الخميس، 17 سبتمبر 2015

الحقَّ وأسبابُ رفضِه

فإن هذا الموضوع من أهم المواضيع التي يجب أن يعتني بها المسلم للنجاة يوم القيامة ، فما هو الحقَّ ؟ وما هي علاماتُه ؟ ولماذا يمتنع الناس عن قبوله وهو حقٌّ ؟ والله عزّ وجلَّ أخبرنا بأنه خلق السموات والأرض بالحقَّ ، وأنه أنزل القرآن بالحقُّ ، قال تعالى  (وبالحقِّ أنزلنا ، وبالحق نزل).
*والحقُّ هو : كلُّ ما جاء في القرآن والسنّةِ من العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك وغيرها ، وبفهم الصحابة والتابعين والأئمةِ ومن سار على ذلك إلى يوم القيامة .
*والحقّ لا يتعـدّد : لأن الربُّ المعبود واحد ، والرسولُ المبلّغ واحد ، وإلا لما ذكر العلماء طرق الجمع والترجيح ولما وُجدت ردود العلماء على بعضهم البعض في المسائل المختلف فيها .
*وأما علاماته فهي : موافقة القرآن والسنّةِ وفهم السلف في كل شيءِ ، وكذلك موافقة القواعد الشرعيةِ وإجماع الأمّة والقياس المعتبر . وهذه أدلة الشريعة المتفق عليها .
أما أسبابُ امتناع الناس عن قبول الحق فهي :
1-      التقليدُ للآباء والأجداد :
 * قال الله تعالى  (وكذلك ما أنزلنا في قريةٍ من نذيرٍ إلا قال مترفُوها إنا وجدنا آباءَنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون)
2- الغلوُّ في الرجال وعدمُ إنزالهم المنزلةَ التى أنزلها اللهُ إيّاهُم :
  * المعلومُ أنه لا معصوم  من الخطأ والسهو والجهل في بعض الأمور إلا رسولُ الله صلي الله عليه وسلم والإسلامُ شرع لنا تقديرَ العلماء واحترامَهُم وإنزلَهُم المنزلةَ التي يستحقونها ، وكذلك بيّن لنا أنه لا معصوم إلا رسول الله صلي الله عليه وسلم .
   * ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله (كّلٌّ يؤخذُ من قوله ويُردُّ إلاّ صاحبَ هذا القبر صلي الله عليه وسلم) ، وقال ابنُ تيمية رحمه الله (وأما الصدّيقون والشهداءُ والصالحون فليسوا بمعصومين ، وأما ما اجتهدوا فيه ، فتارةً يصيبون وتارةً يخطئون ، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم  أجران ، وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجرٌ واحدُ على اجتهادهم ، وخطؤُهم مغفورٌ لهم) الفتاوى (35/69) .
* فالواجبُ تجاه العلماء موالاتُهم واحترامُهُم والأخذُ عنهم وعدمُ القدح فيهم والحذرُ من تخطئِتهم والتماسُ العذر لهم ، واعتقادُ عدم عصمتِهم والحذرُ من زلاتِهِم والثقة بهم ، فهذه منزلةُ العلماء من أهل السنّةِ والجماعة أهلِ الحديثِ ، وقضيةُ  الغلوِّ في الرجال منتشرةٌ في هذه الأيام حتى بين الملتزمين المستقيمين ، وطالبُ الحقِّ لا يهولُه اسمُ مُعظِّمِ كائناً من كان ، قال عليُّ رضي الله عنه (إنّ الحقَّ لا يُعرفُ بالّرجال ، إعرف الحقَّ تعرف أهلهُ ) .
3- من أسبابِ رفض الحقِّ : العادات والتقاليد التي نشأ عليها الناس :
      فمن الناس من يرفض الحقَّ لأنه مخالفٌ لعاداتهم وتقاليدهم ، والعادات والتقاليد منها ما هو موافقٌ للشرع ، ومنها ما هو مخالفٌ ومضادٌ للحقِّ وهذه المقصودة فهناك عاداتٌ في المظهر أو الملبس أو التعامل أو حتى آداب الطعام مخالفةٌ للحق ، فمن أمثلة العادات المخالفة للحق : الدخولُ على النساء ومصافحتُهُنَّ من قبل غير المحارم ، وبعضُ الرقصات الشعبية والفنون الشعبية ، والإسرافُ في الولائم ، وحلق للحى ، وغيرها من التقاليد التي تخالف الشريعة .
4- ومن أسباب رفض الحق : الكبْـرُ :
 * وكما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " الكبْرُ بطرُ الحقَّ ، وغمطُ الناس " متفق عليه ، وعند مسلم مرفوعاً (لا يدخلُ الجنّةَ مَنْ كانَ في قلبه مثقالُ ذرّةٍ من كبرْ) وبطر الحق أي ردّه .
والكبــرْ : خُلُقٌ باطنٌ تصدُر عنه أعمالٌ ، وذلك الخلقَ هو رؤيةُ النفس فوقَ الغيرِ في صفات الكمال ، فإنَّ الإنسانَ متى رأى نفسَه بعين الاستعظامِ ، حقَرَ مَنْ دونه ، والمتكبّرُ لا يقدُر على التواضع ولا على ترك الحقد والحسد والغضب ، وكذلك لا يقدر على قبول النصح ، ولذلك يرفض الحقَّ ويمتنعُ عن قبوله ، فتراهُ يترفعُ في المجالس ويتقدم على الأقران ، وينكرُ على من قصَّر في حقِّه ، ويزكِّي نفسَه ، يفاخرُ بنَسَبِه وقبيلتِه وأصله * فالكبرُ يؤدي إلى رفضِ الحقِّ ، ويجبُ علاجُه بالتواضع للناس وذلك بالمواظبة على استعمال خلقِ المتواضعين ، وكذلك بتذكرّ أصلَه وأنه من تراب ثم من نطفةِ ... وهكذا .
5- ومن أسباب رفض الحق: العصبيّةُ والحزبيَّةُ للأفرادِ وللجماعات وللأحزاب والقبائلَ والمذاهب والأشخاص:
والعصبيّة هي الحبُّ والبغضُ لأجل الحزب أو المذهب أو الجماعة أو القبيلةِ ، وآثارها كثيرةٌ منها أنها تؤدي  إلى الافتراق والاختلاف ، وردِّ كلِّ ما يخالفُ مبادئها ولو كانَ حقاً ، فالمتعصّبُ لحزبٍ يردُّ كلَّ حقٍّ يخالفُ ما عليه حزبُه !! والمتعصّبَ لمذهب من المذاهب ، يردُّ الحقَّ الذي يخالفُ مذهبَه ولو كان حديثاً ثابتاً ، والمتعصبُ لشيخٍ يردُّ الحقَّ الذي يخالفُه شيخُه ، والمتعصبُ لقبيلتِه كذلك ، ولذلك فالعصبيُّة والحزبيةُ لغير الله ورَسوله ، محرَّمةٌ لا تجوز لأنها تؤدي إلى رفض الحق .
6- ومن أسباب رفض الحقِّ : الحسدُ وهو تمنيِّ زوال النعمةِ عن المحسود :
      يرى أنّك على حق فيحسدك ولا يعمل بالحق ويتمنيَّ أن يزول عنك ، قال الله تعالى ) وَدَّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردُّونكم من بعد إيمانِكم كُفَّاراً حسداً من عند أنفُسِهِم من بعد ما تبيَّن لهمُ الحقُّ ... ( 109 البقرة ، وكذلك فإن هناك من المسلمين من أهل البدع والأهواء يرفضون قبول الحق من أهله ، حسداً ، ولذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " دَبَّ إليكُم داءُ الأمم قبلكم ، الحسدُ والبغضاءُ " صحيح سنن الترمذي 2038 – صحيح الجامع 3361 .
7- ومن الأسباب : البغضاءُ والعداوةُ الشخصيةُ :

      فلا يقبل الحقَّ من فلانٍ لأنه يكرهُه ويعاديه ، ولو قال بالحقِّ غيُره لقَبِلَهُ منه ، ولذلك من الأهمية للداعية إلى الحق أن يكسبَ قلوب الناس حتى يقبلوا ما عنده من الحقِّ .

8- ومن أسباب رفض الحق : اعتناقُ وتبنيِّ أفكارً ومذاهبَ مخالفةً للحق :
      مثل الأفكار العلمانية والإلحادية وغيرها ، وكذلك تبنيِّ أصولاً لأحزابٍ ، وهذه الأصولُ أو بعضُها ضدُّ الحق ، فيرفضُ الحقَّ لأنه يخالفُ ما تبنّاهُ من أفكارٍ وعقائد .

9- ومن أسباب رفض الحق : الجهلُ به :
       ومن جهلَ شيئاً عاداهُ وعادى أهله ، فكثيرٌ من الناس يعادون الحقَّ وأهل َ الحقٍ لأنهم يجهلون الحقَّ ، يجهلون أن الحقَّ هو القرآنُ والسنّةُ وفهمُ السلف الصالح لهما ، فلذلك أنه من الواجب على أهل الحقَّ أن يُعلِّموا الناسَ الحقَّ ، ويُبَيِّنُوُهُ لهم في جميع  الأماكن والمناسبات .

10- ومن أسباب رفض الحقّ : التأثُر بأقوال أعداء الحقِّ المخالفين له :
        لذلك من أصول أهل السنّة والجماعة السلفِ الصالح أهل الحديث : عدم مجالسة ومصاحبة أهل البدع والأهواء ، لماذا ؟ حتى لا يتأثر المسلمُ بأقوالهم وأفعَالهم ، ومن المخالفين للحق من يشوّه صورة الحقِّ وأهلهِ فيقولون هؤلاء متشدّدون ، متزمّتُون  وهابيون ، فيسمعُهُم أناسُ فينفُرون من الحقِّ وأهله ، فيرفضون الحقّ .

11- ومن أسباب رفض الحق : اعتقادُ أن أهل الحقِّ هم الكثرة من الناس :
   فيقول : كلُّ هؤلاء الناس الملايين خطأ وأنتُم القلّةُ أهلُ الحق ، فيرفض الحقَّ ، ويجهلُ أو ينسى أن أهل الحقِّ هم القلّةُ في كل زمان ، قال الله تعالى ) وما أكثرُ الناس ولو حرصت بمؤمنين (ويقول الله تعالى) وإن تُطعْ أكثر مَنْ في الأرض يضلُّوك عن سبيل الله ( ويقول صلي الله عليه وسلم عن الغرباء " ناسٌ صالحون قليل في أُناسِ سوءٍ كثير ، مَنْ يعصيهم أكثُر ممَّن يطيعُهُم " وقال الله تعالى (... إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ وقليلٌ ما هُم ... )

12- ومن أسباب رفض الحقّ : الضغطُ الاجتماعيُّ :
    أحياناً يُرفضُ الحقَّ بسبب الضغوط الاجتماعية والقبليّة
أمثلة : أ) عندما قذف هلالُ ابنُ أمَّية رضي الله عنه امرأتَه ، وتلاعنا ، فلمَّا شهدت المرأة أربع شهادات أنه من الكاذبين ، وجاءت الخامسة أن غضب الله عليها ، أوقفوها وقالوا لها : إنّها موجبة ، قال ابن عباس : فتلكَّأت ونكصت ، حتى ظنناَّ أنها ترجع وتعترف ، ولكنها قالت : لا أفضح ُ قومي سائر اليوم ، فمضت وأكملت الخامسة ، فرفضت الحق بسبب خوف فضيحة أهلها . والحديث في صحيح البخاري وغيره .

ب) وكذلك : ما الذي حمل آبا طالب على رفض الحقَّ ، الضغطُ الاجتماعي ، قال : ولقد علمتُ أن دينَ محمدٍ من خيرِ أديانِ البَريَّةِ دينا : لكنْ لولا الملامةُ أو حذارُ مَسَبَّةٍ لوجدتني سمحاً بذاك مُبينا .

- وكثيرٌ من الناس يريدُ أن يلتزم بالحقّ ولكنه يرفضه لأنه يستسلم للضغوط الاجتماعية .

فهذه بعض أسباب رفض الحق التي عليها كثيرٌ من المسلمين

وأخيــراُ :

-  يجب علينا أن نتجرِّد ، ونضعَ الحقَّ فوقَ كلِّ اعتبار ، ونتحرر من كل ما يمنعنا عن قبول الحق .
-   يجبُ علينا أن نتعلَّم الحقَّ ونسألَ عنه .
-  والحقُّ هو القرآن والسنّة وفهم السلف الصالح لهما .
-   ويجبُ علينا كذلك أن نبيّن للناس هذا الحقِّ ونصبر على ذلك .

نسأل الله عز وجل أن يرينا الحق ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل ويرزقنا اجتنابه
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِ العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق