فإن هذا الموضوع من أهم المواضيع التي يجب أن يعتني بها المسلم للنجاة
يوم القيامة ، فما هو الحقَّ ؟ وما هي علاماتُه ؟ ولماذا يمتنع الناس عن قبوله وهو
حقٌّ ؟ والله عزّ وجلَّ أخبرنا بأنه خلق السموات والأرض بالحقَّ ، وأنه أنزل القرآن
بالحقُّ ، قال تعالى (وبالحقِّ أنزلنا ، وبالحق
نزل).
*والحقُّ هو : كلُّ ما جاء في القرآن والسنّةِ من العقائد والعبادات والمعاملات
والأخلاق والسلوك وغيرها ، وبفهم الصحابة والتابعين والأئمةِ ومن سار على ذلك إلى يوم
القيامة .
*والحقّ لا يتعـدّد : لأن الربُّ المعبود واحد ، والرسولُ المبلّغ واحد
، وإلا لما ذكر العلماء طرق الجمع والترجيح ولما وُجدت ردود العلماء على بعضهم البعض
في المسائل المختلف فيها .
*وأما علاماته فهي : موافقة القرآن والسنّةِ وفهم السلف في كل شيءِ ،
وكذلك موافقة القواعد الشرعيةِ وإجماع الأمّة والقياس المعتبر . وهذه أدلة الشريعة
المتفق عليها .
أما أسبابُ امتناع الناس عن قبول الحق فهي :
1- التقليدُ للآباء والأجداد
:
* قال الله تعالى (وكذلك ما أنزلنا في قريةٍ من نذيرٍ إلا قال مترفُوها
إنا وجدنا آباءَنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون)
2- الغلوُّ في الرجال وعدمُ إنزالهم المنزلةَ التى أنزلها اللهُ إيّاهُم
:
* المعلومُ أنه لا معصوم من الخطأ والسهو والجهل في بعض الأمور إلا رسولُ
الله صلي الله عليه وسلم والإسلامُ شرع لنا تقديرَ العلماء واحترامَهُم وإنزلَهُم المنزلةَ
التي يستحقونها ، وكذلك بيّن لنا أنه لا معصوم إلا رسول الله صلي الله عليه وسلم .
* ولذلك قال الإمام مالك رحمه
الله (كّلٌّ يؤخذُ من قوله ويُردُّ إلاّ صاحبَ هذا القبر صلي الله عليه وسلم) ، وقال
ابنُ تيمية رحمه الله (وأما الصدّيقون والشهداءُ والصالحون فليسوا بمعصومين ، وأما
ما اجتهدوا فيه ، فتارةً يصيبون وتارةً يخطئون ، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران ، وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجرٌ واحدُ على
اجتهادهم ، وخطؤُهم مغفورٌ لهم) الفتاوى (35/69) .
* فالواجبُ تجاه العلماء موالاتُهم واحترامُهُم والأخذُ عنهم وعدمُ القدح
فيهم والحذرُ من تخطئِتهم والتماسُ العذر لهم ، واعتقادُ عدم عصمتِهم والحذرُ من زلاتِهِم
والثقة بهم ، فهذه منزلةُ العلماء من أهل السنّةِ والجماعة أهلِ الحديثِ ، وقضيةُ الغلوِّ في الرجال منتشرةٌ في هذه الأيام حتى بين
الملتزمين المستقيمين ، وطالبُ الحقِّ لا يهولُه اسمُ مُعظِّمِ كائناً من كان ، قال
عليُّ رضي الله عنه (إنّ الحقَّ لا يُعرفُ بالّرجال ، إعرف الحقَّ تعرف أهلهُ ) .
3- من أسبابِ رفض الحقِّ : العادات والتقاليد التي نشأ عليها الناس :
فمن الناس من يرفض الحقَّ
لأنه مخالفٌ لعاداتهم وتقاليدهم ، والعادات والتقاليد منها ما هو موافقٌ للشرع ، ومنها
ما هو مخالفٌ ومضادٌ للحقِّ وهذه المقصودة فهناك عاداتٌ في المظهر أو الملبس أو التعامل
أو حتى آداب الطعام مخالفةٌ للحق ، فمن أمثلة العادات المخالفة للحق : الدخولُ على
النساء ومصافحتُهُنَّ من قبل غير المحارم ، وبعضُ الرقصات الشعبية والفنون الشعبية
، والإسرافُ في الولائم ، وحلق للحى ، وغيرها من التقاليد التي تخالف الشريعة .
