الاثنين، 28 ديسمبر 2015

أحكام وفوائد في فصل الشتاء من السنة

نزول المطر في الشتاء قد يكون رحمة وقد يكون عذابا كما هو الواقع في العالم: في الصحيحين عن عائشة قالت : كان رسول الله إذا رأى غيما أو ريحاً عُرفَ في وجهه ، قالت: يا رسول الله ، إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاءَ أن يكون فيه المطر ، فأراك إذا رأيتَهُ عرف في وجهك الكراهيةُ ؟ فقال: يا عائشة! ما يؤمني أن يكون فيه عذابٌ؟ عُذّبَ قومٌ بالريح وقد رأى قومٌ العذابُ فقالوا (هذا عارض ممطرنا) خ (4829)  م (899) وفى صحيح مسلم (899) عن عائشة قالت: (كان رسول الله إذا كان يوم الريح والغيم عُرف ذلك في وجهه ،  واقبل أدبر ، فإذا أمطرت سُرَّ بِه وذهب عنه ذلك ، ويقول إذا رأى المطر : رحمة)  قال النووي في شرح مسلم (2/500) وكان خوفه أن يعاقبوا بعصيان العصاة ، وسروره لزوال سبب الخوف)

وسنذكر بعض الأحكام الشرعية في أبواب الطهارة والصلاة والمساجد والصيام والأذكار فقط :

(1) من باب الطهارة :

1- ماء المطر طاهرٌ في نفسِه مطهر لغيرِه قال تعالي (وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً)
2- الوضوء في البرد من الكفارات : قال صلي الله عليه وسلم "ثلاثُ كفارات : انتظارُ الصلاةِ بعد الصلاة ، وإسباغُ الوضوء في السبرات ، ونقلُ الأقدام إلى الجماعات" الطبراني- صحيح الجامع الصغير (3045) سلسلة الأحاديث الصحيحة (1802) . قال المناوي : السبراتُ هي شدة البرد – فيض القدير (3/307) . قال القرطبي (أي تكميله وايعابه مع شدة البرد وألم الجسم ونحوه) المفهم (3/593)
3- طين الشوارع : الأصل فيه الطهارة ولا يجب غسلُه من الثوب : في مصنف عبد الرازق عن عدة من التابعين (أنهم كانوا يخوضون الماء والطين في المطر ثم يدخلون المسجد فيصلون) المصنف (93) و ( 96).
4- المسح على الخفين والجوربين : كما ثبت ذلك في كثير من  الأحاديث الصحيحة ، وكذلك صحح الترمذي وابن حبان والألباني المسحَ على النعلين في الوضوء وهى رخصةٌ ، قال الألباني (إذا عرفت هذا فلا يجوز التردد في قبول هذه الرخصة بعد ثبوتِ الحديث بها) تمام النصح صـ83

(2) من باب الصلاة :

1-    نزولُ المطر يجيزُ التخلفَ عن مسجدِ الجماعةِ للعذر وليس للوجوب : صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال لحديث (من سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) رواه أبو داود وابن ماجة وغيرُهما وصححه الألباني في إرواءِ الغليل (551) . والمطر عذر قليلا كان أو كثير لحديث أسامة بن عمير قال : كنا مع رسول الله زمن الحديبية ، وأصابنا مطر لم يبل أسافل نعالنا ، فنادى منادي رسول الله أن (صلوا في رحالكم) أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان وبَّوبَ عليه في صحيحه (43815) بقوله (ذكر البيان بأن حكم المطر القليل وإن لم يكن مؤذيا حكم الكثير المؤذى منه).
      قال القرطبي في المفهم (3/1218) بعد ذكر أحاديث الرخصة (وظاهرها جوازُ التخلف عن الجماعة للمشقة اللاحقة من المطر والريح والبرد ، وما في معنى ذلك من المشاق المحرجة في الحضر والسفر) في صحيح مسلم (698) عن جابر قال (كنا مع رسول الله في سفر، فمُطرِنَا فقال : ليصلِّ من شاء منكم في رحله) ، وبَّوبَ ابن حبان قبله بقوله (ذكرُ البيانِ بأن الأمر بالصلاة في الرحال لمن وصفنا أمر إباحة لا أمر عزم)

2-     الآذان في المطر أو البرد : ويقول المؤذن بدل حي على الصلاة : صلوا في رحالكم ، أو يقول بعد الانتهاء من الأذان صلوا في بيوتكم أو(رحالكم) أو يقولها بعد الحيعلتين كما في الصحيحين عن ابن عباس انه قال لمؤذنه في يوم مطير (إذا قلت : اشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل : حي على الصلاة ، قل : صلوا في بيوتكم ... ثم قال : فعلها من هو خيرٌ منى) خ (901) م (699)
      وكما في الصحيحين عن نافع قال: أذن ابن عمر في ليلة ثم قال صلوا في رحالكم ، فأخبرنا أن رسول الله كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على اثره : ألا صلوا في الرحال ، في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر) خ (1623) م (697) . ويجوز التخلف عن الجماعة حين العذر ، سواء قال المؤذن (صلوا في الرحال أو لم يقل)! .

3- مشروعيةُ الجمع بين الصلاتين في المطر وعند وجود حاجة أو شيء ما لم يتخذه عادة : والجمع رخصة منوطة بدفع الحرج والمشقة ، والأخذ بها يرفع كثيراً من الحرج عن أناس قد تضطرهم أعمالهم أو ظروف قاهرة إلى الجمع بين الصلاتين كالأطباء وغيرهم . في صحيح مسلم (705) عن ابن عباس أنه قال (صلّى رسول الله الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا ،في غير خوف ولا سفر) وصححه ابن عبد البر في الاستذكار (6/24) ورواه الإمام مالك في الموطأ (1/144) ثم قال (أرى ذلك كان في مطر ، ووافقه الشافعي وغيره) المجموع (4/378) ، ولكن في مسلم (705) وأحمد وأبي داود والترمذي والنسائي عن ابن  عباس وفيه (من غير خوف ولا مطر). ورجحه ابن تيمية في الفتاوي (24/67) و (24/84) وذكر أن العلة هي رفع الحرج عن الأمة . وقال ابن المنذر (ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار ، لأن ابن عباس قد أخبر بأن العلة رفع الحرج) الأوسط (2/432) . وقال النووي (وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذ عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وعن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر) شرح مسلم (5/219) . وكذا قال ابن حجر في الفتح (2/24) والزرقاني في شرح الموطأ (1/294) . وكذلك يجوز الجمع بين الصلاتين بعذر المطر في الجماعة تقديما   أو تأخيراً

4-  المسألة الخامسة في الصلاة : كيف الآذان والإقامة عند الجمع : قولان :
أ- ذهب الجمهور إلى أنه يؤذن آذان واحد ويقام لكل صلاة إقامة خاصة بها ، ودليلهم حديث جابر عند  مسلم (1218) وفيه (أن النبي صلى الصلاتين بعرفة بآذان واحد وإقامتين ، وأتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بآذان واحد وإقامتين)  قال الشافعي في الأم (1/106) (وفيه الدلالة على أن كل من جمع بين صلاتين في وقت الأولي منهما أقام لكل واحدة منهما وأذن للأولي وفي الآخرة يقيم بلا آذان)
 ب- وخالف في ذلك المالكية : واستدلوا بما ورد في البخاري (1677) عن أبي مسعود أنه أمر رجلا فأذن وأقام ثم  صلى المغرب ، ثم أمر رجلا فأذن وأقام)  قال ابن القيم (والصحيح الأخذ بحديث جابر وهو المجمع بينهما بآذان وإقامتين) تهذيب السنن – عون المعبود (5/405 -410) (وقال عن أمر ابن مسعود أنه موقوف عليه من فعله ، والمرفوع خلافه) .

6،7- تغطية الفم في الصلاة والسدل في الصلاة : عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم  أنه "نهي عن السدل في الصلاة ، وأن يغطي الرجل فاه" أبو داود  والترمذي وأحمد وصححه ابن خزيمة – المشكاة (764)
تغطية الفم هو التلثم ويكون غالباً من شدة البرد في الشتاء ، وقد يفعل في الصيف . والسدل : قال ابن الأثير في النهاية (3/74) (هو أن يلتحف بثوبه ، ويدخل يديه من داخل ، ويركع ويسجد وهو كذلك ، وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب) انظر الأوسط لابن المنذر (5/75) والروضة الندية لصديق (1/82) أي : وضع الملابس كالمعطف ونحوه على الكتفين دون إدخال الأيدي في الأكمام ويستثني السدل في البرد الشديد : كما روى أبو داود بسند صحيح من حديث وائل بن حجر في صفة صلاة النبي قال في آخره (ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه برد شديد ، فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب)

8- صلاة الاستسقاء : وهو طلب السقيا : في الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال (خرج رسول الله إلى المصلى فاستسقى ، واستقبل القبلة ، وقلب رداءه وصلى ركعتين) خ (1005) وم (984) ، قال النووي (أجمع  العلماء على أن الاستسقاء سنة) شرح مسلم (6/187) ثم قال (فيه استحباب الخروج للاستسقاء إلى الصحراء) تبدأ بخطبة واحدة لما ثبت في حديث عائشة عند أبي داود والطحاوي وصححه ابن حبان والحاكم . ثم يدعو في نهاية الخطبة ويحول الخطيب رداءه عند استقبال القبلة وارادة الدعاء ، كذلك فان تحويل الرداء يكون للناس أيضا كما هو للأمام وهذا مذهب الجمهور ، بل قال ابن عبد البر في الاستذكار (7/139) (ولا اعلم خلافا أن يحول الناس وهم جلوس) ، واستدلوا بما رواه أحمد (4/164) عن عبد الله بن زيد بلفظ (وحول الناس معه) ولكن حكم الألباني على هذه الزيادة بالشذوذ تمام المنة صـ 264 عن أنس أن النبي استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء – رواه مسلم (896). والسنة في تحويل الرداء (جعل ما على الأيمن على الأيسر وعكسه) وهو قول الجمهور – كما ذكره ابن عبد البر في الاستذكار (7/138) وذكره ابن باز في تعليقه على فتح الباري (1/498) ثم يصلى ركعتين كصلاة العيد كما رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم . ويجهر في صلاة الاستسقاء كما في صحيح البخاري (1024) عن عبد الله بن زيد ، ولم يصح تعيين سور معينة في صلاة الاستسقاء – تمام المنه صـ264  وليس لها وقت معين يخرج فيه ولكن لا تفعل في أوقات النهى لعموم الأدلة – المغني (2/432) ويجوز الاستسقاء في خطبة الجمعة ولها أحكام خاصة:
    قال البخاري في صحيحه (كتاب الاستسقاء / باب 7) (باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة) ثم ذكر حديث أنس أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ، ورسول الله قائم يخطب فاستقبل رسول الله ثم قال : يا رسول الله ، هلكت الأموال ... فادع الله يغيثنا ، فرفع رسول الله يديه ثم قال "اللهم أغثنا". قال ابن حجر (وفيه إدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر  ولا تحويل فيه ولا استقبال ، والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء) فتح (2/506) .
فائــدة : (في دعاء الاستسقاء صح رفع الأيدي في الدعاء للأمام والمأمومين ، لذلك بوب البخاري بقوله – باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء (21) ، وليس من السنة رفع اليدين بالدعاء في خطبة الجمعة كما قال النووي (2/471) وعزاه إلى مالك والشافعية وغيرهم وهو الصحيح لما ثبت عن مسلم عن عمارة بن رؤيبة قال (لقد رأيت رسول الله ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بإصبعه المسبحة … أي يوم الجمعة) مسلم (874) ، ويؤيده حديث أنس في الصحيحين قال (كان النبي لا يرفع يديه في شيء من دعائه أي في الخطب والمواعظ إلا في الاستسقاء) خ (1031) م )(895) والحديثان يدلان على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء، وأنه بدعة . راجع نيل الأوطار للشوكاني (3/208) وعون المعبود (3/453). والآثار عن السلف في إنكار رفع اليدين للدعاء على المنبر يوم الجمعة كثيرة – انظر مصنف ابن أبي شيبة (2/147 و 14/78).

(3) من باب المساجد :

1-  قطع الصفوف بسبب المدفأة : قال الشيخ الألباني في الصحيحة (1-592) عند كلامه على مسألة الصلاة بين السواري وقطع الصفوف : (ومثل ذلك في قطع الصف المدافىء التي توضع في بعض المساجد وضعا يترتب منه قطع الصف دون أن ينتبه لهذا المحذور إمام المسجد والمصلون)

2- الفوضى الناشئة عن الجمع وعدمه بسبب اختلاف الناس في الجمع وعدمه ، والمساجد لها حرمة ومهابة ومكانة ولا يجوز رفع الصوت فيها ، والإمام هو سيد الموقف ، وهو الذي يتحمل مسؤولية فعله بينه وبين ربه ، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم  (الإمام ضامن ، فإن أحسن فله ولهم وأن أساء فعليه ولهم) رواه ابن ماجة ، وهو في السلسلة الصحيحة (1767) ، فمن رضى بجمعه فليجمع ومن لم يرض يصلى بنية النفل أو ينصرف صامتا هادئاً .

(4) من باب الصوم :
           
1- اغتنام الصوم في أيام الشتاء : وقد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة" السلسلة الصحيحة رقم (1922) ورواه أحمد وغيره وهو حسن لغيره .

2- حكم أكل البرد للصائم : عن أنس قال مطرنا بردا وأبو طلحة صائم فجعل يأكل منه وقال : إنما هذا بركة) أي ليس طعاما ولا شرابا ، وسنده صحيح كما قال ابن حزم ووافقه الألباني في الصحيحة (1/154) ولكن اتفق العلماء على ترك العمل بفعل أبى طلحة كما قال ابن رجب في شرح علل الترمذي (1/12) وقال البزار في مسنده (1/481) : لا نعلم هذا الفعل إلا عن أبى طلحة ، وقال ابن حزم في المحلى (6/255 – 258) (ومن الشواذ أن أبا طلحة كان يأكل البرد وهو صائم) .

(5) من باب الأذكار :

1- أذكار الاستسقاء : وهي كثيرة في كتب الأذكار وأكثر الدعاء الاستغفار لقوله تعالي في سورة نوح  (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً)

2- دعاء رؤية الريح : في صحيح مسلم (899) عن عائشة قالت : كان النبي إذا عصفت الريح قال "اللهم أني أسألك خيرها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به" وهناك أدعية أخرى لرؤية الريح في كتب الأذكار.

3- الدعاء عند رؤية السحاب والمطر : عن عائشة أن النبي كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل وإن كان في صلاة ثم يقول " اللهم أني أعوذ بك من شرها " وأن مطر (اللهم  صيبا هنيئاً) وفي رواية   (اللهم صيبا نافعاً) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد بسند قوي ، والرواية الأخرى في صحيح البخاري (1032) .

فوائـد أخـرى :
1- في صحيح مسلم (898) عن أنس رضى الله عنه قال : أصابنا مطر ونحن مع رسول الله ، فحسر رسول الله ثوبه حتى أصابه من المطر ، فقلنا لم صنعت هذا ؟ قال لأنه حديث عهد بربه.

2- أن من غرق نتيجة الفيضانات والسيول في الشتاء أو غيره وكان على دين وصلاح وحسن حال يرجى له الشهادة كما هو نص حديث رسول الله ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال "الشهداء خمسة ....... الغرق" خ (2829) م (1914) .

3- في البرد ، لابد من الحذر الشديد من إبقاء المدافىء بأنواعها كافة مشتعلة حالة النوم ، لما في ذلك من خطر الاحتراق أو الاختناق : لذلك أمر رسول الله بإطفاء النار عند النوم" إذا نمتم فأطفئوها عنكم" متفق عليه خ (6294) م )(2107) . وقال أيضاً "لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون" متفق عليه خ (6293) م (2105) قال ابن حجر (فتح 11/85) (قيده بالنوم لحصول الغفلة به غالبا ، ويستنبط منه أنه متى وجدت الغفلة حصل النهى) .



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

هناك تعليق واحد:

  1. لماذا لا يكون للمقال نسخه pdf ليسهل نشره والاستفادة منه؟؟؟

    ردحذف