً تخالفُ العقيدةَ والتوحيدَ أو
تنافي كمالَهُ الواجبُ.
·
والمسلمُ مأمورٌ بتحقيق توحيدِه والبٌعدِ
عن الشركِ كبيرهِ وصغيرِه.
·
ومعرفةُ الشرِّ لتوقَيه والحذر منه أمرٌ
واجبٌ قد دلَّ عليه الكتابُ والسنّة.
·
فيجبُ على المسلم أن يعرفَ ما يقدح في عقيدته
ليتجّنَّبَهُ .
(وهذه بعضُ الأخطاءِ والمخالفاتِ للعقيدة والتوحيد)
1)
الاستغاثةُ بغير الله
والاستغاثةُ هي طلبُ الغوث من جلبِ خيرٍ،
أو دفعِ شر. وهي شركٌ أكبرُ إذا كانت بالموتى والغائبين عنه.
2)
الذبحُ لغيـر الله
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (لعن اللهُ من ذّبَحَ لغير الله) مسلم عن علي بن أبي طالب.
*
ومن ذلك: الذبحُ للجن لاعتقادهم أنّ الجنّ
تضرُّ وتنفعُ وهذا من الشركِ الأكبر.
*
ومن ذلك: الذبحُ على أضرحةِ الأولياءِ تعظيماً
لهم.
*
ومن ذلك: الذبحُ عند عتبةِ بابِ المنزلِ
الجديدِ من أجلِ إرضاءِ الجنّ وتجنُّبِ المآسي أما إذا كان الذبحُ لإكرام الجيران الجدد
والتعرّفِ عليهم وشكراً لله على النعمةِ وإكرام الأقارب والأصدقاءِ فهذا خيرٌ يُحمدُ
عليه فاعلُه ولكن بعد نزول أهل البيتِ فيه ولا يكون الذبحُ عند عتبةِ البابِ أو مدخل
البيتِ على الخصوص (فتاوى اللجنة 1الدائمة للإفتاء 1/133)
*
ومن الأخطاء في ذلك: تخصيصُ بعض الأيام
بالذَّبح مثل 27 رجب أو ليلة النصف من شعبان أو يوم عاشوراء وغيرها من أيام السنة
– فهذا من البدع لحديث مسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا
فهو رد) فإذا كانَ التخصيص بدون دليل فهو من محدثات الأمور .
*
ومن الأخطاء ما يقع في بعض القرى من ذبح
الأبقار لغرض الاستسقاء فيدورون بالأبقار حول الجبال والأودية وبعد ذلك يذبحون واحدة
منها – قال ابنُ باز : (فهذا بدعةٌ منكرة) فتاوى ومقالات (5/279)
*
ومن الأخطاء أيضاً: نحرُ الأبل عند لقاء
الملوك أو المعظّمين تعظيماً لهم. قال ابنُ باز (فهذا شركٌ لأنَّه ذبحٌ لغير الله فيدخل
في عموم قوله تعالى (وما أُهلَّ به لغيرِ الله) البقرة 173 ، ثم قال (وهكذا نحرُها عند
القبور تذكيراً بجود أهلها وكرمهم فهذا من عمل الجاهلية وهو منكرٌ لا يجوزُ لأن رسول
الله قال (لا عقر في الإسلام) أبو داود والبيهقي وأحمد في الزهد / فتاوى وتنبيهات ص216
3)
ومن الأخطاء الخوفُ من غير الله: قال تعالى (فلا
تخافوهم وخافونِ إن كنتُم مؤمنين) آل عمران 175
واعلم أن الخوفَ ثلاثةُ أقسام:
أ)
خوفُ السرِّ هو أنْ يخافَ من غيرِ الله
أن يُصيبَهُ بما يَكْرهُ بلا سببٍ ظاهرٍ وهذا شركٌ كالخوف من الجن والشياطين وأهلِ
القبور من الأموات.
ب)
أن يترك الإنسانُ ما يجبُ عليه خوفاً من
بعض الناسِ فهذا حرام وهو منافي لكمال التوحيد كأن يترك الصلاة أو الدعوة إلى الله
أو إعفاءَ اللحيةِ أو غَيرَها من الواجبات خوفاً من الناس.
ت)
الخوفُ الطبيعيُّ: وهو الخوفُ من عدوّ
أو سَبعٍ أو غيرِ ذلك فهذا لا يُذمُّ كما قال تعالى في قصة موسى عليه السلام (فخرج منها خائفاً يترقّبْ) القصص 21
ث)
ومن الخوف من غير الله: أن يضعَ بعضُ الناس
عند الباب فأساً عند سماعِ الرعدِ ونزولِ الأمطارِ خوفاً من الجن . قال العثيمينُ
(هذا لا أصل له ولا يجوز فعلُه حيث اشتمل على عقيدة لا أصل لها والجنُّ لا يمنعها الحديد
من دخول الدار ولا يمنعها إلا الآيات الكريمة)
4)
ومن الأخطاءِ التي تقعُ عند القبور البناءُ على القبور ،
ودفنُ الموتى في المساجد ، والصلاةُ في المساجد المبنيَّةِ على القبور
*
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (والصلاةُ في
المساجد المبنية على القبور منهيٌّ عنها مطلقاً) الجواب الباهر 31
*
ومن الأخطاء أيضاً: شدّ الرِّحالِ لزيارة
قبرِ النبي صلي الله عليه وسلم وهو القائلُ (لا تُشَدُّ الرحالُ
إلاّ إلى ثلاثة مساجد ...)
*
ومن الأخطاء: الاعتقادُ بان الحجَّ لا يتمُّ
إلاّ بزيارة قبرِ النبي صلي الله عليه وسلم اعتماداً على أحاديث موضوعة.
*
ومن الأخطاء: زيارةُ النساء للقبور . ففي
الحديث (لعن اللهُ زائراتِ القبور...)
*
قال العثيمين (وأما زيارةُ النساء للقبور
فإن ذلك محرّم، هذا إذا خرجت من بيتها لقصد الزيارة أما إذا مرّت بالمقبرة بدون قصد
الزيارة فلا حرج عليها أن تقف وأن تسلّم على أهل المقبرة) مجموع فتاوى ورسائل 2/245
*
ومن الأخطاء القراءةُ على القبور والتبرّكُ
والتمسَحُ بها وهذا من البدع.
5)
ومن الأخطاء
ما يفعله بعضُ الناس من تعليقِ تمائمَ في
السيارات أو على أبواب البيوت أو وضعِ مُصحفٍ أو وضعِ جلدٍ أو غيرِ ذلك دفعاً للعين.
وهذا شركٌ أصغَرُ إذا كان مصحوباً بهذا الاعتقادِ وقد يكونُ شركاً أكبرَ إذا اعتقد
أنَّ هذه الأشياءَ تجلبُ الخيرَ أو تمنعُ الشرَّ .
6)
ومن الأخطاءِ في باب السحر والكهانة إنكارُ حقيقةِ السحرِ
وإنكارُ وقوعِه وتأثيرِه.
*
قال العثيمين: (السحرُ حقيقةٌ ولا شكَّ
، وهو مؤثرٌ حقيقة لكنّ كونهُ يقلِّبُ الشيئَ أو ويحرّكُ الساكنَ أو يسكنُ المتحرك
هذا خيال وليس حقيقة . قال تعالى (سحروا أعيُن الناس) وقال
تعالى (يُخيَّلُ إليه من سحرهم أنّها تسعى) ، فالسحرُ
في كونه يّسحَرُ أو يؤثرُ على المسحورِ حتى يرى الساكنَ متحركاً والمتحركَ ساكناً أثرُهُ
ظاهرٌ جداً ، إذن فله حقيقةٌ ويؤثِّرُ على بدنِ المسحور وحواسِّهِ بما يهلكُه) مجموع فتاوى ورسائل 2/175
*
ومن الأخطاء: ذهابُ بعضِ المصابينَ بالسحر
إلى السحرةِ ليحلُّوا السحرَ عنهم وهذا عملٌ محرَّم لأنه لا يجوزُ استخدام السحر ولو للعلاج منه..
*
ومن الأخطاء: ذهابُ بعض الجهلةِ إلى الكهنةِ
لسؤالهم عن المرضِ والصَّحةِ وغيرها. روى مسلم حديث (من أتى
عرافاً فسأله عن شيئٍ لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً). أفتت اللجنة الدائمة
بما يلي (يحرمُ الذهـابُ لمن يَّدعُـو علم المغيِّبـات ولا يجـوزُ أن يُرسَلَ لهم ثوبٌ
ولا قميصٌ ولا غيُره ، ويحرُمُ تصديقُهم بما يقولون) فتاوى اللجنة 1/417
7)
ومن الأخطاء أنَّ بعض الناس ينظرونَ إلى البروج التي في الجرائدِ والمجلاتِ لمعرفةِ
ما سيقعُ في المستقبلِ من الخيرِ والشرِّ وهذا كلُه من أنواعِ تصديق المنجَّمينَ.
قال الشيخ صالح آل
الشيخ (وتلك البروجُ التي في الجرائدِ والمجلاتِ يجبُ طمسُها وتمزيقُها ولا يحلَّ لمسلم أن يُدخلَها بيتَهُ وقد بيّن أهلُ العلم أن
لها ثلاثةُ أحوال:
الحالة الأولى:-
أن يقرأ تلك البروج للإطلاع: فيكون قد ارتكب محرَّماً لأنه أقدم على الاتيان للذي يدّعي
شيئاً من علم الغيبِ وأولئك المنجِّمُونَ كاذبون.
الحالة الثانية:-
أن يقرأ تلك البروجَ وهو يعلمُ بُرجَهُ فهو كالذي يأتي الكاهنَ فيسألَه عن حاله وعن
المستقبل ، ثم ينفصلُ وهو غيرُ مصدّقٍ وغيرُ شاكٍّ أيضاً في صدقهم وإنّما صَنَعَ مجرَّد
السؤالِ والإقبالِ فهذا سَيَحِقُّ عليه قولُ النبي صلي الله عليه وسلم (من أتى عرافاً فسأله عن شيئٍ لم تُقبل له صلاةٌ أربعين يوماً)
رواه
مسلم.
الحالة الثالثة:-
أن يعلم بُرَجهُ أو بُرجَ أهله ثم يأتي فيقرأ تلك البروجِ وهو مصدِّق لما فيها وهذا
من الكفرِ بالله لأن فيه اعتقادُ أن أحداً يعلمُ الغيبَ غيرُ الله ، وفي الحديث الصحيح
(من أتى عرّافاً أو كاهناً فصدّقهُ بما يقول فقد كفَرَ بما
أُنزل على محمد صلي الله عليه وسلم).
8)
أخطاءٌ في باب توحيد الأسماء والصفات:
قال العثيمين: (لا
يمكنُ لأحدٍ أن يعبُدَ اللهَ على الوجه الأكمل حتى يكون على علمٍ بأسماءِ الله تعالى
وصفاته ليعبد الله على بصيرة . قال الله تعالى (وللهِ الأسماءُ
الحسنى فادعوُه بها) القواعد المثلى ص7 .
*
(وقاعدةُ أهل السنّة والجماعة هي أن أسماءَ الله توقيفيـة، لا مجال
للعقلِ فيها لأنه لا يمكنُـه إدراكُ ما يستحقّـهُ اللهُ من الأسمـاءِ ، ولأنَّ تسميـةَ
الله بما لم يُسمِّ به نفسه أو رسولُه ، أو إنكار ما يُسمِّي به نفسَه أو سمّاهُ به
رسولُه يتضمّن محذورَين: الأول: القولَ على الله بغير علم و هو محرّمٌ. والثاني: سوءَ
الأدبِ مع الله)
*
وأسماءُ اللهِ الحسنى غيرُ محصورة بعدد
وإنما ذُكر منها في الكتاب والسنّة 99 اسماً. وقد وقع الناسُ في الضلالِ بعد أن سمَّوُ
اللهَ بأسماءَ لا تثبتُ منها:
1)
تسميتُه عزّ وجلَّ (الآخذُ والآتي والجائي
والماسكُ والباطشُ وغيرُ ذلك ...) قال الشيخُ العثيمين (نَصِفُ اللهَ تعالى بهذه الصفاتِ
على الوجهِ الواردِ ولا نُسميه بها، فلا نقولُ إنّ من أسمائه الجائي والآتي والآخذُ
والمريدُ والنازلُ ونحوِ ذلك وإن كنّا نخبُر عنه بذلك ونصفُه به) القواعد المثلى ص30.
2)
ومن الأسماء التي لا تثبت الباقي: قال الشيخُ
بكرُ أبو زيد في معجم المناهي ص95 (هذا ليس من أسماء الله تعالى)
3)
الحنّانُ: قال الشيخ بكر أبو زيد في المعجم
ص347 (كره الإمامُ مالكٌ الدعاءَ بنحو: يا حنّان ، لأنه ليس من أسماء الله ، وعوامُ
مِصرَ يصغّرونَه فيقولون: يا حنين يا رب وتصغيرُ اسمِ الله محرّمٌ لا يجوز فكيف ولم
يثبُتْ اسم الحنّان)
ومن الأسماء التي
لا تثبت الدائمُ
الدهرُ، الرشيد ،الساترُ
والستّارُ وإنما الستِّيرُ لحديث (إن الله ستِّيرٌ يحبُّ الحياءَ والستر) أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقـي.،العاطـي،العال
،
الفضيلُ ،القديمُ ، الكاملُ ، المتولِّي ، المعبودُ ،
المعينُ ، المغيثُ ، المقصودُ ، المُنْعمُ ، الموجودُ ، الناصرُ ، النـورُ ، الهادي
، الوحيدُ ، الواجدُ .... وغيرها من الأسماء التي لم تثبت في الكتاب والسُنّةِ .
فليحذر المسلم أن
يقول على الله بغير علمٍ فإنه من كبائرُ الذنوب .
9)
ومن الأخطاء في باب العقيدة:
القولُ بحياةِ الخَضِرْ عليه السلام وهو
نبيٌّ من أنبياء الله للأدلّةِ التالية:
أ)
قال تعالى (آتيناه
رحمةً من عندنا) قال القرطبيُّ وغيُره (الرحمةُ بمعنى النبوّةِ في آيات كثيرة)
ب)
قول الله تعالى حكاية عن الخضر (وما فعلتُه عن أمري) أي بأمر الله وحياً أوحاهُ إليه.
ت)
قول الله تعالى حكاية عن موسى (هل أتّبعك على أن تعلمني مما عُلِّمتَ رشدا) والنبيُّ لا
يتبع غير النبي في التعليم.
ث)
الأفعالُ التي فعلها الخضِرُ من المعجزات
التي لا يفعلها إلاّ نبيٌّ وبوحي.
والخضِرُ عليه السلام
ماتَ كما يموت الناسً للأدلّة التالية:
أ)
قال تعالى (وما
جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلدَ أفإِنْ متَّ فهم الخالدون (.
ب)
حديث (أرأيُتكم
ليلتكم هذه، فإنَ على رأسِ مئةِ سنةِ منها لا يبقى ممَّنْ هو على ظهرِ الأرضِ أحدٌ
...) رواه
مسلم.
ت)
وإذا كان حياً زمنَ النبيِّ صلي الله عليه
وسلم يلزمُ عليهِ أنْ يحضُرَ إلى الرسولِ فيؤمنُ به ويبايعُهُ ويشهدُ برسالتِه ويَنْصُرَهُ
في دعوتِه وجهادِه، والرسول صلي الله عليه وسلم يقولُ عن موسى (لو كان موسى حياً ما وسعهُ إلاّ إتَباعي) أحمد وغيُره . وللحافظ ابن حجر كتاباً
سمَاه (الزهرُ النَّضِر في حال الخضر)
فهذه
بعض الأخطاء التي يقع فيها بعضُ الناس في أمور العقيدة والتوحيد .
وآخر
دعوانا إن الحمد لله رب العالميـــن .