4- ومن أسباب رفض الحق : الكبْـرُ :
* وكما قال رسول الله صلي الله
عليه وسلم " الكبْرُ بطرُ الحقَّ ، وغمطُ الناس " متفق عليه ، وعند مسلم
مرفوعاً (لا يدخلُ الجنّةَ مَنْ كانَ في قلبه مثقالُ ذرّةٍ من كبرْ) وبطر الحق أي ردّه
.
والكبــرْ : خُلُقٌ باطنٌ تصدُر عنه أعمالٌ ، وذلك الخلقَ هو رؤيةُ النفس
فوقَ الغيرِ في صفات الكمال ، فإنَّ الإنسانَ متى رأى نفسَه بعين الاستعظامِ ، حقَرَ
مَنْ دونه ، والمتكبّرُ لا يقدُر على التواضع ولا على ترك الحقد والحسد والغضب ، وكذلك
لا يقدر على قبول النصح ، ولذلك يرفض الحقَّ ويمتنعُ عن قبوله ، فتراهُ يترفعُ في المجالس
ويتقدم على الأقران ، وينكرُ على من قصَّر في حقِّه ، ويزكِّي نفسَه ، يفاخرُ بنَسَبِه
وقبيلتِه وأصله * فالكبرُ يؤدي إلى رفضِ الحقِّ ، ويجبُ علاجُه بالتواضع للناس وذلك
بالمواظبة على استعمال خلقِ المتواضعين ، وكذلك بتذكرّ أصلَه وأنه من تراب ثم من نطفةِ
... وهكذا .
5- ومن أسباب رفض الحق: العصبيّةُ والحزبيَّةُ للأفرادِ وللجماعات وللأحزاب
والقبائلَ والمذاهب والأشخاص:
والعصبيّة هي الحبُّ والبغضُ لأجل الحزب أو المذهب أو الجماعة أو القبيلةِ
، وآثارها كثيرةٌ منها أنها تؤدي إلى الافتراق
والاختلاف ، وردِّ كلِّ ما يخالفُ مبادئها ولو كانَ حقاً ، فالمتعصّبُ لحزبٍ يردُّ
كلَّ حقٍّ يخالفُ ما عليه حزبُه !! والمتعصّبَ لمذهب من المذاهب ، يردُّ الحقَّ الذي
يخالفُ مذهبَه ولو كان حديثاً ثابتاً ، والمتعصبُ لشيخٍ يردُّ الحقَّ الذي يخالفُه
شيخُه ، والمتعصبُ لقبيلتِه كذلك ، ولذلك فالعصبيُّة والحزبيةُ لغير الله ورَسوله ،
محرَّمةٌ لا تجوز لأنها تؤدي إلى رفض الحق .
6- ومن أسباب رفض الحقِّ : الحسدُ وهو تمنيِّ زوال النعمةِ عن المحسود
:
يرى أنّك على حق فيحسدك
ولا يعمل بالحق ويتمنيَّ أن يزول عنك ، قال الله تعالى ) وَدَّ كثيرٌ من أهل الكتاب
لو يردُّونكم من بعد إيمانِكم كُفَّاراً حسداً من عند أنفُسِهِم من بعد ما تبيَّن لهمُ
الحقُّ ... ( 109 البقرة ، وكذلك فإن هناك من المسلمين من أهل البدع والأهواء يرفضون
قبول الحق من أهله ، حسداً ، ولذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " دَبَّ
إليكُم داءُ الأمم قبلكم ، الحسدُ والبغضاءُ " صحيح سنن الترمذي 2038 – صحيح الجامع
3361 .
7- ومن الأسباب : البغضاءُ والعداوةُ الشخصيةُ :
فلا يقبل الحقَّ من فلانٍ
لأنه يكرهُه ويعاديه ، ولو قال بالحقِّ غيُره لقَبِلَهُ منه ، ولذلك من الأهمية للداعية
إلى الحق أن يكسبَ قلوب الناس حتى يقبلوا ما عنده من الحقِّ .
8- ومن أسباب رفض الحق : اعتناقُ وتبنيِّ أفكارً ومذاهبَ مخالفةً للحق
:
مثل الأفكار العلمانية والإلحادية
وغيرها ، وكذلك تبنيِّ أصولاً لأحزابٍ ، وهذه الأصولُ أو بعضُها ضدُّ الحق ، فيرفضُ
الحقَّ لأنه يخالفُ ما تبنّاهُ من أفكارٍ وعقائد .
9- ومن أسباب رفض الحق : الجهلُ به :
ومن جهلَ شيئاً عاداهُ
وعادى أهله ، فكثيرٌ من الناس يعادون الحقَّ وأهل َ الحقٍ لأنهم يجهلون الحقَّ ، يجهلون
أن الحقَّ هو القرآنُ والسنّةُ وفهمُ السلف الصالح لهما ، فلذلك أنه من الواجب على
أهل الحقَّ أن يُعلِّموا الناسَ الحقَّ ، ويُبَيِّنُوُهُ لهم في جميع الأماكن والمناسبات .
10- ومن أسباب رفض الحقّ : التأثُر بأقوال أعداء الحقِّ المخالفين له
:
لذلك من أصول أهل السنّة
والجماعة السلفِ الصالح أهل الحديث : عدم مجالسة ومصاحبة أهل البدع والأهواء ، لماذا
؟ حتى لا يتأثر المسلمُ بأقوالهم وأفعَالهم ، ومن المخالفين للحق من يشوّه صورة الحقِّ
وأهلهِ فيقولون هؤلاء متشدّدون ، متزمّتُون
وهابيون ، فيسمعُهُم أناسُ فينفُرون من الحقِّ وأهله ، فيرفضون الحقّ .
11- ومن أسباب رفض الحق : اعتقادُ أن أهل الحقِّ هم الكثرة من الناس
:
فيقول : كلُّ هؤلاء الناس الملايين خطأ وأنتُم القلّةُ
أهلُ الحق ، فيرفض الحقَّ ، ويجهلُ أو ينسى أن أهل الحقِّ هم القلّةُ في كل زمان ،
قال الله تعالى ) وما أكثرُ الناس ولو حرصت بمؤمنين (ويقول الله تعالى) وإن تُطعْ أكثر
مَنْ في الأرض يضلُّوك عن سبيل الله ( ويقول صلي الله عليه وسلم عن الغرباء "
ناسٌ صالحون قليل في أُناسِ سوءٍ كثير ، مَنْ يعصيهم أكثُر ممَّن يطيعُهُم " وقال
الله تعالى (... إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ وقليلٌ ما هُم ... )
12- ومن أسباب رفض الحقّ : الضغطُ الاجتماعيُّ :
أحياناً يُرفضُ الحقَّ بسبب
الضغوط الاجتماعية والقبليّة
أمثلة : أ) عندما قذف هلالُ ابنُ أمَّية رضي الله عنه امرأتَه ، وتلاعنا
، فلمَّا شهدت المرأة أربع شهادات أنه من الكاذبين ، وجاءت الخامسة أن غضب الله عليها
، أوقفوها وقالوا لها : إنّها موجبة ، قال ابن عباس : فتلكَّأت ونكصت ، حتى ظنناَّ
أنها ترجع وتعترف ، ولكنها قالت : لا أفضح ُ قومي سائر اليوم ، فمضت وأكملت الخامسة
، فرفضت الحق بسبب خوف فضيحة أهلها . والحديث في صحيح البخاري وغيره .
ب) وكذلك : ما الذي حمل آبا طالب على رفض الحقَّ ، الضغطُ الاجتماعي ،
قال : ولقد علمتُ أن دينَ محمدٍ من خيرِ أديانِ البَريَّةِ دينا : لكنْ لولا الملامةُ
أو حذارُ مَسَبَّةٍ لوجدتني سمحاً بذاك مُبينا .
- وكثيرٌ من الناس يريدُ
أن يلتزم بالحقّ ولكنه يرفضه لأنه يستسلم للضغوط الاجتماعية .
فهذه بعض أسباب رفض الحق التي عليها كثيرٌ من المسلمين
وأخيــراُ :
- يجب علينا أن نتجرِّد ، ونضعَ
الحقَّ فوقَ كلِّ اعتبار ، ونتحرر من كل ما يمنعنا عن قبول الحق .
- يجبُ علينا أن نتعلَّم الحقَّ
ونسألَ عنه .
- والحقُّ هو القرآن والسنّة
وفهم السلف الصالح لهما .
- ويجبُ علينا كذلك أن نبيّن
للناس هذا الحقِّ ونصبر على ذلك .
نسأل الله عز وجل أن يرينا الحق ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل ويرزقنا
اجتنابه
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِ العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق