الأحد، 14 أغسطس 2016

مقدّماتٌ لدراسة الفقه الإسلامي

 الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ علي خاتم النبيين  ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله  وبعد،،

منزلةُ الفقهِ في الدين

قال الله تعالى  )وما كانَ المؤمنونَ ليَنْفرُوا كافَّةً ، فَلَولا نَفَرَ من كلَّ فرقةٍ منهُم طائفةٌ ليتفقُّهُوا في الدينِ وليُنذِروا قومَهُم إذا رجَعُوا إليهم لعلَّهم يحذُرون( التوبة 122 .

­          فجعل الله عزّ وجلَّ المؤمنين فرقتين أوجب على أحدهما الجهادَ في سبيل الله وعلى الأخرى التفقُّهَ في دينه  لئَلاَّ ينقطع جميعُهُم إلى الجهاد فَتنْدَرِسُ الشريعةُ ولاينسى الناس أحكام دينهم .

وأمر عزّ وجلَّ بالرجوع إلى أهل الفقه والإيمان في النوازل وسؤالهم عن مسائل الدين فقال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتمُ لا تعلمون) النحل (43)  وقال تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمُون والذين لا يعلمون) الزمر (9)

­          ثم بيَّن رسول الله صلي الله عليه وسلم فرضَ العلم على أُمّتِه ، وحثَ على تعلُّمِ القرآنَ وأحكامهِ و السننِ وموجباتِها ، والنظرِ في الفقهِ واستنباطِ واستخراجِ الأحكامِ :- فقال صلي الله عليه وسلم" من يُردِ اللهُ به خيراً يُفَقِّههُ في الدين " متفق عليه

­          وقال أيضاً " تجدون الناس معادنَ ، خيارُهُم في الجاهليةِ ، خيارُهُم في الإسلامِ إذا فَقُهوا " متفق عليه

­          وقال أيضاً "إذا مررتُم برياضِ الجنّةِ فارتعُوا" قالوا : يا رسول الله : وما رياض الجنّة ؟ قال ( حِلَقُ   الذكر )"  الصحيحة (2562) . وفي رواية "... فإنّ لله سيَّاراتٌ من الملائكةِ يطلبُون حلقَ الذكر ، فإذا أتوا عليهم حَفّوُا بهم" صحيح بشواهده

­          قال عطاءٌ رحمه الله (مجالسُ الذكرِ هي مجالسُ الحلالِ والحرام) ذكره الخطيبُ في الفقيه والمنفقة رقم (40)

­          قال الحسن رحمه الله (لإن أتعلَّمُ باباً من العلم ، فأُعلمُهُ مسلماً أحبُّ إليَّ من أن تكون لي الدنيا كُلُّها...) المصدر السابق رقم (54)

­          قال النووي رحمه الله (اتفقوا على أن الاشتغال بالعلم أفضلُ من الاشتغال بنوافل الصوم والصلاة والتسبيح ونحو ذلك...) مقدمه كتاب المجموع للنووي .

­          وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "فضلُ العلم خيرٌ من فضل العبادة..." صححه الألباني في صحيح الترغيب (65)

­          فإذا ذهب طالبُ العلم إلى حضور درسٍ سّهل له طريقاً إلى الجنّة وحفَّتهُ الملائكةُ طول الطريق .

­          وإذا جلس في مجلس العلم مع إخوانه نزلت عليهمُ السكينةُ وغشيتِهُم الرحمةُ وذكرهُم الله فمِن عنده – الحديث رواه مسلم والأربعة . فإذا ذهب طالبُ العلم إلى المسجد ليتعلّم أو يعلّم الخيرَ كانَ له آجرُ حجَّةٍ تاَّمةٍ في كلِّ مرّةٍ يذهبُ إلى ذلك  قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "من غدا إلى المسجد لا يريدُ إلا أن يتعلَّم خيراً أو يعلمهَُ كانَ لــه كأجر حاجٍ تاماً حجَّتُهُ" صحيح الترغيب (81) .

­          فإذا علْم الناسَ العلمَ الشرعي كانَ له أجرُهُم ، ففي الحديث (من علَّم علماً فله آجرُ من عمل به لا ينقُصُ من آجر العاملِ شيءٌ) ابن ماجه ، صحيح الترغيب (76) ، بل إذا علَّم الناسَ استغفر له كلُّ شيء – ففي الحديث  (معلمُ الخيرِ يستغفرُ له كلَّ شيءٍ حتى الحيتانُ في البحر) البزّار وصححه الألباني في صحيح الترغيب (78) . وإذا توفّاهُ اللهُ ، لحقهُ الآجرُ في قبره ، ففي الحديث (إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاث صدقة جارية أوعلمٍ ينتفُع به أو ولد صالح يدعو له) مسلم – صحيح الترغيب (74)

­          فطلبُ العلم الشرعي والتفقُّهُ في الدين فضائلُه كثيرةٌ ومنافعُهُ وفيرةٌ ، وأحسنُ من جمع ذلك فيما أعلم الإمامُ ابنُ القيمّ رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة .

­          قال بعضُ السلف (تعلَّموا العلمَ فإنّ تعلُّمَهُ حسنةٌ ، ودراستَهُ تسبيحٌ ، والبحثُ عنه جهادٌ ، وتعليمَهُ لمن لا يعلمهُ صدقةٌ ، وبذلَه لأهله قُربةٌ ، وهو منارُ سبيل أهل الجنّةِ ، والأنسُ في الوحدةِ ، والصاحبُ في الغُربةِ ، والدليلُ في الظلمةِ ، يرفعُ اللهُ به أقواماً فيجعلُهُم في الخيرِ قادةً ، وفي الهُدى أئمةً يُقتدي بهم ، وترغبُ إليهم الملائكةُ بأجنحتها ، وكلُّ رطبٍ ويابسٍ يستغفر لهم حتى حيتانُ البحر ، ألا إنّ العلمَ حياةُ القلوب من العمى ، به يطاعُ اللهُ ، وبه يُعبُد وبه يُعرفُ الحلالُ من الحرام).

(حكمُ التفقُّهِ في الدين)

    في الحديث الصحيح "طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلم" فمن العلم ما هو فرضُ عين على كل مسلم ومسلمة : وهو علمُ أركان الإيمان إجمالاً وعلمُ كلَّ ما يناقضها ويضادها إجمالاً .وكذلك علمُ أركان الإسلام إجمالاً وما يبطلها ، وكذلك علمُ ما هو معلومٌ من الدين بالضرورة.

قال الخطيب البغدادي رحمه الله (فواجبٌ على كل أحدٍ طلبُ ما يلزمُه معرفتُه ممَّا فرضَ الله عليه على حسب ما يقدرُ عليه من الاجتهاد لنفسه). من كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب

ومن العلم الشرعي ما هو فرضُ كفايةٍ ، ومنه ما هو مستحبُّ كذلك . ولابد في الفقه في الدين من السعي لتحصيله بهمَّةٍ وإخلاصٍ وعزيمة قوية ، ولا يستقيمُ الفقهُ إلا بالعلم والعمل معاً ، ولا يكون إلا بالاهتداء بهدي النبي صلي الله عليه وسلم، والاقتداءِ به ، ثم بسلف هذه الأمَّةِ من الصحابةِ وأئمةِ الدين .

o        والفقهُ في الدين يشملُ الأحكامَ والعقائد معاً ، وله طريقان :

1)       طريقُ المتفقهين : الذين يجلسون في حلقات العلم في المساجد والبيوت وأينما وجُدت ، يدرسون الفقه والتوحيد ولسانَ العرب وأصول الفقه ومصطلح الحديث وغيرها ، وهذه الطريقة هي التي تخرَجُ طلبة علم أقوياء ثم يصبحون بعد ذلك علماءَ ومجتهدين.

2)       الطريقة الثانية للفقه في الدين : طريقُ السؤال ، يسأل أهل الذكر وطلبة العلم كلَّما احتاج إلى ذلك .

o        ذكَرَ ابنُ القيمّ في مفتاح دار السعادة : أن للعلم ستّ مراتب :-

أولها : حسنُ السؤال.
ثانيها : حسنُ الإنصات والاستماع.
ثالثها : حسنُ الفهم .
رابعها : الحفظُ.
خامسها : التعليمُ .
سادسها : العملُ به ومراعاةُ حدودِه .

    ثم قال : فمن الناس من يُحرَمُه لعدم حُسنِ سؤاله ، ومن الناس من يحرَمُهُ لسؤ إنصاته واستماعه ، وهكذا ... ثم  قال ، والمقصودُ بيانُ حرماِن العلم من هذه الوجوه الستة : (تركُ السؤال ، وسوءُ الإنصاتِ وعدمُ إلقاء السمع ، وسوءُ الفهم ، وعدمُ الحفظ وعدمُ نشره وتعليمه فينساهُ ، وعدمُ العملِ به فإنّ العملَ به يوجبُ تذكَرَهُ وتدبُّرةُ ومُراعاته والنظرَ فيه ، فإذا أهمل ذلك نسيه) انتهى كلامه .

3)       ركائزُ التفقُّهِ في الدّينِ (الأمور التي يقومُ عليها الفقهُ في الدين)  :

·         التسليمُ لله تعالى بالعبوديّةِ والطاعةِ والخضوعِ والامتثال ، ثم التسليمُ للرسول صلي الله عليه وسلم بالتصديقِ والطاعةِ والإتّبـاعِ . فمن يحفظُ ولكن لم يسِّلم لله ولرسوله لا ينفعه ذلك كالمستشرقين والمنافقين والعلمانيين .

وكذلك المبتدعُ يختلُّ فقهُهُ بقدر بدعتِه كما جاء في الأثر (ما ابتدع قومٌ بدعةً إلاّ تركوا من السنّةِ مثلها) قال له التابعي حسان بن عطية انظر مشكاة المصابيح للتبريزي  (1/188) صـ66

·         سلامةُ مصدر التلقَّي : وهو الكتابُ والسنة وفهمُ السلفِ الصالح ، ولا يفقهُ من استمدَّ علمه من القوانين الوضعية أو العقل أو الذوق والهوى أو الكشف والرؤى وهكذا .

·         الاقتداءُ والاهتداءُ بالنبي صلي الله عليه وسلم وكذلك ما كانّ عليه الصحابةُ من الدين .

·         سلامةُ المنهج في تحصيل الفقه في الدين :على طريقةٍ صحيحةٍ وبأسلوب شرعيٍّ مأثورٍ كما يلي :

*          أن يكون الاستدلالُ بالنصوص المأثورةِ عن أئمةِ الدين جميعها ، فلا يؤخذ بنوع من الأدلّةِ ويترك نوعاً آخر كالخاص والعام والمطلق والمقيدّ والناسخ والمنسوخ ، ومراعاة قواعد الدين وهكذا .
*          سلامةُ منهج الاستنباط أي استخراج الأحكام من الأدلة عن طريق أصول العقيدة وأصول الفقه .
*          ومن سلامةِ المنهج : الاعتمادُ على فهمِ وتفسير السلفِ الصالحِ للنصوص ، وفهمِ التابعين وأئمةِ الدين كذلك.
*          ومن سلامة المنهج : اعتبارُ القواعد الشرعية التي قررها أئمةُ الدين مثل : جلبُ المصالح ، ودرءُ المفاسد وقواعد التيسير وغيرها التي لا يمكنُ أن يتمَّ الفقه الكاملُ للدين إلا بها .
*          ومن سلامةِ المنهجِ : تلقَّي الفقهِ عن العلماءِ والمشايخِ وطلبةِ العلم ، كما فعل السلفُ الصالح .

·         ومن الركائز : الصلاحُ والاستقامةُ على السنَّةِ ظاهراً وباطناً .

·         ومن الركائز :القيامُ بواجب النصيحةِ والتعليمِ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4)       نصائح لطالب العلم :

1.       لا تنسَ منزلة العلماءِ وحقوقَهم : فالإسلامُ رفع العلماءَ وأقامَهُم أدلاّءَ للناس على أحكام الله ، وأوجب طاعتَهُم تبعاً لطاعة الله ورسوله ، فتجبُ موالاتُهُم ومحبّتُهُم واحترامُهُم وتقديرُهُم ففي الحديث (ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا ، ويعرف لعالمنا حقَّهُ) احمد والترمذي . ولابدّ من الحذرِ من القدح في العلماءِ والطعنِ فيهم ، والحذرُ من تخطئَتَهُم ، ويجبُ التماسُ العذرِ لهم فهم غيرِ معصومين ، ولابد أن نعلم أنَّهم مأجورون على اجتهاداتهم ولو لم يصيبوا الحقَّ ، وخطؤُهُم مغفورٌ لهم إن شاء الله . قال ابنُ تيمية رحمه الله (مذهبُ أهل السنّةِ أنه لا إثم على مَنْ اجتهد ، وإن اخطأ) الفتاوى (19/123). ولابد أن يعلم طالبُ العلم أن اختلافَ المجتهدين في الأحكام له أسبابٌ معتبرةٌ ولم يكنْ عن تعمُّد أو لهوىً أو غيرِ ذلك .

2.       إيَّاكَ وتتبُّعَ رخصِ الفقهاء :  وهي أهونُ أقوال العلماء في مسائل الخلاف ولا يسندها دليلٌ صحيحٌ ، أو هي زلَّةُ العالم المجتهد التي خالفها أمثالُه من الناس مثل جواز دفع القيمة في زكاة الفطر أوجواز بيع  الدرهم بالدرهمين يداً بيد . وغيرها من المسائل التي دلّ الدليل الصريح على خلافها .

مفاسدُ تتبُّع رخص الفقهِاء كثيرةٌ منها ترك اتَّباع الدليل والاستهانةُ بالدين والقول بتلفيق المذاهب
    قال العلامةُ السفّاريني (ت 1188هـ) بعد أن بيّن تحريمَ تتبع الرخصِ في التقليد (وفيه مفاسدُ كثيرةٌ وموبقاتٌ غزيرةٌ ،وهذا بابٌ لو فُتح لأفسد الشريعةَ الغرّاءَ ، ولأباح جلَّ المحرَّمات...) قال سليمانُ التيمي (ت 143 هـ) : (لو أخذتَ برخصةِ كلَّ عالم اجتمع فيك الشرُّ كلُّه) قال ابنُ عبد البرَّ  (هذا إجماعٌ ) الجامع (2/91)

3.       أحذر عوائقَ طلبِ العلم منها :

طلبُ العلم لغير وجه الله : في الحديث الصحيح "مَنْ تعلَّم علماً ممَّا يبُتغى به وجه الله،لا يتعلمُه إلاّ ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجدْ عَرفَ الجنّةِ يوم القيامة " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة .

تركُ العملِ بالعلم :في الحديث الصحيح "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسألَ عن عمره فيما أفناه ، وعن عمله فيما فعل به ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه" الترمذي صحيح الجامع الصغير  قال ابنُ الجوزي (والمسكينُ كلُّ المسكين ، من ضاعَ عُمُرُه في علم لم يعمل به...) صيد الخاطر صـ144 .

الاعتمادُ على الكتب دون العلماء : قال الشافعُّي رحمه الله (من تفقَّه من بطون الكتب ضيَّعَ الأحكام) تذكرة السامع والمتكلم صـ87 .

عدمُ التدرّج في طلب العلم :  قال ابنُ عبد البرِّ رحمه الله (طلبُ العلم درجاتٍ ورُتبٍ لا ينبغي تعدِّيها ، ومن تعدّاها جُملةً فقد تعدَّى سبيل السلف ، ومن تعدّى سبيلهم عامداً ضلَّ ، ومن تعدّاه مجتهداً زلَّ…) ثم قال (فعليك يا أخي بحفظ الأصولِ والعنايةِ بها) جامع بيان العلم (2/166و172).

الغرورُ والعُجبُ والكبْرُ وحبُّ الظهور والتصدُّر . واستعجالُ الثمر وعدمُ الصبر والتحمُّل .

دنوُّ الهمّةِ والقناعةُ باليسير من العلم والتحصيل : قال الفرَّاءُ رحمه الله (لا أرحمُ أحداً كرحمتي لرجلين : رجلِ يطلبُ العلمَ ولا فهم له ، ورجلٍ يفهمُ ولا يطلبُه ، وإنِّي لأعجبُ ممَّن في وُسعِه أن يطلبَ العلمَ ولا يتعلم) ابنُ عبد البر في الجامع (1/103 )

التسويفُ وعدمُ المبالاة بالوقت والتمنِّي : قال الشاعُر :

تمنَّيتَ أن تمُسي فقيهاً مناظراً     ***    بغير عناءٍ والجنونُ فنونُ

الذنوبُ والمعاصي : فهي تطمِسُ نورَ العلم وتحجبُ موارد الهداية للقلب .

4.       تأدّبْ بآدابِ طلب العلم وأهمُّها :

*          إخلاصُ النيَّة لله تعالى
*          متابعة الرسول صلي الله عليه وسلم في أعمالك وأقوالك وأظهر السُنَّةَ وانشرها وأدعو الناس إليها .
*          اسلك سبيل السلف الصالح في جميع أبواب الدين .
*          ملازمةُ خشية الله تعالى في السرِّ والعَلنِ وكذلك المراقبة .
*          خفضُ الجناح ونبذُ الخُيلاءِ والكبرياءِ والعُجبِ وحبِّ الظهور .
*          التحلِّي بحسنُ  السمت والهدي الصالح من دوام السكينةِ والوقار والتواضع وعلوِّ الهّمةِ .
*          الإعراضُ عن مجالس اللغو ومجالس الفتنةِ ومجالس اللعب والضحكِ والمزاح .
*          أتقن الأصول أولاً قبل الاشتغال بالمطوّلات ، وعليك باستكمال أدوات كلَّ فنَّ .
*          تلقِّي العلمِ عن الأشياخ والأساتيذ لا من الكتب والأشرطة فقط.
*          من آداب الطالب مع أستاذه ، رعايةُ حرمتِه وحُسُن سؤاله والاستماعِ إليه ، وتركُ المماراةِ أمامه ، وعدمُ التقدّمِ عليه بكلام أو مسيرٍ ، وترك الإلحاح عليه في جواب متجنباً الإكثارَ من السؤال .وغيرها من الآداب .
*          أحذر التلقِّي عن المبتدع فإنه يُعدي ، وكذلك أحذر قرينِ السَوء .
*          احفظ العلم بالكتابةِ والعمل به وتعليمه لغيرك .
*          أحذر التصدّر قبل التأهُل أحذر التصنيف قبل التأهُّل .

5.       أحذرِ التعصُّبَ لشيخ أو إمامٍ أو مذهبٍ أو بلدٍ أو جماعةٍ أو حزبٍ أو قبيلة أو غير ذلك

 من حقيقة الإيمان العملُ بكتاب الله وسنّةِ رسوله وتقديمُها على كلَّ ذي رأي ومذهب قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقدِّموا بين يدي الله رسولِه واتقوا الله...) (1) الحجرات .
                                    
قال ابنُ عباسٍ (لا تقولوا خلافَ الكتابِ والسنَّةِ) الطبري (26/74) . وأّعلمُ الناس بالكتاب والسنَّةِ هم الصحابةُ ومن سار على هديهم فيجبُ فهمُ الكتابِ والسنَّةِ بفهمهمِ لهما ، فلا يجوزَ تقديمُ قولِ أحدٍ على قولِ الله تعالى وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا يجوزُ تقديمُ فهمٍ أحدٍ على فهم الصحابةِ للكتاب والسنَّةِ .

قال الشافعيُّ رحمه الله (أثنى اللهُ على أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، فهم أدَّوا إلينا سنن رسول الله ، وشاهدوه والوحيُ ينزلُ عليهم ، فعلموا ما أراد رسول الله ، وعرفوا من سنَّتِه ما عرفنا وجهلنا ، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورعٍ وعقلٍ ، وآراؤهمُ لنا احمدُ وأولى بنا من آرائناَ عندنا لأنفسنا...) مناقب الشافعي للبيهقي (1/432)

فإذا صحَّ حديثُ رسول الله صلي الله عليه وسلم، فلا يجوزُ لأحدٍ ردُّه لقول أحدٍ من الناس  قال الشافعي رحمه الله (أجمع المسلمون على أن من أستبان له سنّةٌ عن رسول الله ، لم يحلْ له أن يدعها لقولِ أحدٍ...) ابنُ القيمّ في أعلام الموقعين (2/361) . وقال أيضاً (كلُّ حديثٍ عن النبيّ فهو قولي ، وإن لم تسمعوه منِّي) ابنُ أبي حاتم صـ93 .

وقال أحمد بنُ حنبل رحمه الله (من ردَّ حديثِ رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فهو على شفا هلكة) ابن الجوزي في المناقب صـ182

فإياكَ يا طاَلب العلم وردَّ الأحاديثَ بدوِن عذرٍ ، وإيَّاكَ والتعصُّب لعالمٍ أو مذهبٍ تعادي وتوالي لأجله وتتحاكمُ إليه عند النزاعِ مع مخالفةِ النصوص الصحيحة ، فإن في التعصُّب آثارً سيئةً كثيرة ذكرها أهلُ العلم .

6.       أحذر من الترجيح بين المسائل الاختلافية بغير علم ولا معرفةٍ :

يا طالب العلم الترجيحُ في المسائل الخلافية آمرٌ لا بدَّ منه ، وهو آمرٌ خطيرٌ لأنه يحتاج إلى سعةِ علمٍ واطلاعِ وقدرةٍ على تمحيص الأدلّةِ ومعرفةٍ بوجوه الترجيح . ومما يعين على ذلك :

·         أن لا يكون ترجيحُ قولٍ على آخر لغرض دنيوي أو لرفض الناس للحقِّ أو لئلا ينسب إلى التشدّد ، بل يجعلُ في نفسه أنه لا فرق بين الأقوال إلا بالدليل مهما كلّف الأمرُ .
·         أن يحرصَ طالبُ العلم على تفهَّمِ الأقوالِ وأدلَّتِها ، ويبذلَ جهده فيها ويحسنَ فهمها وتحقيقَها
·         ثم يستعرضُ أدلةَ الفريقين المختلفين ، ويقارنُ بينها بهدف الوصول إلى أقوى الأدلّةِ وأصِّحها دلالةً
·         ينبغي الحذرُ من المرجّحاتِ العامّةِ كقولِ الجمهور أو الأكثريةِ أ, الأقدميةِ وغير ذلك .
·         لا يجوزُ إحداثُ قولٍ لم يسبق إليه في حكم شرعي ، ولا يخرج عن مجموع أقوال السلف .
·         إذا لم يتمكن بعد ذلك من الترجيح بكافة الوسائل ، ولم يتبين له وجهُ الحقِّ فليتوقف قال ابنُ عبد البرِّ:

(والواجبُ عند اختلاف العلماء طلبُ الدليل من الكتاب والسنَّةِ والإجماع والقياس على الأصول منها ، فإذا استوت الأدلةُ وجبَ الميلُ مع الأشبه بما ذكرنا بالكتاب والسنَّة ، فإذا لم يبنْ ذلك وجب التوقفُ ، فإذا اضطرَّ أحدٌ إلى استعمالِ شيءً من ذلك في خاصةِ نفسِه جاز له ما يجوزُ للعامّةِ من التقليد) جامع بيان العلم (1/80-81)

(نشأة المدارس الفقهية )

 المدرسة الفقهية هي مجموع القواعد والضوابط التي وضعها المجتهدون لضبط عملية الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية الفرعية من الأدلةِ التفصيلية .
فيُحدّدُ مجتهدوا المدرسةِ في منهجهم الأدلةَ التي يستقون منها الأحكام ، ويستدلون لحجيّةِ كلَّ منها ويحدّدون طرقَ استفادةِ الحكمِ الشرعيَّ من كلَّ دليلٍ للوصول إلى الحكم الشرعي .
وهذه القواعدُ والضوابطُ اختلَفَتْ مذاهبُ المجتهدين فيها فاختلفوا في المسائل الفقهية ، وكذلك بالنسبة للأدلةِ الشرعية فهناك أدلّةٌ اتفقوا عليها كالكتاب والسنّةِ والإجماع ، وهناك أدلةٌ اختلفوا فيها كسدِّ الذرائع والمصالح المرسلة والاستحسانِ والعرفِ وغيرها ، وعن كلِّ ذلك نشأت الاختلافات الفقهية في كثير من الفروع .
في عهد الصحابةِ والتابعين وُجد الاختلافُ في الأمور الاجتهادية ، فإذا جاء النصُ الصريحُ الصحيحُ زال الخلافُ ، وإلا بقي الاختلافُ مع بقاء الألفةِ والحبِّ والأخُوّةِ الإيمانية .
وهكذا في عهد أتباع التابعين ومنهم أبو حنيفة ومالك والأوزاعيُ والليث والشافعيُّ وأحمدُ والبخاريُّ وغيرُهم وهكذا إلى نهاية القرن الثالث تقريباً .
في بداية القرن الرابع ظهر من الفقهاءِ من جمع أقوالَ الأئمةِ وتلاميذهم ومن بعدهم ، فمنهم من جمع أقوال أبي حنيفة رحمه الله وتلامذتِه فنشأ المذهبُ الحنفي في الفقه ، ومنهم من جمع أقوال الشافعيٍّ ومالكٍ وأحمدَ وسفيانَ الثوريِّ والليثِ بن سعدٍ وغيرهم ونشأت مذاهبُ كثيرةٌ ، بقي منها أربعةٌ فقط هي المذاهبُ الأربعة المشهورة .
في المقابل بقي المتمّسكون بما كانَ عليه الأمرُ قبل ظهور المذاهب الفقهية وهم أهلُ الحديث الذين هم أهلُ السنّةِ والجماعة،والذين بقوا على طريقة فهم الصحابةٍ والتابعين والأئمةِ ،وهم في كل زمان إلى أن يأتي أمرالله
فأهلُ الحديث هم المدرسةُ الفقهية الأولى ، وسمُّوا بأصحاب الحديثِ بسبب عنايتهم بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناءِ الأحكام على النصوص ، ولأنهم لا يتركون الحديثَ لقياسٍ أو رأي ، ولا يفرّقون بين السُنَّةِ المتواترة والآحاد ، ولأن يشترطون صحةَ الحديث ، فمتي صَحَّ الحديثُ فلا يتّبعون خلافَه من آراءِ المجتهدين ، فإذا لم يجدوا حديثاً في المسألةِ أخذوا بأقوال جماعة من الصحابةِ والتابعين ، وإلا أخذوا بالقواعد الشرعيــة
ومقاصد الشريعة ، وأشهر أئمة هذه المدرسة مالكٌ والشافعي وأحمد وسفيانُ الثوري وداوُد الأصفهاني والبخاريُّ وغيرهم .

أما المدرسةُ الثانيةُ فهي مدرسة أهل الرأي : والمرادُ بأهل الرأي الذين أكثروا من استعمال الرأي والقياس في بيان الأحكام الشرعية ، وربما يقدّمون القياسَ على أخبار الآحاد ، فتوسّعُوا في الرأي ولم يعتنوا بتحصيل الأحاديث ، بل فرّقوا بين السُنَّة المتواترة والآحاد ، وعارضوا كثيراً من النصوص بالرأي والقياس (راجع أقوالهُم والردَّ عليهم في أعلام الموقعين المجلد الأول ) . وأشهرُ أصحابِ الرأي هم أهلُ العراق ، كأبي حنيفة رحمه الله وأصحابِه محمد بن الحسن وأبي يوسف وزفر وغيرهم وكذلك من أصحاب المذاهب الفقهية الأخرى مَنْ كان من أصحاب هذه المدرسة .

ولا يعني ذلك أنه لم يكن من أصحاب المذاهب الأربعة من هو على طريقةِ أهل الحديث ، بل هناك من المحققين من أهل هذه المذاهب كالزيلعي وابن الهُمَام وغيرها في الحنفية ، والخطيبُ والبيهقيِّ وغيرِها من الشافعية ، وابنُ عبد الَبرِّ وغيره من المالكية ، وهكذا .

*المذاهب الفقهية الأربعة نشأتهُا وجهودُ علمائها   :

المذهبُ الفقهيُّ : هو المنهجُ الفقهيًّ الذي سلكه فقيهٌ مجتهدٌ وتلامذتُه ومَنْ بعدهُم لمعرفةِ الأحكامِ الشرعية الفرعيةِ الاجتهادية ، وقد اختصُّوا بهذا المنهج عن غيرهم . فمذهبُ مالك مثلاً : ما أختصَّ به من الأحكام الشرعية الفرعية الاجتهادية ، وهكذا .

قال الشوكانيُّ رحمه الله (إنّ الصحابةَ لم يكن في زمانهم وعصرهم مذهبٌ لرجلٍ معيٍّنٍ ، وإنما كانوا يرجعون في النوازل إلى الكتاب والسنّةِ ... وكذلك تابعوهم يرجعون إلى الكتاب والسنّةِ ، فإذا لم يجدوا نظروا في ما أجمع عليه الصحابةُ ، فإن لم يجدوا اجتهدوا ... ثم كانَ القرنُ الثاني والثالث وكانِ فيهما أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بنُ حنبل ، وكانوا على منهج مَنْ مضى ، ولم يكن في عصرهم مذهبٌ يتدارسونه ... ثم قال إن هذه المذاهبُ إنّما أحدثها عوامُّ المقلّدةِ لأنفسهم من دون أن يأذن بها أمامٌ من الأئمة الأربعة) القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد .

فهذه المذاهب الأربعة نشأت في القرن الرابع ، أنشأها بعض الفقهاء الذين جمعوا أقوال الأئمة وتلامذتهم .
وليس كلِّ ما في المذهب يجوزُ أن ينُسب لإمام المذهب ، فليس قولهم المذهبُ كذا معناه قولُ الإمام مثلاً فقد يكون العمدةُ في المذهب قولَ الإمام وقد يكون نُسبَ إليه قياساً على قوله وقد يكون قولَ صاحب الإمام أو تلميذٍ من أصحاب إمام المذهب أو تلامذتِه أو قاله أحدُ علماء المذهب أو جمعٍ منهم أو غير ذلك فلذلك يجدُ مقلّدوا المذاهبَ صعوبةً في الصحيح من المذهب .

* أما جهود علماء المذهب في تأصيل مذهبهم وتصحيحه فهي كما يلي:

درسوا أقوال إمام المذهب وأقوالَ علماء المذهب ومصطلحاتهم الفقهية واختلفوا في ذلك قال النووي في المجموع 1/4 : (اعلم أن كتب المذهب فيها اختلافٌ شديدُ بين الأصحاب ، بحيثُ لا يحصلُ للمطالع وثوقٌ بكونِ ما قاله مصنفٌ منهم هو المذهب...) . ثم قال أيضاُ (1/47) (...قد يجزمُ نحو عشرةِ من المصنفين بشيءٍ وهو شاذٌ بالنسبة إلى الراجح في المذهب ، ومخالفٌ لما عليه الجمهورُ ، وربما خالفَ نصَ الشافعيِّ أو  نصوصاً له...)

ومن جهود علماء المذهبِ توجُّهُهم إلى تحقيق مذهبهم : ويظهرُ ذلك في التأكيدِ من صحَّةِ نسبةِ الأقوالِ والروايات لإمام المذهب وعلماء المذهب ، والتوفيق بين الأقوال المتعارضة والترجيحُ بينها بموافقة أصول المذهب وبما في الكتب المعتمدة واختلفوا في ذلك .

وقد أدى اختلافُهم في كلَّ ذلك إلى تشتُّتِ أصحاب المذهب الواحد وتفرُّقهِمِ فمنهم من يأخذُ بقول الإمام ومنهم من يأخذُ بالقول المعتمدِ ومنهم من يأخذ بقول الجمهور ومنهمُ من يأخذُ برخص للفقهاءِ .

ورغم ذلك فقد نبغ في كل مذهب جملةٌ من أهل العلم  والتحقيق الذين رجحوا المسائل في المذهب بما دل عليه الدليلُ الشرعي .

ويبقي سؤالٌ مهمٌ وهو ما حكم التمذهب بأحد المذاهب الأربعة ؟  وهل المسلم ملزمٌ بأحدِ المذاهب أم لا ؟

علمنا أن المتأخرين قد نسبوا إلى الأئمةِ الأربعةِ مذاهب ، وألزموا الناسَ بالتقيُّد التامِ بالمذاهبِ والأئمةُ براءٌ من كلَّ ذلك ، فلم يدَّعوا مذاهبَ ، ولم يفرضوا على الناس أن يتقيَّدوا بأقوالهم واجتهاداتهم ، حتى قال إمام أهل السنّةِ أحمدُ بنُ حنبل رحمه الله (لا تقلدني ولا تقلّد مالكاً ولا الشافعيَّ ولا الأوزاعَّي ولا الثوريَّ ، وخذ من حيثُ أخذورا) .أعلام الموقعين (2/302)

وبعد التتبُّع والاستقراء وجدَ العلماءُ أن أقوال واجتهاداتِ الأئمةِ تقوم على ثلاثة أركان هي :

1.       صحةُ الحديثِ عن رسول الله صلي الله عليه وسلم.
2.       إذا خالفت أقوالُهُم قولَ النبيَّ صلي الله عليه وسلم رددنا أقوالهم وأخذنا بالحديث .
3.       إذا صحَّ الحديثُ في مسألةٍ ما بخلاف ما قالوا رجعوا عمّا قالوه في حياتهم وبعد موتهم .

فالذي يُلزمُ الناس باتبّاع مذهبٍ معيّنٍ مخالفٌ لأقوال الأئمةِ أنفسِهم .
بل أنّ التزامَ مذهبٍ من المذاهبِ من الأمورِ المحدثةِ في الدين لأمور منها :

1)       أن عدمَ التـزام مذهبٍ هو الأصلُ والأيسرُ والأقربُ الفهم الصحيح للدين ، واللهُ عزَّ وجلِّ أمر الجاهلَ بسؤال أهل الذكر ، ولم يحدّد واحداً معيناً أو مذهبا ، بل أطلق ذلك ولا يجوزُ تقيدُه إلا بنصٍ !!!؟.
2)       أن عدم التزام مذهبٍ معينٍ واجبٌ ، وهو الفرقُ بين اتبّاع المعصوم صلي الله عليه وسلم وبين اتّباع غير المعصوم .
3)       أن فعلَ الصحابةِ والسلفِ الصالح والأئمةِ الأربعةِ هو عدمُ الإلتزامِ بمذهبٍ معيَّنٍ  فإلتزامُ مذهبٍ من محدثات الأمور وفي الحديث (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردُّ) متفق عليه
4)       إن الزامَ الناسِ بهذه المذاهب أدّى إلى مفاسدَ كثيرٍ منها مخالفةُ النصوص تعصباً للمذهب ، ومنها بناءُ الأحكام على الأحاديث الضعيفةِ والموضوعةِ ، ومنها تفريق المسلمين ،ومنها فُشوُّ التقليد وإقفالُ باب الاجتهاد  ومنها عدمُ الاستفادةِ من جهود المذاهب الأخرى ، وغيرها . وهذه المفاسدُ وغيرُها تكفي دلالةً على فسادِ التمذهبِ ، ووجوب الرجوعِ إلى هدي خير القرون .

*علماءُ أنكروا التمذهب :

·         يقول العزُّ عبد السلام (ت660) (ومن العجب أن الفقهاء المقلدين يقفُ أحدهُم على ضعيف مذهب إمامه وهو مع ذلك يقلّده ... فسبحان الله ما أكثرُ منْ أعمى التقليدُ بصرَهُ...) قواعد الأحكام (2/135)

·         قال الذهبيُ (ت 748) (...فاللهُ تعالى ما أوجب عليهم تقليدَ إمامهم ، فلهم أن يأخذوا أو يتركوا ، كما قال الإمام مالك رحمه الله : كلٌّ يؤخذُ من قوله ويترك إلا صاحبَ هذا القبر صلى الله عليه وسلَم) مقدّمة ميزان الاعتدال للذهبي رحمه الله .

·         قال ابنُ عبد البَرِّ (ت 463) (يقالُ لمن قال بالتقليد : لم قلتَ به وخالفتَ السلفَ في ذلك فإنّهم لم يقلّدوا ؟ وما حُجَّتُكَ في تقليد بعضٍ دون بعضٍ وكُلُّهُم عالم...)  جامع بيان العلم (2/143)

·         قال ابنُ تيمية (ت 728) (إن الله لم يوجبْ على هذه الأمةِ طاعةَ أحدٍ بعينهِ إلا رسولَ الله صلي الله عليه وسلم والأئمة الأربعةُ قد نهو عن تقليدهم في كلَّ ما يقولونه...)

·         قال محمدُ سلطان المعصومي رحمه الله (لا يجبُ على أحدٍ من هذه الأمّةِ أن يكونَ حنفياً أو مالكياً أو شافعياً أو حنبلياً ، بل يجبُ على أحادِ الناس أن يسأل واحداً من أهل الذكر..)

·         قال الألبانيُّ (من تمسّك بكلِ ما ثبت في السنّةِ .. فهو متّبعٌ للأئمةِ جميعاً ، ومن ترك السنَّةَ الثابتة فهوعاصٍ لهم ومخالفٌ لأقوالهم...) صفة الصلاة صـ34 .

*أسبابُ إختلافِ العلماء ، الخلافُ ثلاثة أقسام:
1.       الخلافُ المذمومُ المحرّم : وهو الاختلاف في أصول الدين وفي الأحكام القطعية ، فهذا مردودٌ ويجبُ التحذيرُ منه .
2.       الخلافُ الشاذُ والضعيفُ :  وهو في المسائل الظنية الذي يرجحها الدليلُ القطعي الواضح مثل تحليل نكاح المتعةِ وربا الفضل ونفي خيار المجلس وقتل المسلم بالكافر وغيرها ، وهذا القسم أيضاً مردودٌ ويجبُ إنكارُه والتحذيرُ منه .
3.       الخلافُ القويُّ السائغُ : الذي لا إنكارَ فيه ولا تحذيرَ منه وهو المقبول : وهو الخلافُ الذي تتنازعُه الأدلةُ الشرعيةُ الصحيحةُ مثلُ حكمِ الأضحيةِ وهل النوم ناقضٌ للوضوءِ وحكمُ القراءة خلفَ الإمامِ في الصلاة الجهريَّة وغيرها.
*وهذا القسم هو المقصود هنا .

والبحثُ عن أسبابِ الاختلافِ القوي المقبول يكشفُ أن هذا الخلافَ لم يكنْ عن انحرافِ وزيغٍ ولا عن شهواتٍ وهوى ، ولم يكنْ القصدُ منه الاختلافُ أو تعمُّدُ مخالفةِ السنَّةِ .

 *وأهمُّ أسبابِ اختلافِ العلماءِ :

1.       عدمُ بلوغ الدليل للمخالف الذي أخطأ في حكمه ، كما فعل عمرُ مع أبي موسى الأشعري في حديث الاستئذان ثلاثاً فأبو موسى بلغه الحديث وعمر لم يبلغه  .
2.       بّلَغهُ الدليلُ ولم يصح عنده أو نسيَهُ فأفتى بخلافِه وقد حصل لعمرَ بن الخطاب مع عّمار في حديثِ التيمم .
3.       أن يَبْلُغَهُ الدليلُ الصحيحُ ولم يعلمْ بالناسخ لهذا الحديث، كما هو رأيُ ابن مسعود في وضع اليدين عند الركوع
4.       أن يكون بَلَغَهُ النصُّ وفهم منه خلافَ المراد كما في حديث (لا يُصَلِّينَّ أحدُكم العصرَ إلا في بني قريظة)
5.       اعتقادُ ضَعفِ الحديث باجتهادٍ قد خالفه فيه غيرُه ، إما بسبب الاختلاف في الجرح والتعديل أو غير ذلك .
6.       اختلافُهُم في معرفة دلالاتِ النصوص مثل (لا مستُم النساء) أو (المزابنة وهي بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر) وهكذا .
7.       اختلافُهم في أصول الفقه مثل هل الأصلُ في الأمر للوجوب أو الاستحباب وهل الأصلُ في النهي التحريمُ أم الكراهه وهكذا .
8.       اختلافُهُم في أوجه الترجيح بين النصوص التي ظاهرها التعارض .
9.       اختلافُ الروايةِ في ألفاظ الحديث .
10.   اختلافُهم فيما يدلُّ عليه فعلُ الرسول صلي الله عليه وسلم، هل يحملُ على الوجوب أو الندب أو الإباحةِ مثل حديث (خذوا عنِّي مناسككُم) .وحديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواهما البخاري وغيره .
11.   اختلافُهُم في القواعد الأصولية مثل الأصلُ في العبادات والتحريم أم لا ؟

وهناك أسبابٌ أخرى كثيرةٌ ينبغي لطالب العلم أنْ يعلمها في مظانِّها .

معالمُ أدب الخلاف بين العلماء :

   لقد اختلف الأئمةُ في كثيرٍ من الأمور الاجتهادية كما أختلف الصحابةُ والتابعون من قبلهم ، وهم جمعياً على الهدي مادام الاختلافُ لم ينجمْ عن هوى أو شهوةٍ أو رغبةٍ في الخلاف ، وقد كانَ أهلُ العلم في سائر الأعصار يقبلون على فتاوُى العلماءِ في المسائل الاجتهادية ، فيُصوّبون المصيبَ ويستغفرون للمخطئ ويحسنون الظنَّ بالجميع ، وهكذا يجبُ أن نكون .

وأهمُّ الآداب التي ينبغي مراعاتُها عند الاختلاف المقبول السائغ الذي تنازعته الأدلّةُ :

1)       الإخلاصُ وقصدُ الحقِّ في الاختلاف فلا يكون الاختلافُ لغرضٍ دينوي أو تعصّبٍ أو رغبةٍ في العلو أو الانتصار وإنما يكون لوجه الله تعالى ومعرفة الحق واتباعه .
2)       تحاشي الخلافِ والاختلافِ قدر الإمكان والابتعادُ عن المراء والجدال الذي يؤدي إلى الشحناء بين المسلمين.
3)       حسنُ الظن بالعلماء وطلبةِ العلم وسلامةُ الصدر ورضى النفس عن المخالفين منهم .
4)       عدمُ التسرّع بتخطئةِ المخالفين إلا بعد بذل الجهد في البحث في مسائل الخلاف .
5)       البعدُ عن مسائل الشّغَبِ والفتنةِ وبخاصة بين صغار طلبةِ العلم .
6)       تجنّبُ الألفاظِ الجارحةِ والعباراتِ اللاذعةِ والهمزِ واللمزِ والتعريض بالجهل مع المخالفين .

خاتمــة :

وبذلك علمنا منزلة الفقه في الدين وحكمه وركائزه ، وأهم النصائح والارشادات التي ينبغي لطالب العلم أن يعمل بها ، وعلمنا نشأت المدارس الفقهية والمذاهب المشهورة ، وأسباب اختلاف العلماء والموقف منها .



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق