الاثنين، 19 يناير 2015

أحكام الهدية في الاسلام 2\2

8)هديةُ القاضي :
القضاءُ بنشرُ العدلَ بين الناسِ فلا ينبغيِ أن توحدَ عواملُ تؤثرُ علي قضاء القاضي فتجعلُه يحكمُ بغير ما أنزلَ الله تعالى .
“وبدراسةِ أقوال العلماء في هديةِ القاضي بَيَّن أن هناك رأيين أساسيين:
 احدهما : المنعُ مطلقاً علي سبيل التحريم أو الكراهةِ عند بعضهم .
ثانيهماً :  التفصيلُ في الحُكم كما يلي :
أ-هديةّ تعطى للقاضي ممَّن له خصومةّ أو قضيةٌ
فهذه الهديةُ محرَّمةّ سواء كانت بينهما هدايا من قبل أو بينهما قرابةّ أو صداقةّ أو غيرُ ذلك .
ب-هديةُ تعُطى للقاضي من شخْصي لا خصومةَ له قائمة أو منتظرة
فإذا كانت بينهما مهاداةّ وجاءت الهديةُ بسبب المكافأة على الهديةِ فجائزةّ أيضاً وتدخل في هذا القسم الهدايا من الوالدين والزوجةِ والأولاد والأقارب والأصدقاء إذا لم تكن للمعطي منهم خصومةّ أو قضيةّ أو مصلحةُ .
*ملاحظة “وفي معني الهديةِ: الدعوةُ الخاصةُ أو العامةُ من قبل أحدِ المتخاصمين أو من له مصلحة عندالقاضي”
وقال الشوكانيُّ رحمه الله (فليحذر الحاكمُ المتحفظُ لدينه المستعدّ للوقوفِ بين يدي ربه من قبول هدايا من أهدي إليه بعد تولى القضاء ، فإنّ للإحسانِ تأثيرا في طبع الإنسانِ ، فربَّما مات نفسُه إلى المهدي إليه ميلاً يُؤْثُر المَيْلَ عن القِّ عند عروض المخاصمةِ بين المهدي وبين غيره ، والقاضي لا يشعرُ بذلك) نيل الأوطار (9/173) .
مسألةّ: مصيُر هديةِ القاضي:
فإذا أخذ القاضي الهديةَ المحرَّمةَ فما هو مصيرها ؟ قال بعُض العلماء : يضعها في بيت المال وقال بعضهُم  يردّها على صاحبها إذا عرفَه ، فإذا ترتب على ردِّها أذى أو ضررٌ أكبر تردُّ إلى بيت المال.

9)هديةُ الوالي  أو الأميرِ ” مُفوّضِ الحاكم “
والمقصودُ بالوالي أو الأمير من فوّضه الحاكمُ في إمارةِ بلدٍ ولايةً له على جميع أهله ، ومن في حكمهم كالوزراء والمدراء وغيرهم .
“وقد حرَّم الإسلامُ هذا النوع سمن الهدايا وسماهُ غلولاً ، لآنها بسبب الولاية فهي رشوةّ والرشوةُ خيانةّ ، وكلُّ من خان في شيءٍ فقد غَلَّ ( ومن يغلُلْ يأت بما غَلَّ يومَ القيامةِ ) وإنما كانت خيانةّ لأنها في الحقيقةِ لجماعةِ المسلمين فلا يختصُّ بها دونهم ، فهؤلاء عُمَّالّ وموظفون والنبيُّ )صلي الله عليه وسلم( قال ( هدايا العَّمال غلولّ )
أحمد والبيهقي وهو في صحيح الجامع الصغير (6898) ، والعاملُ هو كل موظف كلّف بمهمَّةٍ أو خدمَةِ عامَّة ، وفي الصحيحين عن أبي حميدٍ قال ( استعمل رسوُل الله رجلاً على صدقات بني سُليم يدُعى ابن اللتبيَّةِ ،فلما جاء حاسبهُ قال : هذا مالكم وهذا هديةّ ، فقال رسوُل الله صلي الله عليه وسلم ( فهل جلستَ في بيتِ أبيكَ وأمَّكَ حتى تأتَيكَ هديتُك إن كنتَ صادقاً … ثم قال / والله لا يأخذُ أحدٌ منكم شيئاً بغير صفِّه إلاّ لقيَ الله بجملُه يوم القيامة …) فتح الباري (12/348) .
