الأحد، 21 أغسطس 2016

ضعف الإيمان وعلاجه


      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،و بعد :

لا يخفى على كل مسلم ما للإيمان من منزلة رفيعة ومكانةٍ عاليةٍ ، إذ هـو أهم المهمات وأوجب الواجبات على الإطلاق وأعظمها وأجلُّها ، وكل خيرٍ في الدنيا والآخرة متوقفٌ على وجود الإيمان وصحته وسلامته وكم للإيمان من فوائد وثمار يانعةٍ وخيرٍ مستمر ، ومن هنا تنافس المتنافسون في العنايةِ بالإيمان تحقيقاً و تكميلاً، والمسلم الموفّقُ تكون عنايته بإيمانه أعظم من عنايته بكل شيء ، وهكذا كان سلفُ الأمّة يتعاهدون إيمانهم ويتفقدون أعمالهم ويتواصون بينهم.

*          فكان عمر بن الخطاب يقول لأصحابه (هلموا نزداد إيمانا) وفي لفظ (تعالوا…) شرح الطحاوية.
*          وكان عبد الله بن مسعود يقول (اجلسوا بنا نزداد إيمانا)  
*          وكان معاذ يقول (اجلسوا بنا نؤمن ساعة)
*          وكان أبو الدرداء يقول: (من فقه العبد أن يعلم أمُزدادٌ هو أو منتقص) شرح الطحاوية
*          وكان عمير بن حبيب الخطمي رضي الله عنه يقول (الإيمان يزيد وينقص ، فقيل:وما زيادته وما نقصه؟ قال:إذا ذكرنا الله وحمدناه فذلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا فذلك نقصانه)
*          وكان أحمد بن حنبل يقول (الإيمان قولٌ وعمل ، يزيد وينقص إذا عملت الخير زاد وإذا ضيعت نقص)
*          ولقد علم هؤلاء الأخيار أن للإيمان أسباباً كثيرة تُزيده وتقوية وتنمية ، وأن له أسباباً أخرى كثيرة تنقصه وتضعفه ، فاشتد حذرهم من كل ما يُضعف الإيمان وينقصه ، فكانوا أخياراً بررة .

فلابد للعبد المسلم الناصح لنفسه ، الحريص على سعادتها في الدنيا والآخرة ، أن يجتهد في معرفة مظاهر ضعف إيمانه ويقويه حتى ترتفع درجاته في الدنيا والآخرة .  يقول العلامة ابن سعدي ، رحمة الله (فالعبد المؤمن الموفق لا يزال يسعى في أمرين :أحدهما : تحقيق الإيمان وفروعه والتحقق بها علماً وعملاً وحالاً . والثاني :السعي في دفع ما ينافيها ويُنقصها من الفتن الظاهرة والباطنة) من كتاب التوضيح والبيان لشجرة الإيمان صـ38

*ومن هنا ، فهذا الدرس فيه بيان وتوضيح للنقاط التالية:

أ‌-         مظاهر وعلامات ضعف الإيمان   ب- أسباب ضعف الإيمان    جـ- علاج ضعف الإيمان

*والحديث موجه للمؤمنين الملتزمين ، الذين يحافظون على الصلوات المكتوبة ، ويقرؤون القرآن ، ويصومون رمضان ، ويؤدون الأركان ، ويصلون في الجماعات ، وقد يحضرون بعض مجالس العلم ، وقد يسابقون إلى الخيرات أحياناً ، وموجه لغيرهم من باب أولى .

أ‌)         أ ـ مظاهر وعلامات ضعف الإيمان :

1.        سهولة الوقوع في المعاصي والتدرج فيها حتى يتعود عليها ، وهذا دليل على ضعف إيمانه .
2.        عدم التأثر بآيات الله إذا سمعها أو قرأها أحياناً ، بل قد تمر عليه الشهور ولم يقرأ من كتاب الله آية فلا يتأثر بآيات الوعيد ولا بأوامر القرآن ولا نواهيه ولا مواعظه .
3.        ومن مظاهر ضعف الإيمان : ضيق الصدر وسرعة التضجر والتأفف ، والشعور بالضيق من تصرفات الناس وتنعدم السماحة ، فلا يتحمل إخوانه المسلمين ، بل قد يختلق المشاكل معهم .
4.        الشعور بقسوة القلب وخشونته ، فلا يشعر بحلاوة الطاعات ولا لذة العبادات .
5.        عدم إتقان العبادات ، ويتمثل ذلك في شرود الذهن أثناء العبادات كالصلاة وتلاوة القرآن والأذكار والدعاء وكذلك عدم التفكر في معاني الأذكار.
6.        ومن مظاهر ضعف الإيمان : عدم استشعار المسئولية تجاه هذا الدين ، وعدم التضحية بالمال والوقت لنصرة الإسلام والدعوة إليه والصبر على ذلك .
7.        ومن ذلك : التكاسل في أعمال الطاعات والعبادات ، والتفريط فيها . ومن صور التكاسل : إهمال النوافل والرواتب وقيام الليل والتبكير للمسجد ، وإهمال صلاة الجماعة والأذكار المسنونة وتلاوة القرآن وحضور مجالس العلم وغيرها من العبادات التي تقويِّ إيمانه وتحافظ عليه .
8.        ومن مظاهر ضعف الإيمان : الغفلة عن ذكر الله إلا قليلاً .
9.        عدم التأثر بالمواعظ وذكر الموت وحضور الجنائز ورؤية الأموات ، وإذا ذُكرت النار وما فيها من عذاب وجحيم وسموم ، لا يتأثر بل قد يكره ذكر الموت والقبور والآخرة .
10.     ومن علاماته : التعلق بالدنيا والشغف بها وحبها والجري خلف شهوات الجسد ، والشعور بالألم إذا فات شيئ من حظوظ الدنيا كالجاه والمنصب والمال والمسكن وغيرها . وفي الحديث الثابت : "إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين" والحديث في صحيح الجامع ، تضييع الأموال والأوقات في التزين والتنعم وتتبع الموديلات.
11.     من علامات ضعف الإيمان : عدم الغضب إذا انتهُكت محارم الله وعدم إنكار المنكر والأمر بالمعروف وفي الحديث الصحيح "إذا عُملت الخطيئة في الأرض ، كان من شاهدها فكرهها كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها ورضيها كمن شهدها" والحديث في صحيح الجامع الصغير .
12.     الوقوع في الشبهات والمكروهات واستصغار الذنوب والمعاصي : قال ابن مسعود رضي الله عنه (المؤمن يرى ذنوبه كجبلٍ يوشك أن يقع عليه ، والمنافق يرى ذنوبه كأنها ذبابٌ وقع على أنفه فقال هكذا فطار) صحيح البخاري ، فمن ضعف الإيمان عدم المبالاة بالوقوع في الذنوب.
13.     كثرة المراء والجدال المقسِّي للقلب ، وفشوُّ الأمراض القلبية كالحسد والغرور وغيرها.
14.     ومن علامات ضعف الإيمان : احتقار المعروف وعدم الاكتراث بمواسم الخيرات.
15.     ومن علامات ذلك : الفزع والخوف عند نزول مصيبةٍ أو حدوث مشكلة .

ب‌)      أسباب ضعف الإيمان: لابد من معرفتها حتى نحذرها :

1.        ترك الطاعة : قال الشيخ العثيمين (وأما نقص الإيمان فله أسبابه ، فذكر أموراً منها : ترك الطاعة فإن الإيمان ينقص به والنقص به على حسب تأكد الطاعة) فتح رب البرية صـ66
2.        الجهل وهو ضد العلم : وهو من أعظم أسباب نقص الإيمان . فالجاهل ، لفرط جهلة وقلة علمه ، فإنه قد يؤثر محبة وفعل ما يضره ويشقى به على ما فيه فلاحه وصلاحه ، وذلك لانقلاب الموازين عنده  فالجهل بالله داء خطير يجر على صاحبه الويلات والمعاصي والذنوب .
3.        فعل المعاصي وارتكاب الذنوب : قال كثير من السلف (الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية) فالذنوب والمعاصي تُنقص الإيمان وتتفاوت في إنقاصها له بحسب جنس الذنب وزمانه ومكانه والتهاون به ، وبحسب الفاعل له . وذكر ابن القيم بعض أخطار الذنوب وأضرارها ومنها (قلة التوفيق وفساد الرأي وخفاء الحق وفساد القلب وخمول الذكر وإضاعة الوقت ونفرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه وقسوة القلب ومحق البركة في الرزق والعمر وحرمان العلم وضيق الصدر وطول الهم والغم، وغيرها) الجواب الكافي صـ46
4.        ومن أسباب ضعف الإيمان : النفس الأمارة بالسوء : فلا أضّر على إيمان الشخص ودينه من نفسه الأمارة بالسوء ، ومن أراد المحافظة على إيمانه من النقص والضعف ، عليه أن يحاسب نفسه دائماً ، فعليه أن يحاسب نفسه قبل العمل ـ هل فيه منفعة أم فيه مضرة ؟ ويحاسب نفسه على طاعةٍ قصرت فيها من حق الله تعالى ، ويحاسب نفسه على عملٍ هل أراد به الله والدار الآخرة أم غير ذلك ؟ ويحاسب نفسه على الفرائض هل أنقص فيها أم لا ؟ فيتدارك ذلك بسرعة . ويحاسب نفسه على المناهي هل ارتكب منها شيئاً ، فيتدارك ذلك بالتوبـة والاستغفار والحسنات الماحية .
5.        الاشتغال بالدنيا والجري خلف ملذاتها وفتنتها ومغرياتها : فمتى عظمت رغبة العبد في الدنيا وتعلق قلبه بها ضعفت الطاعة عنده ونقص الإيمان بحسب ذلك . قال ابن القيم (وعلى قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة) الفوائد صـ180. قال صلى الله عليه وسلم "فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها وتُهلككم كما أهلكتهم" متفق عليه ـ فتح (7/320) م (42274) فلا بد من جهاد النفس في البعد عن الدنيا وفتنتها وملهياتها .
6.        ومن أسباب ضعف الإيمان : مخالطة ومصاحبة قرناء السوء وضعفاء الإيمان ، فخلطة الفســاق وأهل السوء من أعظم أسباب نقص الإيمان وضعفه .وكذلك الجلوس مع أهل البدع والأهواء .
7.        ومن أسباب ضعف الإيمان : الابتعاد عن الأجواء الإيمانية مثل مجالس العلم والذكر ، والرفقة الصالحة ، وصلاة الجماعة ، وتلاوة القرآن … وغيرها .
8.        بيئة المعاصي : في البيت والمجالس والأسواق والعمل  ،كلها تُقسِّي القلب إذا لم تكن في طاعة الله .
9.        ومن ذلك : الإسراف في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة والضحك .

ج‌)      علاج ضعف الإيمان  وأسباب زيادة الإيمان :

1.        تعلم العلم النافع المستمد من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم . قال ابن رجب (العلم النافع هو ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث) فضل علم السلف صـ45 . وفي الحديث المتفق عليه : "من يرد الله خيراً يفقهه في الدين" خ 12/293ـ فتح ـ م(1524)
*وزيادة الإيمان الحاصلة من جهة العلم تكون من وجوه متعددة منها :- من جهة خروج أهله في طلب العلم ، وجلوسهم في حلق الذكر ، ومذاكرة بعضهم بعضاً في مسائل العلم ، وزيادة معرفتهم بالله وشرعه وتطبيقهم لما تعلموه ، وتعليمهم الناس وغيرها من الوجوه .

*أما أبواب العلم الذي يحصل بها زيادة الإيمان ، فمنها :
* قراءة القرآن وتدبره . قال تعالى (وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيمانا)
* معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى تؤدي إلى محبته وخشيته وخوفه ورجائه ، فيزيد الإيمان
* قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ودراستها وتأمل خصاله الحميدة . قال ابن الجوزي (أنفع العلوم النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه) صيد الخاطر صـ66

2.        ومن علاج ضعف الإيمان : القيام بالأعمال الصالحة والإكثار منها والمداومة عليها . أما أعمـال القلب فمنها الإخلاص والخوف والرجاء والمحبة والتوكل والتوبة والصبر وغيرها . وأما أعمال اللسان  فأهمها ذكر الله عز وجل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء وغيرها . وأما أعمال الجوارح فالصلاة والصيام والحج والصدقة والدعوة إلى الله ، وطلب العلم وتعليمه . فإذا مُلئ الوقت بطاعة الله زاد الإيمان وقوي وأثمر ثمرات كثيرة .
3.        ومن علاج ضعف الإيمان : التفكر في الخاتمة وسوء الخاتمة. ومن ذلك : تذكر الموت والبرزخ والقبر وعذابه ونعيمه وأهوال القيامة والجنة والنار .
4.        الزهد في الدنيا والتفكر في نعيم الجنة .
5.        قلة الطعام والكلام والسهر والنوم والمخالطة.
6.        ومن علاج ضعف الإيمان : الرفقة الصالحة والمجالس الإيمانية.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق