الأحد، 21 أغسطس 2016

حلاوة الإيمان ولذة الطاعة


    الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ علي خاتم النبيين والمرسلين ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله  وبعد،،

مُقدّمــةٌ :

قال الله تعالى )فمن تبع هدايَ فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون) البقرة .

تكفل الله لمن التزم منهجه أن يمنحه الحياة السعيدة ، ويؤمِّنه من الخوف والجزعِ والحزنِ في الدنيا ، وأن يمنحه العيشةَ المليئةَ بالسكينةِ والاطمئنان .
فالسعادة الحقيقية ليست في الغنى ورخاء العيش ووفرة النعيم الدنيوي ، وإنما السعادة في السير على منهج الله تعالى .
(ولست أرى السعادةَ جمع مالٍ  ..... ولكنَّ التقي هو السعيدُ)

وما يعيشه كثيرٌ من الناس من قلقٍ وهمٍّ وأمراض نفسية وعصبية وأرقٍ في النوم ، ما هو إلا نتيجةً طبيعيةً للبعد عن منهج الله والتعلق بغير الله .

قال ابن القيم رحمه الله (الغموم والهموم والأحزان والضيق ، عقوباتٌ عاجلةٌ ونارٌ دنيويةٌ ، والإقبال على الله والإنابة إليه ، والرضى به ، وامتلاءُ القلب من محبتهِ ، واللهجُ بذكره ، والفرح والسرورُ بمعرفته  ثوابٌ عاجلٌ وجنّةٌ وعَيشٌ لا نسبة لعيش الملوك البتَّةَ) الوابل الصيب

فالسير على منهج الله تعالى والاقبال عليه يؤدي إلى ثمراتٍ عاجلةٍ في الدنيا ومنحٍ كثيرةٍ يمنحها الله لعبده المؤمن .

ومن أعظم هذه الثمرات : حلاوة الإيمان ولذَّة الطاعة

    في الصحيحين عن رسول الله قال :"ثلاثٌ مَنْ كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان...."
قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث عن مسلم (معنى حلاوة الإيمان: استلذاذُ الطاعات ، وتحمل المشقات في رضى الله تعالى) فالإيمان له حلاوةٌ والطاعات لها لذّةٌ والعبادات لها سعادة وراحة .

ولذة العبادة هي ما يجده المسلم من راحة النفس وسعادة القلب وانشراح الصدر ، وسعة البال أثناء العبادة وعقب الانتهاء منها .وهذه اللذة تتفاوت من شخص إلى شخص حسب قوة الإيمان وضعفه .وهذه اللذة تحصل بحصول أسبابها وتزول بزوال أسبابها .

وقبل ذكر أسباب تحصيل حلاوة الإيمان ولذّة العبادة ، نستعرض بعض المواقف من السيرة النبوية وحياة السلف

بعض المواقف من السيرة وحياة السلف :

كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لبلال "أرحنا بالصلاة يا بلال" ، وذلك لما يجده فيها من اللذة والسعادة القلبية  ولذلك يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ، وكان صلي الله عليه وسلم  يقول "…وجُعلت قرَة عيني في الصلاة"

وها هو معاذ بن جبل رضي الله عنه يبكي عند موتهِ ويقول (إنما أبكي على ضمأ الهواجر ، وقيام ليل الشتاء ، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر) فهو رضي الله عنه يجد اللذة والسعادة عند صيام الأيام الحارة وقيام الليل في الشتاء والليالي الباردة ، ويجد اللذة والسعادة في مجالس العلم.

ويقول ابن تيمية رحمه الله (إن في الدنيا جنةً ، منْ لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة) وهذه الجنة هي لذة الطاعة وحلاوة الإيمان .

يقول أحد السلف (إنّه ليمُر بي أوقات أقول فيها: إنْ كان أهل الجنة في مثل هذا ، إنهم لفي عيشٍ طيب)

ويقول آخر (مساكين أهل الغفلة ، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها)

ويقول ثالث (لو علم الملوك وأبناء الملوك بما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف)

(فما هي أسباب تحصيل هذه اللذة وهذه الحلاوة؟)

1)       2) محبَّة الله تعالى ومحبة رسوله صلي الله عليه وسلم بأداء حق الله وحق رسوله :

في الصحيحين عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال "ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما ، وأنْ يحب المرء لا يُحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يٌقذف في النار"  متفق عليه ، البخاري (21) ومسلم (43)

أما محبة الله : فيقول ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان (2/197) (انه لا شيء أحبَّ إلى القلوب من خالقها فهو معبودُها وربُّها ورازقها ، فمحبته نعيمُ النفوس وسرورها ، فليس عند القلوب السليمة أحلى ولا ألذّ ولا أطيب ولا أنعمَ من محبته والأنسِ به ، والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كل حلاوة ، ولذلك قال بعض السلف (إنّه لَيمرُّ بالقلب أوقات يهتز فيها طرباً بأنسهِ بالله وحبه له) ، وقال آخر (أطيب ما في الدنيا معرفته ومحبته وأطيب ما في الآخرة رؤيته). وقوة حلاوة محبة الله وضعفها وزيادتها ونقصانها هي بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه

فكلما زاد الإيمان وقويَ ، كلما شعر المسلم بحلاوة الإيمان ووجد لذّة الطاعة ، وكلما زادت محبته لربه وخالقه كلما زادت حلاوة الإيمان عنده

 وأما محبةُ رسول الله صلي الله عليه وسلم : فمعناها أداءُ حقه في الطاعة والاتباع والولاء .

يقول ابن القيم رحمه الله في منزلة المحبة في مدارج السالكين: (لمّا كثر المدّعون للمحبة طولبوا بإقامة البيّنة على صحة الدعوى...) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (آل عمران (31) فتأخر الخلق كلهم وثبت اتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه)

ثم ذكر ابن القيم بعد ذلك الأسباب الجالبة لمحبة الله ورسوله فقال :

*          قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه .
*          التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض .
*          دوام ذكر الله على كل حال.
*          إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى .
*          مطالعة القلب لأسمائه وصفاته .
*          مشاهدة بّرِه واحسانه وآلائه ونعمه .
*          انكسار القلب بكُليّته بين يدي الله تعالى .
*          الخلوةُ به وقت النزول الإلهي .
*          مجالسةُ المحبين الصادقين .
*          مباعدة كل سببٍ يحول بين القلب وبين الله تعالى .

فمحبة الله ومحبة رسوله من أهـم أسباب تحصيل الإيمان

3)       الحــبُّ في اللــه :

   ففي الحديث السابق "...وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله" متفق عليه . وفي الحديث الآخر "من سرّه أن يجد حلاوة الإيمان فليُحبّ المرء لا يُحبه إلا لله" أحمد والحاكم والبغوي ، والمرء قد يحب آخر لماله أو جماله أو حسبه أو نسبه أو مصلحة شخصيةٍ أو عرضٍ دنيوي أو غير ذلك ، ولكن لا يشعر بحلاوة الإيمان إلا إذا أحب لله تعالى ولدينه الحق .

وأهم الأسباب التي تقوي الحب في الله

1.       إخبار من تحب أنّك تحبه في الله : في الحديث "إذا أحب أحدكم أخاه فلْيُعلمه أنه يحبه" البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي .
2.       إفشاء السلام : في الحديث "...أَوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم" مسلم  (2/35)
3.       الهديــة: في الحديث "تهادوا تحابوا" البخاري في الأدب المفرد بإسنادٍ حسن .
4.       تَخَوُّلُ الزيارةِ : في الحديث "زُر غبّاً تزدد حُباًّ" صحيح الجامع (3562)
5.       الحرصُ على الطاعةِ وتركُ المعصيةِ ، في الحديث "ما توادَّ اثنان في الله فيفرَّقٌ بينهما إلا بذنب يُحدثُه أحدُهما" البخاري في الأدب المفرد وهو في صحيح الجامع الصغير .

إذاً سرَّه أن يجدَ حلاوةَ الإيمان فليُحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله .

4)       كراهيةُ الكفرِ وأهلهِ :

ففي الحديث السابق (...وأن يكرهَ أن يعودَ إلى الكفرِ كما يكرهُ أن يُقذفَ في النّار) متفق عليه .

 فالعبدُ المؤمنُ الذي يجدُ حلاوةَ لا إله إلاّ الله ، يكرهُ أن يستبدل هذه الحلاوةَ بمرارة الكفر ، ويكرهُ الكفرَ لأنه يعلم أن الكفر نارٌ ، فمن يحبُّ أن يُلقي نفسَه في النّار .

وكراهيةُ الكفر معناها أداءُ حقِّ الإسلامِ في التمسُّك به ، ونبذُ المبادئ التي تخالفُ شرعَ الله  وتتعارضَ مع أحكامه كالشيوعية والعلمانيةِ وغيرها .

5)       ومن أسباب تحصيل حلاوة الإيمان ولذّة العبادة : ذكرُ الله تعالى :

قال الله تعالى (ألا بذكرِ الله تطمئنُ القلوبُ)

وفي صحيح مسلم (7/21) قال رسول الله "لا يقعدُ قومٌ في مجلسٍ يذكرونَ اللهَ فيه ، إلاّ حفّتهُم الملائكةُ   وغشيتْهُم الرحمةُ ، ونزلت عليهم السكينةُ ، وذكرهُم اللهُ فيمن عنده"

وللذكر فوائدٌ كثيرةٌ منها أن يجدَ الذاكرُ حلاوةَ الإيمان .

فذكرُ الله تعالى يجلبُ للقلب الفرحَ والسروَر والبسطَ والطمأنينةَ ، وهو أيسرُ العبادات وأجلُّها وأفضلها

6)       ومن الأسباب : الرضى بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً:

روى الإمامُ مسلمٌ عن رسول الله قال "ذاق طعمَ الإيمان من رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً "

قال النوويُّ في شرحه (معنى الحديث: لم يطلب غيرَ الله تعالى ، ولم يسع في غيرِ طريق الإسلام ، ولم يسلك إلاّ ما يوافق شريعة محمد ، ولا شك في أن مّنْ كانت هذه صفتُه فقد خلصت حلاوةُ الإيمان إلى قلبِه وذاق طعمَه)

والرضى بالله ربّاً يتضمنُ الرضى به معبوداً وناصراً ومعيناً ورازقاً وولياً .

والرضى بالله رباً يتضمنُ الرضى بما يُقدِّره سبحانه وتعالى عليه من خيرٍ أو غير ذلك .

والرضى بالله ربّاً يتضمنُ الرضى بما يؤمرُ به عزّ وجلَّ .

 وهناك أمورٌ تعينُ على الرضى بالله ربّاً منها التوكُّل عليه والتزامُ أوامره وتركُ ما نهى عنه ، ومنها علمُ العبدِ برحمةِ الله به وشفقتِه عليه (وكانَ بالمؤمنين رحيماً) الأحزاب 3 .

والرضى بمحمدٍ صلي الله عليه وسلم رسولاً يتضمنُ الانقيادَ له والتسليمَ المطلقَ إليه ، فلا يتحاكمُ إلا إليه ، فإذا قال أو حكمَ أو أمر أو نهى ، رضيَ كلَّ الرضى وسلَّم تسليماً قال تعالى (فلا وربِّك لا يؤمنونَ حتى يُحكِّموك فيما شجر بينهم ثمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممَّا قضيتَ ويُسلِّموا تسليما)  النساء (65)

والرضى بالإسلامِ ديناً يتضمنُ الرضَى منهجاً لنظام الحياةِ ، والاكتفاءَ به ، وأن اللهَ أكمله فلا تَجوزُ الزيادةُ عليه ولا النقصانُ .

والرضى بالإسلام ديناً يتضمنُ ترديدَ (رضيتُ بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً وبالإسلام ديناً)

* وخاصة عند الأذان :

قال صلي الله عليه وسلم "من قال حين يسمعُ المؤذن أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبدُه  ورسولُه ، رضيتُ بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً وبالإسلامِ ديناً ، غفر اللهُ ذنَبه " مسلم نووى 4/86

* وكذلك في الصباح والمساء :

    قال رسول الله "من قال حين يمُسي وإذا أصبح : رضيتُ بالله رباً وبالإسلامِ ديناً ، وبمحمدٍ نبياً ، كان حقاً على الله أن يرُضيه" الترمذيُّ.
فإذا سلك العبدُ أسبابَ الرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً ،ذاق طعم الإيمانِ ووجد حلاوةَ الطاعةِ .

7)       ومن أسباب تحصيل طعم الإيمان :

قولُه صلي الله عليه وسلم "ثلاثٌ من فَعَلَهُنَّ فقد طعمَ الإيمان : من عَبَدَ اللهَ وعلمَ أنه لا إله إلا الله ، وأعطى زكاةَ مالِه طيبةً بها نفسُه وزكىَّ نفسَه" صحيح الجامع الصغير .

8)       ومن الأسباب : تركُ فضولِ الطعام والشرابِ والكلامِ والنظر :

  لأن ذلك يؤدي إلى قسوةِ القلب فلا يشعر المؤمنُ بلذّة الطاعةِ ، فكثرةُ الطعام والشراب تُؤدي إلى الكسل والنوم فلا يشعر بلذة الطاعةِ ، وكثرةِ الكلام تؤدي إلى الوقوع في الأثام فيقسُوا القلبُ ولا يشعر بلذة الطاعة.

9)       ومن أسباب تحصيل طعمِ الإيمان وحلاوةِ الطاعةِ :

    البعدُ عن الذنوب والمعاصي :

فالمعاصي تُقسِّي القلبَ وتحرُمُ العبدَ من الطاعات والقربات ،

خلَّ الذنوبَ صغيرَها و كبيرَها فهو التُّقَى

             واصنعْ كماشٍ فوقَ أرضِ الشوكِ يحذرُ ما يرى

                                   لا تحقرنَّ صغيرةً إنّ الجبالَ من الحصَى

وترك الذنوبَ والمعاصي فيه حياةُ القلوب ، فإذا حَيَتِ القلوب ذاقَ العبدُ حلاوةَ الطاعةِ ،

رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ              وقد يورثُ الذلَّ إدمانُها

وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ              وخيرٌ لنفسك عصيانُها

يقولُ ابنُ القيمٌ في الجواب الكافي صـ58 (إنَّ للسيئةِ سواداً في الوجهِ وظلمةً في القلبِ ووهناً في البدنِ ، وبُغضاً في قلوب الخلق ، ونقصاناً في الرزق ، وإنَّ للحسنةِ ضياءً في الوجه ونوراً في القلب وسعةً في الرزق ومحبَّةً في قلوب الخلْقِ)

   وأخيــراً :

أنّ للإيمانِ حلاوةً في القلب وإنَّ للطاعةِ لذةً لا يشعرُ بها إلا من وفَّقَهُ الله ثم اتخذ الأسباب التي  تحصل بها هذه الحلاوةِ وهذه اللذّةَ ، فإذا شَعر بها اجتهد أكثر في أداءِ الطاعاتِ وتنفيذِ الواجباتِ وتركِ المنهياتِ ، وستكونُ الطاعةُ يسيرةً وسهلةً بفضل هذه اللذّةِ والحلاوةِ .



نسألُ الله تعالى أن يرزقنا حلاوةَ الإيمان ولذّةَ الطاعة .


وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق