الأحد، 21 أغسطس 2016

ضعف الإيمان وعلاجه


      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،و بعد :

لا يخفى على كل مسلم ما للإيمان من منزلة رفيعة ومكانةٍ عاليةٍ ، إذ هـو أهم المهمات وأوجب الواجبات على الإطلاق وأعظمها وأجلُّها ، وكل خيرٍ في الدنيا والآخرة متوقفٌ على وجود الإيمان وصحته وسلامته وكم للإيمان من فوائد وثمار يانعةٍ وخيرٍ مستمر ، ومن هنا تنافس المتنافسون في العنايةِ بالإيمان تحقيقاً و تكميلاً، والمسلم الموفّقُ تكون عنايته بإيمانه أعظم من عنايته بكل شيء ، وهكذا كان سلفُ الأمّة يتعاهدون إيمانهم ويتفقدون أعمالهم ويتواصون بينهم.

*          فكان عمر بن الخطاب يقول لأصحابه (هلموا نزداد إيمانا) وفي لفظ (تعالوا…) شرح الطحاوية.
*          وكان عبد الله بن مسعود يقول (اجلسوا بنا نزداد إيمانا)  
*          وكان معاذ يقول (اجلسوا بنا نؤمن ساعة)
*          وكان أبو الدرداء يقول: (من فقه العبد أن يعلم أمُزدادٌ هو أو منتقص) شرح الطحاوية
*          وكان عمير بن حبيب الخطمي رضي الله عنه يقول (الإيمان يزيد وينقص ، فقيل:وما زيادته وما نقصه؟ قال:إذا ذكرنا الله وحمدناه فذلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا فذلك نقصانه)
*          وكان أحمد بن حنبل يقول (الإيمان قولٌ وعمل ، يزيد وينقص إذا عملت الخير زاد وإذا ضيعت نقص)
*          ولقد علم هؤلاء الأخيار أن للإيمان أسباباً كثيرة تُزيده وتقوية وتنمية ، وأن له أسباباً أخرى كثيرة تنقصه وتضعفه ، فاشتد حذرهم من كل ما يُضعف الإيمان وينقصه ، فكانوا أخياراً بررة .

فلابد للعبد المسلم الناصح لنفسه ، الحريص على سعادتها في الدنيا والآخرة ، أن يجتهد في معرفة مظاهر ضعف إيمانه ويقويه حتى ترتفع درجاته في الدنيا والآخرة .  يقول العلامة ابن سعدي ، رحمة الله (فالعبد المؤمن الموفق لا يزال يسعى في أمرين :أحدهما : تحقيق الإيمان وفروعه والتحقق بها علماً وعملاً وحالاً . والثاني :السعي في دفع ما ينافيها ويُنقصها من الفتن الظاهرة والباطنة) من كتاب التوضيح والبيان لشجرة الإيمان صـ38

*ومن هنا ، فهذا الدرس فيه بيان وتوضيح للنقاط التالية:

أ‌-         مظاهر وعلامات ضعف الإيمان   ب- أسباب ضعف الإيمان    جـ- علاج ضعف الإيمان

*والحديث موجه للمؤمنين الملتزمين ، الذين يحافظون على الصلوات المكتوبة ، ويقرؤون القرآن ، ويصومون رمضان ، ويؤدون الأركان ، ويصلون في الجماعات ، وقد يحضرون بعض مجالس العلم ، وقد يسابقون إلى الخيرات أحياناً ، وموجه لغيرهم من باب أولى .

أ‌)         أ ـ مظاهر وعلامات ضعف الإيمان :

1.        سهولة الوقوع في المعاصي والتدرج فيها حتى يتعود عليها ، وهذا دليل على ضعف إيمانه .
2.        عدم التأثر بآيات الله إذا سمعها أو قرأها أحياناً ، بل قد تمر عليه الشهور ولم يقرأ من كتاب الله آية فلا يتأثر بآيات الوعيد ولا بأوامر القرآن ولا نواهيه ولا مواعظه .
3.        ومن مظاهر ضعف الإيمان : ضيق الصدر وسرعة التضجر والتأفف ، والشعور بالضيق من تصرفات الناس وتنعدم السماحة ، فلا يتحمل إخوانه المسلمين ، بل قد يختلق المشاكل معهم .
4.        الشعور بقسوة القلب وخشونته ، فلا يشعر بحلاوة الطاعات ولا لذة العبادات .
5.        عدم إتقان العبادات ، ويتمثل ذلك في شرود الذهن أثناء العبادات كالصلاة وتلاوة القرآن والأذكار والدعاء وكذلك عدم التفكر في معاني الأذكار.
6.        ومن مظاهر ضعف الإيمان : عدم استشعار المسئولية تجاه هذا الدين ، وعدم التضحية بالمال والوقت لنصرة الإسلام والدعوة إليه والصبر على ذلك .
7.        ومن ذلك : التكاسل في أعمال الطاعات والعبادات ، والتفريط فيها . ومن صور التكاسل : إهمال النوافل والرواتب وقيام الليل والتبكير للمسجد ، وإهمال صلاة الجماعة والأذكار المسنونة وتلاوة القرآن وحضور مجالس العلم وغيرها من العبادات التي تقويِّ إيمانه وتحافظ عليه .
8.        ومن مظاهر ضعف الإيمان : الغفلة عن ذكر الله إلا قليلاً .
9.        عدم التأثر بالمواعظ وذكر الموت وحضور الجنائز ورؤية الأموات ، وإذا ذُكرت النار وما فيها من عذاب وجحيم وسموم ، لا يتأثر بل قد يكره ذكر الموت والقبور والآخرة .
10.     ومن علاماته : التعلق بالدنيا والشغف بها وحبها والجري خلف شهوات الجسد ، والشعور بالألم إذا فات شيئ من حظوظ الدنيا كالجاه والمنصب والمال والمسكن وغيرها . وفي الحديث الثابت : "إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين" والحديث في صحيح الجامع ، تضييع الأموال والأوقات في التزين والتنعم وتتبع الموديلات.
11.     من علامات ضعف الإيمان : عدم الغضب إذا انتهُكت محارم الله وعدم إنكار المنكر والأمر بالمعروف وفي الحديث الصحيح "إذا عُملت الخطيئة في الأرض ، كان من شاهدها فكرهها كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها ورضيها كمن شهدها" والحديث في صحيح الجامع الصغير .
12.     الوقوع في الشبهات والمكروهات واستصغار الذنوب والمعاصي : قال ابن مسعود رضي الله عنه (المؤمن يرى ذنوبه كجبلٍ يوشك أن يقع عليه ، والمنافق يرى ذنوبه كأنها ذبابٌ وقع على أنفه فقال هكذا فطار) صحيح البخاري ، فمن ضعف الإيمان عدم المبالاة بالوقوع في الذنوب.
13.     كثرة المراء والجدال المقسِّي للقلب ، وفشوُّ الأمراض القلبية كالحسد والغرور وغيرها.
14.     ومن علامات ضعف الإيمان : احتقار المعروف وعدم الاكتراث بمواسم الخيرات.
15.     ومن علامات ذلك : الفزع والخوف عند نزول مصيبةٍ أو حدوث مشكلة .

ب‌)      أسباب ضعف الإيمان: لابد من معرفتها حتى نحذرها :

1.        ترك الطاعة : قال الشيخ العثيمين (وأما نقص الإيمان فله أسبابه ، فذكر أموراً منها : ترك الطاعة فإن الإيمان ينقص به والنقص به على حسب تأكد الطاعة) فتح رب البرية صـ66
2.        الجهل وهو ضد العلم : وهو من أعظم أسباب نقص الإيمان . فالجاهل ، لفرط جهلة وقلة علمه ، فإنه قد يؤثر محبة وفعل ما يضره ويشقى به على ما فيه فلاحه وصلاحه ، وذلك لانقلاب الموازين عنده  فالجهل بالله داء خطير يجر على صاحبه الويلات والمعاصي والذنوب .
3.        فعل المعاصي وارتكاب الذنوب : قال كثير من السلف (الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية) فالذنوب والمعاصي تُنقص الإيمان وتتفاوت في إنقاصها له بحسب جنس الذنب وزمانه ومكانه والتهاون به ، وبحسب الفاعل له . وذكر ابن القيم بعض أخطار الذنوب وأضرارها ومنها (قلة التوفيق وفساد الرأي وخفاء الحق وفساد القلب وخمول الذكر وإضاعة الوقت ونفرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه وقسوة القلب ومحق البركة في الرزق والعمر وحرمان العلم وضيق الصدر وطول الهم والغم، وغيرها) الجواب الكافي صـ46
4.        ومن أسباب ضعف الإيمان : النفس الأمارة بالسوء : فلا أضّر على إيمان الشخص ودينه من نفسه الأمارة بالسوء ، ومن أراد المحافظة على إيمانه من النقص والضعف ، عليه أن يحاسب نفسه دائماً ، فعليه أن يحاسب نفسه قبل العمل ـ هل فيه منفعة أم فيه مضرة ؟ ويحاسب نفسه على طاعةٍ قصرت فيها من حق الله تعالى ، ويحاسب نفسه على عملٍ هل أراد به الله والدار الآخرة أم غير ذلك ؟ ويحاسب نفسه على الفرائض هل أنقص فيها أم لا ؟ فيتدارك ذلك بسرعة . ويحاسب نفسه على المناهي هل ارتكب منها شيئاً ، فيتدارك ذلك بالتوبـة والاستغفار والحسنات الماحية .
5.        الاشتغال بالدنيا والجري خلف ملذاتها وفتنتها ومغرياتها : فمتى عظمت رغبة العبد في الدنيا وتعلق قلبه بها ضعفت الطاعة عنده ونقص الإيمان بحسب ذلك . قال ابن القيم (وعلى قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة) الفوائد صـ180. قال صلى الله عليه وسلم "فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها وتُهلككم كما أهلكتهم" متفق عليه ـ فتح (7/320) م (42274) فلا بد من جهاد النفس في البعد عن الدنيا وفتنتها وملهياتها .
6.        ومن أسباب ضعف الإيمان : مخالطة ومصاحبة قرناء السوء وضعفاء الإيمان ، فخلطة الفســاق وأهل السوء من أعظم أسباب نقص الإيمان وضعفه .وكذلك الجلوس مع أهل البدع والأهواء .
7.        ومن أسباب ضعف الإيمان : الابتعاد عن الأجواء الإيمانية مثل مجالس العلم والذكر ، والرفقة الصالحة ، وصلاة الجماعة ، وتلاوة القرآن … وغيرها .
8.        بيئة المعاصي : في البيت والمجالس والأسواق والعمل  ،كلها تُقسِّي القلب إذا لم تكن في طاعة الله .
9.        ومن ذلك : الإسراف في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة والضحك .

ج‌)      علاج ضعف الإيمان  وأسباب زيادة الإيمان :

1.        تعلم العلم النافع المستمد من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم . قال ابن رجب (العلم النافع هو ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث) فضل علم السلف صـ45 . وفي الحديث المتفق عليه : "من يرد الله خيراً يفقهه في الدين" خ 12/293ـ فتح ـ م(1524)
*وزيادة الإيمان الحاصلة من جهة العلم تكون من وجوه متعددة منها :- من جهة خروج أهله في طلب العلم ، وجلوسهم في حلق الذكر ، ومذاكرة بعضهم بعضاً في مسائل العلم ، وزيادة معرفتهم بالله وشرعه وتطبيقهم لما تعلموه ، وتعليمهم الناس وغيرها من الوجوه .

*أما أبواب العلم الذي يحصل بها زيادة الإيمان ، فمنها :
* قراءة القرآن وتدبره . قال تعالى (وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيمانا)
* معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى تؤدي إلى محبته وخشيته وخوفه ورجائه ، فيزيد الإيمان
* قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ودراستها وتأمل خصاله الحميدة . قال ابن الجوزي (أنفع العلوم النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه) صيد الخاطر صـ66

2.        ومن علاج ضعف الإيمان : القيام بالأعمال الصالحة والإكثار منها والمداومة عليها . أما أعمـال القلب فمنها الإخلاص والخوف والرجاء والمحبة والتوكل والتوبة والصبر وغيرها . وأما أعمال اللسان  فأهمها ذكر الله عز وجل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء وغيرها . وأما أعمال الجوارح فالصلاة والصيام والحج والصدقة والدعوة إلى الله ، وطلب العلم وتعليمه . فإذا مُلئ الوقت بطاعة الله زاد الإيمان وقوي وأثمر ثمرات كثيرة .
3.        ومن علاج ضعف الإيمان : التفكر في الخاتمة وسوء الخاتمة. ومن ذلك : تذكر الموت والبرزخ والقبر وعذابه ونعيمه وأهوال القيامة والجنة والنار .
4.        الزهد في الدنيا والتفكر في نعيم الجنة .
5.        قلة الطعام والكلام والسهر والنوم والمخالطة.
6.        ومن علاج ضعف الإيمان : الرفقة الصالحة والمجالس الإيمانية.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

حلاوة الإيمان ولذة الطاعة


    الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ علي خاتم النبيين والمرسلين ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله  وبعد،،

مُقدّمــةٌ :

قال الله تعالى )فمن تبع هدايَ فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون) البقرة .

تكفل الله لمن التزم منهجه أن يمنحه الحياة السعيدة ، ويؤمِّنه من الخوف والجزعِ والحزنِ في الدنيا ، وأن يمنحه العيشةَ المليئةَ بالسكينةِ والاطمئنان .
فالسعادة الحقيقية ليست في الغنى ورخاء العيش ووفرة النعيم الدنيوي ، وإنما السعادة في السير على منهج الله تعالى .
(ولست أرى السعادةَ جمع مالٍ  ..... ولكنَّ التقي هو السعيدُ)

وما يعيشه كثيرٌ من الناس من قلقٍ وهمٍّ وأمراض نفسية وعصبية وأرقٍ في النوم ، ما هو إلا نتيجةً طبيعيةً للبعد عن منهج الله والتعلق بغير الله .

قال ابن القيم رحمه الله (الغموم والهموم والأحزان والضيق ، عقوباتٌ عاجلةٌ ونارٌ دنيويةٌ ، والإقبال على الله والإنابة إليه ، والرضى به ، وامتلاءُ القلب من محبتهِ ، واللهجُ بذكره ، والفرح والسرورُ بمعرفته  ثوابٌ عاجلٌ وجنّةٌ وعَيشٌ لا نسبة لعيش الملوك البتَّةَ) الوابل الصيب

فالسير على منهج الله تعالى والاقبال عليه يؤدي إلى ثمراتٍ عاجلةٍ في الدنيا ومنحٍ كثيرةٍ يمنحها الله لعبده المؤمن .

ومن أعظم هذه الثمرات : حلاوة الإيمان ولذَّة الطاعة

    في الصحيحين عن رسول الله قال :"ثلاثٌ مَنْ كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان...."
قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث عن مسلم (معنى حلاوة الإيمان: استلذاذُ الطاعات ، وتحمل المشقات في رضى الله تعالى) فالإيمان له حلاوةٌ والطاعات لها لذّةٌ والعبادات لها سعادة وراحة .

ولذة العبادة هي ما يجده المسلم من راحة النفس وسعادة القلب وانشراح الصدر ، وسعة البال أثناء العبادة وعقب الانتهاء منها .وهذه اللذة تتفاوت من شخص إلى شخص حسب قوة الإيمان وضعفه .وهذه اللذة تحصل بحصول أسبابها وتزول بزوال أسبابها .

وقبل ذكر أسباب تحصيل حلاوة الإيمان ولذّة العبادة ، نستعرض بعض المواقف من السيرة النبوية وحياة السلف

بعض المواقف من السيرة وحياة السلف :

كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لبلال "أرحنا بالصلاة يا بلال" ، وذلك لما يجده فيها من اللذة والسعادة القلبية  ولذلك يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ، وكان صلي الله عليه وسلم  يقول "…وجُعلت قرَة عيني في الصلاة"

وها هو معاذ بن جبل رضي الله عنه يبكي عند موتهِ ويقول (إنما أبكي على ضمأ الهواجر ، وقيام ليل الشتاء ، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر) فهو رضي الله عنه يجد اللذة والسعادة عند صيام الأيام الحارة وقيام الليل في الشتاء والليالي الباردة ، ويجد اللذة والسعادة في مجالس العلم.

ويقول ابن تيمية رحمه الله (إن في الدنيا جنةً ، منْ لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة) وهذه الجنة هي لذة الطاعة وحلاوة الإيمان .

يقول أحد السلف (إنّه ليمُر بي أوقات أقول فيها: إنْ كان أهل الجنة في مثل هذا ، إنهم لفي عيشٍ طيب)

ويقول آخر (مساكين أهل الغفلة ، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها)

ويقول ثالث (لو علم الملوك وأبناء الملوك بما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف)

(فما هي أسباب تحصيل هذه اللذة وهذه الحلاوة؟)

1)       2) محبَّة الله تعالى ومحبة رسوله صلي الله عليه وسلم بأداء حق الله وحق رسوله :

في الصحيحين عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال "ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما ، وأنْ يحب المرء لا يُحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يٌقذف في النار"  متفق عليه ، البخاري (21) ومسلم (43)

أما محبة الله : فيقول ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان (2/197) (انه لا شيء أحبَّ إلى القلوب من خالقها فهو معبودُها وربُّها ورازقها ، فمحبته نعيمُ النفوس وسرورها ، فليس عند القلوب السليمة أحلى ولا ألذّ ولا أطيب ولا أنعمَ من محبته والأنسِ به ، والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كل حلاوة ، ولذلك قال بعض السلف (إنّه لَيمرُّ بالقلب أوقات يهتز فيها طرباً بأنسهِ بالله وحبه له) ، وقال آخر (أطيب ما في الدنيا معرفته ومحبته وأطيب ما في الآخرة رؤيته). وقوة حلاوة محبة الله وضعفها وزيادتها ونقصانها هي بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه

فكلما زاد الإيمان وقويَ ، كلما شعر المسلم بحلاوة الإيمان ووجد لذّة الطاعة ، وكلما زادت محبته لربه وخالقه كلما زادت حلاوة الإيمان عنده

 وأما محبةُ رسول الله صلي الله عليه وسلم : فمعناها أداءُ حقه في الطاعة والاتباع والولاء .

يقول ابن القيم رحمه الله في منزلة المحبة في مدارج السالكين: (لمّا كثر المدّعون للمحبة طولبوا بإقامة البيّنة على صحة الدعوى...) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (آل عمران (31) فتأخر الخلق كلهم وثبت اتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه)

ثم ذكر ابن القيم بعد ذلك الأسباب الجالبة لمحبة الله ورسوله فقال :

*          قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه .
*          التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض .
*          دوام ذكر الله على كل حال.
*          إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى .
*          مطالعة القلب لأسمائه وصفاته .
*          مشاهدة بّرِه واحسانه وآلائه ونعمه .
*          انكسار القلب بكُليّته بين يدي الله تعالى .
*          الخلوةُ به وقت النزول الإلهي .
*          مجالسةُ المحبين الصادقين .
*          مباعدة كل سببٍ يحول بين القلب وبين الله تعالى .

فمحبة الله ومحبة رسوله من أهـم أسباب تحصيل الإيمان

3)       الحــبُّ في اللــه :

   ففي الحديث السابق "...وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله" متفق عليه . وفي الحديث الآخر "من سرّه أن يجد حلاوة الإيمان فليُحبّ المرء لا يُحبه إلا لله" أحمد والحاكم والبغوي ، والمرء قد يحب آخر لماله أو جماله أو حسبه أو نسبه أو مصلحة شخصيةٍ أو عرضٍ دنيوي أو غير ذلك ، ولكن لا يشعر بحلاوة الإيمان إلا إذا أحب لله تعالى ولدينه الحق .

وأهم الأسباب التي تقوي الحب في الله

1.       إخبار من تحب أنّك تحبه في الله : في الحديث "إذا أحب أحدكم أخاه فلْيُعلمه أنه يحبه" البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي .
2.       إفشاء السلام : في الحديث "...أَوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم" مسلم  (2/35)
3.       الهديــة: في الحديث "تهادوا تحابوا" البخاري في الأدب المفرد بإسنادٍ حسن .
4.       تَخَوُّلُ الزيارةِ : في الحديث "زُر غبّاً تزدد حُباًّ" صحيح الجامع (3562)
5.       الحرصُ على الطاعةِ وتركُ المعصيةِ ، في الحديث "ما توادَّ اثنان في الله فيفرَّقٌ بينهما إلا بذنب يُحدثُه أحدُهما" البخاري في الأدب المفرد وهو في صحيح الجامع الصغير .

إذاً سرَّه أن يجدَ حلاوةَ الإيمان فليُحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله .

4)       كراهيةُ الكفرِ وأهلهِ :

ففي الحديث السابق (...وأن يكرهَ أن يعودَ إلى الكفرِ كما يكرهُ أن يُقذفَ في النّار) متفق عليه .

 فالعبدُ المؤمنُ الذي يجدُ حلاوةَ لا إله إلاّ الله ، يكرهُ أن يستبدل هذه الحلاوةَ بمرارة الكفر ، ويكرهُ الكفرَ لأنه يعلم أن الكفر نارٌ ، فمن يحبُّ أن يُلقي نفسَه في النّار .

وكراهيةُ الكفر معناها أداءُ حقِّ الإسلامِ في التمسُّك به ، ونبذُ المبادئ التي تخالفُ شرعَ الله  وتتعارضَ مع أحكامه كالشيوعية والعلمانيةِ وغيرها .

5)       ومن أسباب تحصيل حلاوة الإيمان ولذّة العبادة : ذكرُ الله تعالى :

قال الله تعالى (ألا بذكرِ الله تطمئنُ القلوبُ)

وفي صحيح مسلم (7/21) قال رسول الله "لا يقعدُ قومٌ في مجلسٍ يذكرونَ اللهَ فيه ، إلاّ حفّتهُم الملائكةُ   وغشيتْهُم الرحمةُ ، ونزلت عليهم السكينةُ ، وذكرهُم اللهُ فيمن عنده"

وللذكر فوائدٌ كثيرةٌ منها أن يجدَ الذاكرُ حلاوةَ الإيمان .

فذكرُ الله تعالى يجلبُ للقلب الفرحَ والسروَر والبسطَ والطمأنينةَ ، وهو أيسرُ العبادات وأجلُّها وأفضلها

6)       ومن الأسباب : الرضى بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً:

روى الإمامُ مسلمٌ عن رسول الله قال "ذاق طعمَ الإيمان من رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً "

قال النوويُّ في شرحه (معنى الحديث: لم يطلب غيرَ الله تعالى ، ولم يسع في غيرِ طريق الإسلام ، ولم يسلك إلاّ ما يوافق شريعة محمد ، ولا شك في أن مّنْ كانت هذه صفتُه فقد خلصت حلاوةُ الإيمان إلى قلبِه وذاق طعمَه)

والرضى بالله ربّاً يتضمنُ الرضى به معبوداً وناصراً ومعيناً ورازقاً وولياً .

والرضى بالله رباً يتضمنُ الرضى بما يُقدِّره سبحانه وتعالى عليه من خيرٍ أو غير ذلك .

والرضى بالله ربّاً يتضمنُ الرضى بما يؤمرُ به عزّ وجلَّ .

 وهناك أمورٌ تعينُ على الرضى بالله ربّاً منها التوكُّل عليه والتزامُ أوامره وتركُ ما نهى عنه ، ومنها علمُ العبدِ برحمةِ الله به وشفقتِه عليه (وكانَ بالمؤمنين رحيماً) الأحزاب 3 .

والرضى بمحمدٍ صلي الله عليه وسلم رسولاً يتضمنُ الانقيادَ له والتسليمَ المطلقَ إليه ، فلا يتحاكمُ إلا إليه ، فإذا قال أو حكمَ أو أمر أو نهى ، رضيَ كلَّ الرضى وسلَّم تسليماً قال تعالى (فلا وربِّك لا يؤمنونَ حتى يُحكِّموك فيما شجر بينهم ثمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممَّا قضيتَ ويُسلِّموا تسليما)  النساء (65)

والرضى بالإسلامِ ديناً يتضمنُ الرضَى منهجاً لنظام الحياةِ ، والاكتفاءَ به ، وأن اللهَ أكمله فلا تَجوزُ الزيادةُ عليه ولا النقصانُ .

والرضى بالإسلام ديناً يتضمنُ ترديدَ (رضيتُ بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً وبالإسلام ديناً)

* وخاصة عند الأذان :

قال صلي الله عليه وسلم "من قال حين يسمعُ المؤذن أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبدُه  ورسولُه ، رضيتُ بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً وبالإسلامِ ديناً ، غفر اللهُ ذنَبه " مسلم نووى 4/86

* وكذلك في الصباح والمساء :

    قال رسول الله "من قال حين يمُسي وإذا أصبح : رضيتُ بالله رباً وبالإسلامِ ديناً ، وبمحمدٍ نبياً ، كان حقاً على الله أن يرُضيه" الترمذيُّ.
فإذا سلك العبدُ أسبابَ الرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً ،ذاق طعم الإيمانِ ووجد حلاوةَ الطاعةِ .

7)       ومن أسباب تحصيل طعم الإيمان :

قولُه صلي الله عليه وسلم "ثلاثٌ من فَعَلَهُنَّ فقد طعمَ الإيمان : من عَبَدَ اللهَ وعلمَ أنه لا إله إلا الله ، وأعطى زكاةَ مالِه طيبةً بها نفسُه وزكىَّ نفسَه" صحيح الجامع الصغير .

8)       ومن الأسباب : تركُ فضولِ الطعام والشرابِ والكلامِ والنظر :

  لأن ذلك يؤدي إلى قسوةِ القلب فلا يشعر المؤمنُ بلذّة الطاعةِ ، فكثرةُ الطعام والشراب تُؤدي إلى الكسل والنوم فلا يشعر بلذة الطاعةِ ، وكثرةِ الكلام تؤدي إلى الوقوع في الأثام فيقسُوا القلبُ ولا يشعر بلذة الطاعة.

9)       ومن أسباب تحصيل طعمِ الإيمان وحلاوةِ الطاعةِ :

    البعدُ عن الذنوب والمعاصي :

فالمعاصي تُقسِّي القلبَ وتحرُمُ العبدَ من الطاعات والقربات ،

خلَّ الذنوبَ صغيرَها و كبيرَها فهو التُّقَى

             واصنعْ كماشٍ فوقَ أرضِ الشوكِ يحذرُ ما يرى

                                   لا تحقرنَّ صغيرةً إنّ الجبالَ من الحصَى

وترك الذنوبَ والمعاصي فيه حياةُ القلوب ، فإذا حَيَتِ القلوب ذاقَ العبدُ حلاوةَ الطاعةِ ،

رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ              وقد يورثُ الذلَّ إدمانُها

وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ              وخيرٌ لنفسك عصيانُها

يقولُ ابنُ القيمٌ في الجواب الكافي صـ58 (إنَّ للسيئةِ سواداً في الوجهِ وظلمةً في القلبِ ووهناً في البدنِ ، وبُغضاً في قلوب الخلق ، ونقصاناً في الرزق ، وإنَّ للحسنةِ ضياءً في الوجه ونوراً في القلب وسعةً في الرزق ومحبَّةً في قلوب الخلْقِ)

   وأخيــراً :

أنّ للإيمانِ حلاوةً في القلب وإنَّ للطاعةِ لذةً لا يشعرُ بها إلا من وفَّقَهُ الله ثم اتخذ الأسباب التي  تحصل بها هذه الحلاوةِ وهذه اللذّةَ ، فإذا شَعر بها اجتهد أكثر في أداءِ الطاعاتِ وتنفيذِ الواجباتِ وتركِ المنهياتِ ، وستكونُ الطاعةُ يسيرةً وسهلةً بفضل هذه اللذّةِ والحلاوةِ .



نسألُ الله تعالى أن يرزقنا حلاوةَ الإيمان ولذّةَ الطاعة .


وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين .