الأحد، 24 يوليو 2016

الأحكام الفقهية للكتب الشرعية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :

& مقدّمةٌ :
     فهذا درس عن أهمية القراءة وفوائد الكتب ، ولمن نقرأ ؟ وما هي معوقات القراءة؟ وما هي الأحكام الفقهية المتعلقة بالكتب؟ مع بيان حكم اقتنائها وذكر عناوين لكتب حذّر العلماء منها ثم.

' لماذا نتكلم عن الكتب والأحكام المتعلقة بها ؟ :
1- ليكون الكلام عنها وسيلة لطلبة العلم المبتدئين للوقوف على ما ينفعهم يوم الدين.
2-وليكون مفتاحاً لهم لمعرفة أهم الكتب والمصنفات في العلوم الشرعية.
3-ولمعرفة الضوابط الشرعية والأحكام الفقهية لقراءة واقتناء الكتب عامةً.
4-وليكون الكلام عنها دافعاً لنا للإقبال على قراءة الكتب النافعة واقتنائها.
5-ولأن في الساحة العلمية كمّاً هائلاً من المطبوعات والكتب تُعرض على رفوف دور النشر والمكتبات وهذه الكتب ليست سواء ، فمنها المهم وهو على درجات ومنها الذي ليس منه نفع ولا جدوى ومنها ما هو ضار للعقل والدين وهو على دركات ، ولا يدري المسلم ماذا يقتني وما هو النافع منها والضار إلا من هدى الله.
لهذه الأسباب وغيرها نتكلم عن قراءة الكتب واقتنائها والأحكام المتعلقة بها

'خير جليس في الزمان كتاب: الذي ينظر إلى حال المسلمين اليوم يجد مقاطعة للقراءة في الكتب النافعة ، ولذلك كثر الجهل بينهم بأمور دينهم ، فلابد من إعادة النظر والعودة إلى القراءة وخاصة كتاب الله تعالى ثم كتب السُنّة ثم كتب العلوم الشرعية الني صنفها علماؤنا . والكتاب خير جليس للمرء ، وفوائده كثيرة . والمسلم يقرأ الكتب ليحصل على العلم النافع والأجر العظيم من الله تعالى من خلال قراءة كتاب الله تعالى ثم كتب الحديث ثم كتب أهل العلم في الاعتقاد والفقه وأصوله ، والزهد والرقائق والنحو  وغيرها . وقراءة الكتب النافعة وسيلة لتوسيع المدارك والقدرات والثقافة عند المرء ، ولرفع الجهل عن نفسه وعن غيره . وفي القراءة وسيلة لاستغلال الفراغ وقضاء الوقت في النافع من العلوم .

' لمــن نقــرأ :
      لابد من اختيار ما نقرأ ولا نقرأ لأي كاتب ، لأننا في عصر الفتن والشبهات فإذا قرأنا لكل أحدٍ فقد نتأثر بهذه الشبهات ومنها ما يسلب الدين بكامله . وتذكر لنا كتب التاريخ أن من الناس من وقع في الأهواء والبدع بسبب قراءته أو جلوسه لدراسة كتب أهل الأهواء ، ثم ان كتب السلف ، أهل السنة والجماعة فيها الغنية والبركة قلا نحتاج إلى كتب غيرهم ، وقد تركوا لنا المؤلفات الكثيرة في مختلف الفنون والعلوم فلابد من حسن اختيار الكتاب الذي نقرأ ونقتني ويكون ذلك باستشارة أهل العلم وطلبة العلم عند الرغبة في اقتناء أو دراسة كتابٍ ما، لأن طلبة العلم أعلم بالصحيح المفيد من غيره.

' معوقات القراءة :
     منها عدم إدراك أهمية القراءة ومنها الكسل ودنُّو الهمة ، ومنها الانشغال بالشريط والكتيبات عن القراءة في الكتب والمراجع ، ومنها عدم العناية بالوقت وعدم تنظيمه وتحديد وقت للقراءة يومياً ، ومنها عدم التدرج في القراءة وسوء اختيار الكتاب وعدم التنويع في القراءة وعدم اختيار المكان والزمان المناسب للقراءة ، وغيرها من المعوقات.
 فالقراءة في الكتب النافعة فوائدها عظيمة والكتاب خيرُ جليس لو أحسنّا اختياره ، وكتب السلف فيها غُنية عن كتب الخلف ، ومعرفة الأحكام الشرعية للكتب أمرٌ مهم.

' الأحكام الفقهية المتعلقة بالكتب : 
     أمّا عن اقتناء الكتب ، فالحكم على اقتنائها يتبع الحكم على العلوم نفسها التي في الكتب ، فالكتاب النافع الخالي من المحظورات الشرعية يجوز بيعه واقتناؤه ويجوز قراءته . سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمّن نسخ بيده صحيح البخاري وصحيح مسلم والقرآن ، وهو ناوٍ كتابة الحديث وغيره ، وإذا نسخ لنفسه أو للبيع ، هل يؤجر؟ فأجاب بقوله (ويؤجر الإنسان على كتابتها سواء كتبها لنفسه أو كتبها ليبيعها ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "" إن الله يدخل بالسهم الواحد الجنة ثلاثة : صانعه والرامي به والمُمِدّ به) فالكتاب كذلك لينتفع به غيره كلاهما يُثاب عليه (مجموع الفتاوى 18/74) والحديث ضعيف لكن معناه صحيح يشهد له حديث "" من دل على خيرٍ فله أجر فاعله "" رواه مسلم ـ راجع كتب حذر منها العلماء (1/27)
*أما الكتب الضارة للدين والعقل والأخلاق فقد تكلم فيها العلماء بما يلي :
* قال ابن القيم رحمه الله (وكذلك الكتب المشتملة على الشرك وعبادة غير الله فهذه كلها يجب إزالتها وإعدامها وبيعها ذريعة إلى اقتنائها واتخاذها فهو أولى بتحريم البيع من كل ما عداها فإن مفسدة بيعها بحسب مفسدتها في نفسها ) زاد المعاد(5/761)
* قال الونشريشي (وسُئل بعضهم عن كتب السخفاء والتواريخ المعلوم كذبها كتاريخ عنترة والهجو والشعر والغناء ونحو ذلك هل يجوز بيعها أم لا؟ فأجاب : لا يجوز بيعها ولا النظر فيها) المعيار المعرب (6/70)
* لا يجوز بيع كتاب كثير الأخطاء إلا بعد البيان : سُئل ابن رشد عن رجل اشترى مصحفاً أو كتاباً فوجده ملحوناً كثير الخطأ غير صحيح ويريد أن يبيعه ، فأجاب بقوله : لا يجوز أن يبيع حتى يبين ذلك  فتاوى ابن رشد (2/922)
* حرمة بيع كتب العزائم والتمائم والتعاويذ وتحضير الأرواح والجن: قال ابنُ بطة العكبري رحمه الله   (ومن البدع: النظرُ في كتب العزائم والعمل بها ومن البدع: تعليقُ التمائم والتعاويذ) الشرح والابانة صــ361
* حرمةُ بيع دواوين الشِّعر الذي فيه هجاءٌ وخمرٌ وخنا : قال الذهبيُّ رحمه الله (وكذلك الشعرُ حسنُه حسن وقبيحُة قبيحٌ والتوسُّع منه مباحٌ إلا التوسُّع في حفظ مثل شعر أبي نواس وابن الحجاج وابن الفارض فإنه حرام ، قال في مثله نبيُّك صلي الله عليه وسلم "" لأن يمتلئ جوفُ أحدكم قيحاً حتى يَريَهُ ، خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً "" متفق عليه ، والأثرِ في مسائل في طلب العلم للذهبي .
* حرمةُ بيع المجلاتِ الخليعةِ والكتُبِ التي يغلبُ عليها المخالفاتُ الشرعية : سُئل الألباني رحمه الله (هل يجوزُ للمكتبةِ أن تبيع الجرائدَ والمجلاتِ التي فيها صورٌ خليعةٌ وأخبارٌ كاذبةٌ ومدحٌ للمنافقين والفاسقين ؟ وهل يجوزُ لها أن تبيع كتباً تشتملُ على عقائد وأفكارٍ وفقهٍ لا يتفقُ مع ما كانَ عليه السلف الصالح) فأجاب بقوله (المجلاّتُ التي فيها صورٌ خليعةٌ لا يجوزُ التردّدُ في عدم بيعها ، فبيعها حرامٌ ، أما كتُبُ الفقه الأخرى فلابد لمن أراد أن يقف عند حدود الشيء ، فإنه يجبُ عليه أن يكون على علم بما في هذه الكتب من آراء وأحكام وأفكار ، وحينئذ ، فالحكمُ  للغالبِ ممّا فيه ، فإن كانَ الغالبُ هو الصوابُ فيجوزُ بيعها ، وإلاّ فلا يجوزُ إطلاقُ القول ببيعها) مجلة الأصالة العدد العاشر صـ38 .
* حرمةُ بيع كتب الفلسفةِ وعلم الكلامِ:قال ابنُ كثير رحمه الله (وفي سنه 279 هـ نودي بأنْ لا تباعَ كتبُ الكلام والفلسفةِ والجدلِ بين الناسِ،وذلك بهمَّةِ أبي العباس المعتضد سلطان الإسلام) البداية والهاية (11/69)
* حرمةُ بيع كتبُ الحلاّج وابن عربي وأشباههما من الصوفيين : نقل الشوكاني في الصوارم الحداد صـ68 عن جماعةِ منهم البلقيني وابن حجر وابن خلدون ما نصّه (حكمُ هذه الكتب المتضمّنةِ لتلك العقائدِ المضلَّةِ مثل الفصوص والفتوحات لابن عربي وأمثالهما ، إذهابُ أعيانها متى وُجدت بالحريقِ بالنار)
* وقال ابنُ القيمِّ (وكذلك لاضمانَ في تحريقِ الكتُب المضلّةِ وإتلاِفها  قال المروذي : قلتُ لأحمد : استعرتُ كتاباً فيه أشياءُ رديئةٌ ، ترى أن أخرقَه أو أحرقه ؟ قال: نعم ، وقد رأى النبيُّ صلي الله عليه وسلم  بيد عمرُ كتاباً اكتتبَهُ من التوراةِ ، فتمعرّ وجهُ النبيِّ صلي الله عليه وسلم  حتى ذهب به عمرُ إلى التنور فألقاهُ فيه ، وكلَّ هذه الكتبِ المتضمنةِ لمخالفةِ السُنّةِ غيرُ مأذونٍ فيها بل مأذونٌ في محقها وإتلافها والمقصودُ أن هذه الكتُبَ المشتملةُ على الكذبِ والبدعةِ يجبُ اتلافُها وإعدامها ، وهي أولى بذلك من إتلاف آلاتِ اللهو والمعازفِ فإن ضررها أعظمُ من ضرر هذه) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية صـ322
* حرمةُ المتاجرةِ بكتبِ أهل البدع والضلالةِ : ذكر ابنُ عبد البَرِّ في جامع بيان العلم (2/117) بسنده إلي ابن خويز منداد قال في كتاب الإجارات من كتابه في الخلاف (قال مالكٌ : لا تجوزُ الاجاراتُ في شيءٍ من كتب الأهواء والبدع والتنجيم ثم قال : كتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحابِ الكلام من المعتزلةِ وغيرهم)
* حرمةُ النظر في كتب الملل الأخرى وكتبِ أهل الضلال وأهل البدع إلاّ لمن يعرفُ ما فيها من شرٍّ ليحذر منها :ألّف ابنُ قدامه كتاب (تحريم النظر في علم الكلام) وذكر فيه أن السلَفَ كانوا ينهونَ عن مجالسةِ أهلِ البدعِ والنظرِ في كتبِهم ، والاستماعِ لكلامهم)