“ممَّا سبق يتبين لنا أن القولَ في تحريم قبول الوالي ومن في حكمه للهديةِ وأثر مع خوفِ الَمْيل والتُّهمةِ مع كون الإهداءِ لسبب الولايةِ لا بسبب خاص مثل الأقارب والأصدقاء الذين من عادتهم الإهداءُ له قبل الولاية
قال الشافعيّ رحمه الله ( وما أهُدي له ذو ترحمٍ ومودَّة كانَ يُهاديه قبل الولاية فالتركُ أحبُّ ، ولا بأس أن يقبلَ ويتموَّل ) ذكرهَّ  ابن حجر الهيتمي (ت974 هـ ) في كتابه إيضاح الأحكام لما يأخذ العمالُ والحكام ص49.
وقال الإمام أحمد ( من  وليَ شيئاً من أمرِ السلطانِ لا أجيزُ له يقبل شيئاً ، والحاكمُ خاضةً لا أحب ُّ له ، إلاّ مَنْ كانَ له به خلطةّ أو وصَلَهُ قبل أن يليَ ) .
مسألةّ ( فإذا أخذ الوالي ومن في حُكمهِ الهديةِ بسبب الولاية فإنه يجعلها في بيت المال بحيثُ ينتفعُ بها في الصالح العام ).

10) هديةُ المفتي : ” والمفتي يعتبرُ موظفاً عاماً وخاصة فى هذا العصر
“فإذا كانت هديةُ المفتي نظراً لعلمه وصلاحه وتقواه ، بقصد التحُّبب إليه في الله ، فجائزة إن صدقت النيةُ وكانَ المُهدي من قرنائه أو أصدقائه أو أقاربه ، أو كانَ ممَّن يعتادُ المهاداةَ قبل تنصيبه .
“أما إذا كانَ للهديةِ تأثيرً على الفتوى فلا شكً أنها محرَّمةّ على الطرفين ، لأن فيها شرط الإعانة والهديةُ المشروطةُ بالإعانةِ غيرُ جائزةٍ .
“وتأخذُ الهديةُ حُكمَ الرشوةِ أيضاً إذا كانت الفتوى حسبما يريدُ المُهدي أو كان للمفتي عند المُهدي نفعّ من مالٍ أو جاه أو تكون للمُهدي خصومةّ عند المفتي .

11)هديةُ المدرِّس  :
وشأنُ المدرِّس في عدم جواز قبول الهديةِ مقابلِ القيامِ بواجبه شأنُ سائر الموظفين فإذا كانت الهديةُ من باب المحبَّة و المودَّةِ والتقِّرب إليه بعلمه وصلاحه فيجوزُ قبولها وكذلك ممَّن يعتادُ المهاداةَ بينهم كالأقارب والأصدقاء والأقرانِ .
“أما إذا كانت الهديهُ من تلاميذ المدارس التي يدرِّس فيها أو من أولياءِ أمورهم فغَيُر جائزةٍ لما يترتب عليها من محاباةٍ للطالب ومساعدةٍ له في الامتحانِ أو زيادةِ الدرجاتِ وهذه هي الرشوةُ بعينها .

12) هديةُ الموظف العام :
والموظفُ هو كلَّ من كُلَّفَ بمهمَّةٍ أو خدمةٍ عامةٍ ومن في حكمها ، بصفةٍ دائمةٍ أو مؤقتةٍ في الحكومةِ أو المصالح التابعةِ لها أو الهيئاتِ العامةِ ، أو الشركاتِ والمؤسسات العامَّةِ والخاصةِ ، ويطلق لفظ الموظف العام علي العامل بالمصطلح الفقهي ، فالعاملُ هو كلَّ من تولىُّ أمراً من أمور المسلمين ، ويشملُ أربابَ المناصب العامةِ التي تخوّل لكل منهم القيامَ بعمل ما ، يستطيعُ من خلاله إلحاقَ نفع أو ضررٍ بغيره ،
“وقد حرّم الإسلامُ هدايا العمَّال ومن في حكمهم وسمَّاها رشوةً تاًرةً وغلولاً تارةً أخرى ، ومَّر معنا حيث ابنِ اللّتبيَّةِ في الصحيحين أن رسول الله استعمله على الصدقات فقال : هذا مالُكم وهذا هديةّ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم( هلاّ جلست في بيتِ أبيكَ وأمَّكَ حتى تأتَيك هديُتَكَ … ثم قال : وإليه لا تأخذُ أخذٌ منكم شيئاً بغير حقِّه إلاّ لقيَ إليه بجملُه يوم القيامة .. ) في (6979 )  وعن أبي حُميدٍ الساعديِّ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم هدايا العمّالِ غلولّ  أحمد والبيهقي صحيح الجامع (6898) . /م (1832) والله عّز وجَّل قال ( ومن يغلُل يأتِ بما غلَّ يوم القيامةِ ) العمران (161) .
“والخلاصة أن كلَّ هديةٍ كانتَ بسبب الوظيفة بحيث لو تجرّد الموظفُ منها ما أهدي إليه فهي رشوةّ لا تجوزُ ولو كانتَ بسبب الوظيفةَ بحيث لو تجرّد الموظفُ منها ما أهدي إليه فهي رشوةّ لا تجوزُ ولو كانت دعوةً على طعامِ أو تملّقاً له ، أما إذا كانت الهديةُ للموظف ممَّن يعتادُ المهاداةُ معهم كالأقارب والأصدقاءِ والزملاءِ ويقصدُ بها التقرّبُ إلى الله تعالى ولتقوية المحبّةِ والمودَّةِ فهي جائزةّ .
13)هديةُ المشركين (( غير المسلمين )) :
“الأصلُ قبولُ الهديةِ من المشركين والإهداءُ لهم إذا لم تكن رشوةً عن الدينِ أو للأفراد على باطلٍ أو أنها سببّ لتقوية هذا المشركِ على المسلمين فيؤذيهم لهم ، فحينئذٍ لا تجوزُ فقد قبل رسوُل الله الهديةَ من المشركين، ففي الصحيحين عن أبى حميدٍ قال : غزونا مع النبيِّ تبوكَ وأهديَ ملكُ أبلةَ له بغلةً بيضاءَ وكَساهُ برُداً ) البخاري (3161) ومسلم (1392) وفي الصحيحين كذلك أن يهوديةً أتتِ النبيَّ بشاةٍ مسمومةِ فأكل منها ) البخاري (2617) ومسلم (2190) وقبل رسولُ الله من المقوقس هديتَه وهي ماريةُ رضى الله عنها أم إبراهيم ولذلك بوّب البخاري في صحيحة بقوله( بابُ قَبولٍ الهديةِ من المشركين ) فتح الباري (5/231) حديث (2618) .
“وهذا الجواز في هديةِ المشركين المسالمين الذين لم يحاربوا الإسلامَ والمسلمين وإذا كانت للتودّد ولم تقترن بطلبِ أو من تأليف قلوبهم ليدخلوا في الإسلام .
أما المشركُ المحاربُ لدينِ الله فلا يجوزُ قبول هديتهِ ولا إهداؤهُ لآن النبيَّ صلي الله عليه وسلم قال ( إنِّي لا أقبلُ هديةَ مشركِ ) رواه الطبراني وهو في صحيح الجامع (2514) ، وقال أيضاً ( إنِّي نُهيتُ عن زَبْدِ المشركين ) رواه أبو داود والترمزى وهو في صحيح الجامع (2505) ، وقال أيضاً ( إنّ لا تقبلُ شيئاً نم المشركين ) رواه أحمد والحاكم وهو في صحيح الجامع (2294) ، وفي المسألة ستَّةُ أقوال وهذا أرجحُها والله أعلم ، راجع فتح الباري (5/231) ونيل الأوطار (6/108) والمغني (8/495 9) وكذلك قبولُ هداياهم بسبب أعيادهم الدينية لا يجوزُ عند الجمهور لأنه تعظيمٌ لعيدهم وعون لهم على كفرهم ، وكذلك قبولُ هدايا هم بسبب أعيادهم لأن ذلك إقرار لها ومعاونةٌ على الكفرِ )  .
وبهذا ينتهي بحثٌ مختصٌ عن الهديةِ وحكمها وموانع الإهداء وأنواعها وغيرِها من المسائل
         
                                                        وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

أحكام الهدية في الاسلام 1\2


تعريُف الهديةِ :  ” العطيَّة ”

وجمعها : هدايا وهداوَي ، يقالُ : أهدى له و إليه ، وأهدى الهديةِ إلى فلان وله ، بعثَ بها إكراماً له ،
أما  التعريفُ الاصطلاحي الشرعي :
” فالهديةُ هي دفعُ عيني إلى شخصٍ معينٍ لحصولِ الألفةِ والثوابِ من غير طلب ولا شرطٍ ، وهناك عمومّ وخصوصٌ بين الهبةِ والعطيةِ والصدقة عند العلماء ، ومدارُ التعريفِ بينهما هو النيةُ ، فالصدقةُ تعطى للمحتاج ويبتغي بها وجهُ الله تعالى ، والهديةُ تعطى للفقير والغني ويقصدُ بها التحَّببُ والمكافأةُ عليها ، وقد يقصدُ بها وجهُ الله أيضاً ، أما الهبةُ والعطيةُ فليس بينهما فرقّ ، وقد يقصدُ بها إكرامُ الموهوِب أو المعطَى له فقط لمزيةٍ أو لسبب من الأسباب “
أنواعُ الهدايا  وحكمُ كلَّ منها :
(1) هديةِ الأعلى والنظير
(2)هديةُ الوالدين
(3) هدايا الخطوبةِ والزواج
(4) الهديةُ لقضاء الحاجةِ المباحة ” الشفاعة” 
(5) الهديةُ للانتفاع بالجـاه
(6) الهديةُ لنيل حق أو دفعِ ظلم 
(7) الهديةِ لإحقاقِ باطلِ أو إبطال حقّ              
(8) هديةُ القاضي
(9) هديةُ الوالي أو مفوض الحاكم
(10) هديةُ المفتي
(11)هديةُ المدرِّس               
(12) هديةُ الموظــفِ الـعام
(13)الهديةُ لغير المسلمين
وهذا النوع من الهدايا منها ما هو مشروعّ ومنها ما هو مستحَّب ومنها ما هو حرام ، وأجعلُ العلمِ ذكروا  ضوابط شرعيةً لبعضها ، نذكرها باختصار :
1)هديةُ الأعلى والنظير :
“أي من الأعلى للأدنى في الجاه والمنصب والمال ، أو من الكبير للصغير أ من المعلِّم للتلميذ أ من الشيخ للطالب وهكذا ، ويكونُ فيها إكرامُ وتحَّبب وصلةٌ ويقصدُ بها تأليفُ القلبِ وتأكيد الصحبةِ و المحّبةِ ، وتشجيع للصغيِروالتلميذ والطالبِ وغيرهم .
وقد يصحبُ هذا النوعَ من الهديةِ  مناسباتٌ دينيةّ كالعيدين ، أو مناسباتّ اجتماعيةّ كالزواج والولادةِ والختانِ والنجاحِ والترقيةِ والسفرِ والعودةِ منه ،
“والهديةُ في حضرة الحالاتِ مندوبّ إليها شرعاً إذا كانتَ لوجه الله تعالى ، وليس فيها محضورّ شرعيّ كالتشبيُّهِ بالمشركين في نوع الهديةِ.
2-هديةُ الوالدين لأولادهم :
من الهدايا التي تغرسُ المحَّبةَ في نفوس الأولاد ولكن لابدَّ من العدلِ بينهم في الهدايا إلا إذا كانَ هناك داع أو مقتضَى للتفضيل والتخصيص فلا بأس كأن يكون أحدُهم مريضاً أو أعمى أو كان ذا عائلةٍ أو طالت علم أو يريدُ الزواجَ أو يكون الإبنىِ الأكبرِ قد شارك في تكوين الثروةِ وتربيةِ إخوانه ن أو يقضي ديناً لآحد أبنائه أو ما شابه ذلك من الدواعي و الأسباب .
أمَّا إذا لم توجد الدواعي للتفصيل فالواجبُ العدلُ والتسوية ُبين الأولاد في العطيةِ :
وهو قوُل كثير من العلماءِ ومذهُب الإمام أحمد والبخاري وإسحاق والثوري وداود وابن تيمية وغيرهم ، واستدلّوا بحديث النعمانِ بن بشير رضي الله عنه وأنَّ أباه أتَى به إلى رسول إليه فقال :
إنِّي نحلتُ ابني صفرا غلاماً ، فقال : أكلَّ ولدكَ نحلتَ مثلهُ ؟ قال : لا فأرجعْه ) خ (2586) وفي رواية  ٍ قال : فلا تُشهْدني على جَوْر ) متفقّ عليه . وراجع الخلاف في المسألة في فتح الباري (5/215 ) .
“قال ابنُ تيمية رحمه الله (الحديثَ والآثارُ تدلّ على وجوب العدل (…… ثم هنا نوعان:
نوعّ يحتاجونَ إليه من النفقةِ في الصحَّةِ ونحو ذلك ، فالعدل فيه أن يعطيَ كلَّ واحدٍ ما يحتاجُ فيه ، ذكره في الاختياراتِ الفقهيةِ .
“ولا فرقَ بين الذكرِ والأنثى في التسوية بين الأولاد في العطية لحديث (سوّوا بين أولادكم في العطية) حسنه ابن حجر (5/214).
“لا نفرق بين الأب والأم في جواز الرجوع في هديةِ الأولادِ لحديث النعمان عن بشير السابقِ وحديث (لا يرجعُ أحدّ في هبتهِ إلا الوالدَ من ولده …) صم. ن . هـ – صحيح الجامع الصغير (7686 ).
3)هديةُ الخطوبةِ : ” هي ما يقّدمه أحدُ الزوجين للآخر بعد عقد القران وقبل الدخول”
وهذه الهدايا أن تكون أموراً مستهلكة ممَّا يؤكلُ أو يُلَبسُ أو يستعملُ وهذا لا رجعةَ فيها ، ولا يطالبُ بقيمتهِ أو بدله حالِ التفرقةِ بينهما .
“أما إذا كانتَ الهديةُ هي الشبْكَةُ أو ما في الأشياء الثمينةِ غير المستهلكةِ فإنها تُردُّ مع المهرِ كاملاً للزوج في حالةِ عدم إتمام الزواج من قبل الزوجةٍ أو وليِّها ، ولا يكونَ للزوج حقَّ الرجوع على مخطوبته بالهدايا والهباتِ إذا كانَ عدم إتمام الزواج راجعاً إليه وكانَ هو السببُ فيه ، وفي المذاهب الفقهيةِ تفصيلّ واسعّ وفي جميع الحالاتِ لابد من مراعاة العُرفِ بين الناس والمعروفُ عرفاً كالمشروط شرطاً.
4)الهديةُ لقضاءِ الحاجةِ المباحةٍ “الهديةُ علي الشفاعةِ “
والشفاعةُ هنا معناها الوساطةُ والتدخل بالجاه ابتغاء وجه الله تعالي وهي جائزةّ في غير الحدود التي بلغت الحاكمَ . ولا شكَّ أنها جائزةّ لقوله صلي الله عليه وسلم ( من استطاع منكم أن ينفَع أخاهُ فلينفعْهُ ) م . صم . هـ عن جابر ، صحيح الجامع (6019) وقال أيضاً ( اشفعُوا تؤجروا ) متفق عليه .
“وقال الله تعالى (من يشفعْ شفاعةً حسنةً يكُنْ له نصيبّ منها ، ومن يشفع شفاعةً سيئةً يكن له كفلّ منها ..) 85 النساء ، نصيب أي خطأ ، كفلّ أي إثماً وينبغي لمن يُوفّقُهُ اللهُ تعالى لقضاء حوائج الناسِ آلا يقبلَ مكرمةً مقابلَ شفاعتهِ ، ولا ينبغي الاستعانةَ بالهدايا على قضاء الحوائج وتيسير المهام حتى لا تتوقفُ الأمورُ على ذلك ، وتضيعُ المروءاتُ و الأخلاقُ بين الناس ويكونُ التعاملُ بينهم على أساس مادَّي .
“فإذا اشترط الشافعُ وهي جأئزة وإلا فيحرُمُ ذلك لأنه عوضّ عن الجاه ،
“وإذا لم يشترطْ الشافعُ أن يدفَعَ له شيئاً وانتفعَ المشفوعُ له بالشفاعةِ وأراد أن يهديَ له هديةً فالأفضلُ
أن لا يأخذهاَ ، فإذا أخذها جاز له ذلك .
“قال ابنُ حزم رحمه الله (من نصير آخر يفي حقٍّ أو دفع عنه ظلماً ولم يشترط عليه في ذلك عطاءً فأهَدي إليه مكافأةً فهذا حسنّ لا نكرهُه لأنه من جملةِ شكر المنعِم وهديةٌ بطيب نَفسي وما نعلمُ قرآناً ولا سنَّةً في المنع من ذلك) المحلًى (9/158) مسألة (1637)
5)الهديةُ للانتفاعِ بالجاهِ والمنصب :
فتكونُ الهديةُ للتقَّربِ إلى قلبِ المهدَي إليه وتحصيل محبَّتهِ ، لا لذاتها وإنّما لينتفعَ بجاهه وسلطانِه ومنزلتهِ عند الآخرين ، فيوصَّلَ بذلك إلي أغراضه ، وهذه الهديةُ شبيهةّ بالرشوةِ ، ويحرمُ أخذها فإنه كانَ الجاه ولايةَ قضاءٍ أو عملٍ أو حكمٍ أو رئاسة ٍأو منصب فهذه رشوةّ عُرضت في معرفي الهديةِ وكما يحُرمُ الآخذُ يحُرمُ العطاءُ أيضاً .
والفرقُ بين هذا النوع والذي قبله أن الأول يقصدُ به الهديةَ على عمل مباح ، أما هذا النوع فهو أعُّم من سابقه ، فقد يقصدُ به الإعانة على ظلم أو محرّم أو ما لا يحقّ له أو غير ذلك فيكونُ الرشوة المحرَّمةَ بعينها
6) الهديةُ لنيلِ حقٍّ أو دفع ظلم :
وذلك بأن لا يتعذّر على المسلم الوصولُ إلى حقِّه أو أن يدفع الشرَ الذي يلحقُ به ، فيدفع الهديةَ لمن يملكُ ذلك لتحقيق هدفهِ.
“أما تحرُيم الهديةِ في هذه الحالةِ على الأخذِ فممَّا لا يُشكَّ فيه أمرّ مجمع عليه …
وأما بالنسبةِ للمعطي ففيه خلاف بين أهل العلم والجمهور على جوازم ذلك ، والراجحُ عدمُ جواز ذلك لعموم حديث ( لعنَ الله الراشي والمرتشي في الحكم ) صم . ت .ك ( صحيح الجامع (5093) فعلى هذا تكون الهديةُ محرمة على الجانبين كما قال الشوكاني وغيرُهما   .
7) الهديةُ لإحقاقَ باطلٍ أو إبطال حقِّ :
بأن يدفعَ الهديةَ ليقلبَ الحقائقَ وُيغيِّر الأمور ، وهذه الهديةُ حرامّ على الجانبين أيضاً ، وهي الرشوةُ بعينها المحّرمةُ باتفاقٍ، ولأن القصدَ منها السعُي في إنجازِ محرَّم أو ظلم إنسانٍ أو آخذ ما لا يحفُّ أو غيرُ ذلك .
>>> يتبع