قلتُ : وبعد الحديثِ عن بعض الأحكام الفقهية المتعلقةِ بالكتب لا بد من التحذير من بعض الكتب التى تندرج تحت الأحكام المذكورة ومن هذه الكتب :

(أ) كتبُ في العقيدة : فالكتُب التي تخالفَ العقيدة الصحيحةَ كثيرةٌ ، قال الذهبيُّ (وإدمانُ النظر فيها داءُ عضالٌ وجَرَبٌ مُرْدٍ ، وسُمٌّ قاتلٌ ، فالحذارَ الحذارَ من هذه الكتب ، اهربوا بدينُكم منها وإلاّ وقعتُم في الحيرةِ) سير إعلامِ النبلاء (19/328) . وأهم هذه الكتب التي حذر منها العلماء :
1- كتُبُ الزندقةِ والباطنية والإلحادِ مثلُ رسائل إخوانِ الصفا الذي قال فيه ابنُ تيمية (كتابُ رسائل إخوانِ الصفا فيه من الكفر والجهل الشيءُ الكثيرُ) الفتاوى (4/79) .
2- كتبُ التنبؤاتِ والتنجيم والشعوذة والسحر والطلاسم .
3- كتب الحظوظ والأبراج وما أشبهها من كتب التنبؤات بالغيب.
(ب) كتب الفقه والدعوةِ : ولا يخلو التراثُ الإسلامي الهائلُ من أخطاءَ أو ثغراتٍ أو نقصٍ وخاصةً المختصراتِ غالباً بعد ما ظهر التعَصُّبُ المذهبي الذي أدّى عند المتعصبين إلي ردِّ النصوص النبوية والآثار السلفية إن خالفت ما في المذهب  وعدمِ الإقبال على نصوص الكتاب والسُنّةِ ومذاهب الصحابة والتابعين ، والتمسُّكِ بالأحاديثِ الباطلةِ والقصص الواهيهٌ ، قال ابنُ تيمية رحمه الله (وجمهورُ المتعصبين لا يعرفون من الكتاب والسُنّةِ إلا ما شاء الله ، بل يتمسّكون بأحاديث ضعيفةٍ وآراءَ فاسدةٍ ، أو حكاياتٍ عن بعض العلماء والشيوخ قد تكون صدقاً وقد تكون كذباً) الفتاوى (22/254).

أمثلة من الكتب الذي حذر العلماء منها :

1- كتاب أثر الحديث الشريف في اختلاف الفقهاء لمحمد عوّامة : قال الألباني رحمه الله (مضمونُ الكتاب هو صدٌّ صريحٌ عن اتّباع الكتاب والسُنّة ، ودعوةٌ مكشوفةٌ إلى الجمود على التقليد لإمامٍ واحدٍ من الأئمةِ ، وليس إلي اتّباعهم والأخذ  بما وافق السُنّةَ من أقوالهم) مقدمة كتاب الآيات البيَّنات في عدم سماع الأصوات للألوسيَ .
2- كتاب اللامذهبية أخطرُ  بدعةٍ تهدد الشريعة الإسلامية ، لمحمد رمضان البوطي  وردّ على الكتاب الألباني في صفةِ صلاةِ النبيَّ صـ212.
3- رسالة (ايضاح الدلالات في سماع الآلات) لعبد الغني النابلسي صنّفها في اباحةِ استخدام آلات الطرب على اختلافِ أسمائها وأشكالها وأنواعها حذّر من الرسالةِ العلامةُ الألوسيُّ في تفسيره (روح المعاني) (28/106) .
4- كتيِّباتُ الدعاءِ المخصصةٌ للحجَّاج والعمَّار ، حذّر منها العلماء لكثرة البدع فيها .
5- كتاب (السلفية مرحلة زمنيةٌ مباركةٌ لا مذهب إسلامي لمحمد رمضان البوطي :وقد كشف هفواتِه وأخطاءه الشيخ صالح الفوزان في كتيبِّ جيّد بعنوان (نظرات وتعقيبات على ما في كتاب السلفية لمحمد سعيد رمضان من الهفوات)
6- كتُبٌ فيها الطعن على ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ومحمد ناصر الدين الألباني رحمهم الله.
7- نزهة المجالس ومنتخب النفائس  لعبد الرحمن الصفُّوري : لا ينبغي الاعتماد عليه لكثرةِ الأحاديث الموضوعة فيه ، حتى إنّ برهان الدين ، محدّثَ دمشق ، حذّر من قراءته وحرَّمها الجلالُ السيوطي)
8- كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور ، لمحمد بن أحمد بن اياس : حذّرت اللجنةُ الدائمةُ للبحوثِ العلميةِ والإفتاءِ في الفتوى رقم (782) ما نصّه (وأن يتجنّب القراءَةَ في الكتب التى ليست مأمونةً مثل كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور) فتاوي اللجنة (1/26) .
9- كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني ذمّ‍َه ابنُ الجوزي في المنتظم (7/40) وذمَّه ابن تيمية كما في تاريخ الإسلام  صـ144 للذهبي .
10- كتُب الأدب عامّةً لابد من التوثّقِ من الأخبار التي توردها مثل كتاب العقد الفريد لأحمد بنُ عبد ربِّه الأندلسي وكتُب الجاحظ عامةً .
11- كتُبٌ فيها أهواءُ وطعنٌ في الصحابةِ والصالحين مثل كتاب مروج الذهب للمسعودي وكتاب ألف ليلة وليلة فيه قصصٌ خياليةٌ
12- كتُب طه حسين عامّةً فهو يدافع عن الزنادقةِ ويزكِّي المعتزلةَ ومذهب الفلاسفة .
13- كتاب الدعاءِ المستجاب لأحمد عبد الجوّاد  كتابٌ من كتب الأذكار تكثرُ فيه الأحاديثُ الضعيفةُ والموضوعيةُ.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق