الأربعاء، 8 فبراير 2017

كـلُّ بدعـةٍ ضلالـة


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد

إن من أعظم ما ابتليت به الأمَّةُ الإسلامية تلك البدع التي انتشرت اليوم، والبدع أمرها عظيمٌ وهي بريدُ الكفر، قال ابن عباس رضي الله عنهما (إنّ أبغض الأمورِ إلى الله البدع) رواه البيهقي في الكبرى (4/316)، وقال سفيانُ الثوريُّ رحمه الله (البدعةُ أحبُّ إلى أبليس من المعصيةِ ، المعصيةُ يُتاب منها والبدعةُ لا يُتابُ منها) أخرجه اللالكائيُّ (1/132) والبغوي (1/216) ومن أهم أسباب انتشار البدع، اعتقادُ الكثيرين من أن هناك بدعة حسنةً. وفي هذا البحث المختصر أبيِّن فيه خطأ هذا الاعتقاد والقول من الأدلّةِ الشرعيةِ وأقوال السلف والعلماء، ثم الردُّ على شُبهاتِ محسِّني البدعِ.

} أ { ذكرُ الأدلّةِ وأقوال أهل العلم على أن البدع كلَّها سيئة ولا توجد بدعةٌ حسنة:-
1-  قال الله تعالى ]اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً[ سورة المائدة (3) . قال مالك بن أنس رحمه الله (من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنةً ، فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله تعالى يقول (اليوم أكملت لكم دينكم..) فما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم ديناً) الاعتصام للشاطبي (1/64).
2-  عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في خطبته (أما بعدُ ، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشرِ الأمور محدثاتُها ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة) رواه مسلم (867) ، وهذا نصٌ صريحٌ عامٌّ بأن كلَّ البدع من الضلالات.
3-  عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ... ثم قال: وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور فإنّ كلَّ بدعةٍ ضلالة) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرُهم.

ó  قال ابن رجب رحمه الله (قوله "كل بدعةٍ ضلالةٌ" ، من جوامع الكلم ، لا يخرج عنه شيء ، وهو أصلٌ عظيمٌ من أصول الدين) جامع العلوم والحكم ، حديث (28).
ó  قال ابنُ حجر رحمه الله (فقولُه صلى الله عليه وسلم "كل بدعةٍ ضلالةٌ" قاعدةٌ شرعيةٌ كلِّيةٌ بمنطوقها ومفهومها ، أما منطوقها: فكان يقال: حكم كذا بدعةٌ وكل بدعةٍ ضلالة ، فلا تكون من الشرع لأن الشرع كلّه هدى...) فتح الباري (13/254).
ó  قال محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (إنّ قولَهُ " كل بدعةٍ " كلية عامَّةٌ شاملةٌ ، وكل ما أدُّعيَ أنه بدعةٌ حسنة فالجواب عنه بهذا ، وعلى هذا ، فلا مدخل لأهل البدعة في أن يجعلوا من بدعهم بدعة حسنة وفي يدنا هذا السيف الصارم  من رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل بدعةٍ ضلالة") انتهى كلامه من كتاب الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع ص13.

4-  عن عائشـة رضي الله عنها قالـت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) متفقٌ عليه. قال الشوكاني رحمه الله (هذا الحديث من قواعد الدين ، ومن أصرحه وأدلّه على إبطال ما ذهب إليه الفقهاءُ من تقسيم البدع إلى أقسام) نيل الأوطار (2/69).
5-  قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (اتَّبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتُم وكل بدعةٍ ضلالةٌ) أخرجه ابن بطة في الإبانة حديث (175) واللالكائي حديث (104).
6-  قال عبد الله بنُ عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (كلُ بدعةٍ ضلالةٍ وإن رآها الناسُ حسنة) أخرجه ابن بطة في الإبانة حديث (205) واللاكائي حديث (126) .
7-    قال مالك رحمه الله (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً خان الرسالة) المرجع السابق.
8-  قال الإمام أحمدُ بن حنبل رحمه الله (أصولُ السُّنّةِ عندنا: التمسُّكُ بما كان عليه أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإقتداءُ بهم وتركُ البدع ، وكل بدعةٍ فهي ضلالةٌ) رواه اللالكائي في شرح أصول أهل السُنّةِ.

} ب { شُبهات محسِّني البدع والجوابُ عنها :-
أهلُ البدع يحتجُّون ببعض الشُبه على تحسينِ بدعِهِم ، وهذه الشُبهُ أقسامٌ هي:
1-    شُبهٌ من الأدلّة الشرعية منها الحديث الموضوع أو الضعيف ومنها نصٌ صحيح ليس فيه دلالة.
2-    شُبـهٌ مـن كـلام العلمـاء.
3-    شُبهُ من جهةِ النظرِ والذوقِ والكلامِ والرأي ونحو ذلك.

ولا بد من مناقشة هذه الشُبهـات مناقشةً علميةً مبنيةً على الأدلّة الشرعية وكلامِ العلماء أنفسهم ، وهذه بعض الشُبهات:-
(1)  أمَّا الشُبهِ المتعلقة بالأدلّة الشرعيةِ:- فليس فيها ما يصحُّ أن يكون دليلاً على تحسين البدع ومنها : ما رواه الترمذيُّ غيُره مرفوعاً (...من ابتدع بدعة ضلالةٍ لا تُرضى اللهَ ورسوله ، كان عليه مثلُ آثامِ من عمل بها...) قالوا: هذا دليلٌ على أن البدع لا تذمُّ بإطلاقٍ ففيها الضلالةَ وفيها الحسنة!!! والرد على الشُبهةِ هذه كما يلي:
أ‌-  لا يفهم من الحديث ما فهمه البعض ، بل هو دليلٌ عليه لأنه ما من بدعةٍ إلا وهي ضلالة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل بدعةٍ ضلالة) ، فما من بدعةٍ إلا ويبغضُها اللهُ ورسولُه.
ب‌-  ثمَّ إنَّ هذا الحديث موضوع وعلَّتَـه كثير بن عبد الله المزيني ، قال عنه داود : كانّ أحدُ الكذابين ، قال ابنُ عبد البرِّ : مجمعٌ على ضعفه.

(2)      الشُبهـة الثانيـة:- حديث (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن...) والرد على هذه الشُبهة هو:-
أ‌-    قال ابنُ القيّم عن الحديث: (ليس من كلام رسول الله وإنما هو ثابتٌ عن ابنِ مسعودٍ..) كتاب الفروسية (82).
ب‌-  فإذا قلت للمبتدع هذا الحديث لا يصح ، قال: هذا كلام صحابي جليل من فقهاءِ الصحابةِ فقوله معتبر!!! والجواب هو أن ابنَ مسعود من أشدِّ الناس على البدع وأهلها، فهل يُعقل أن يقال أنه يقول بحسن بعض البدع، وهذا اتهامٌ لهذا الصحابيُّ في دينه !! ثم أخيراً أن كلام ابن مسعود معناه هو ما رآه الصحابةُ جميعاً حسناً فهو عند الله حسنٌ ، ولذلك استدلّ به أهلُ العلم في باب الإجماع ومنهم ابنُ قدامة في روضة الناظر والخطيب البغدادي وابنُ القيّم وغيرُهم.
قال ابنُ حزم رحمه الله (واحتجوا في الاستحسان بقول يجري على ألسنتهم وهو (ما رآهُ المسلمون حسناً فهو عند الله حسن) وهذا لا نعلمه بسندٍ إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم إنما نعرفه عن ابن مسعود ... فيه إثباتُ إجماع المسلمين فقط..) الإحكام 5/995.

(3) ومن الأدلة الشرعية التي يستدلُّ بها أهلُ البدع على استحسان بدعهم:- حديث (من سنَّ في الإسلام سنَّةً حسنةً فله أجرها وأجرُ من عمل بها...) رواه مسلم 3/2059.
قالوا هذا الحديث يدلُّ على أن من أوجد شيئاً من أمورِ الخيرِ فإنه يُحمدُ على ذلك ، والجواب على هذه الشُبهة هو:-
أ-  نقول أن نصوص الشرع لا تضادَّ بينها ، واستنان الخيرِ ليس على إطلاقِه بل هو مضبوطٌ بكونه مشروعاً وثابتاً بالسنّةِ. فمعنى الحديث أن من دلَّ الناس على عمل مشروع بالدليل فله كذا.
ب-  في الحديث (من سَنَّ سُنَّةً حسنةً) ولم يقل بدعةً حسنةً!!! فلا يصلح دليلاً لهم.
ج-  إنّ سبب الحديث هي قصَّة القوم الحفاة الذين حثَّ الرسولُ صلى الله عليه وسلم على الصدقة عليهم حتى جاء الأنصاريُّ بالصُرَّة ورآهُ القوم ففعلوا مثله فهو قد تصدّق والصدقة مشروعةٌ بالكتاب والسُنّة.

(4) ومن الأدلَّة التي اشتبهت على محسِّني البدع:- حديث (...البرُّ ما انشرحَ له صدرُك ، والإثمُ ما حاك في صدرك وإن أفتاك الناسُ) رواه أحمد وغيرُه وفي لفظ (استفتِ نفسك ، البرُّ ما أطمأنَّ إليه القلبُ واطمأنت إليه النفسُ...).
يقول المحسِّن للبدع: في هذه الأحاديث أن الاستحسان والاستقباح الذي يقع بالقلب ، أمرٌ صحيحٌ لقوله (استفت قلبك) فإذا اطمأنت إليه النفسُ فهو صحيحٌ لأنه برٌّ ، أما إذا تحرَّجت النفسُ فيه فهو قبيحٌ لأنه إثمٌ . والجواب هو:- إن الذي ينشرح له الصدرُ وهو مضادٌ للشريعة فهو إلهامٌ شيطانيٌ، وهذا هو حالُ كلِّ بدعةٍ. أما انشراح الصدر من باب الترجيح بين الأدلّـةِ المتكافئـةِ أو عند الاشتباه بين الحلال والحرام فهو إلهامٌ رحمانيٌّ ، والبدعةُ ليست من المشتبه وإنّما هي من الحرام الواضح البيّن لحديث (كلُّ بدعةٍ ضلالة) فلا يستفتى فيها القلبُ.
(5) ومن الأدلّة التي اشتبهت على محسِّني البدع:- ما ورد عن بعض الصحابة من وصفٍ لبعض الأعمال بأنها بدعةٌ من غير ذمٍّ لها مثل: قول عمرَ رضي الله عنه عن صلاة التراويح جماعةً: (نعمت البدعةُ هذه) البخاري 2/252 ومالك 1/124.
-   وقول ابن عمر لما سُئل عن الناس الذين يصلّون الضحى في المسجد ، قال (بدعة) كما رواه مسلم. وقوله أيضاً عنها (وما أحدث الناس شيئاً أحبَّ إليَّ منها) في مصنف عبد الرزاق وقال عنه ابنُ حجر صحيح الإسناد 3/52 . وقوله أيضاً لما سأله الحكمُ بن الأعرج عن صلاة الضحى فقال: بدعة) ، مصنف ابن أبي شيبة 2/406 . وقد احتجَّ المحسِّن للبدع بهذه الآثار أن بعض المحدثات كانت محبوبة ومستحسنة عند الصحابة. والجواب على ذلك كما يلي:
‌أ-  أما حديثُ عمر بن الخطاب في جمع الناس لصلاة التراويح على إمام واحدٍ، فهذا الفعلُ مأخوذٌ من فعله صلى الله عليه وسلم ورآه الناس ثلاث ليالٍ ثم تركها لخشيته أن تُفرض عليهم ، وتوفي والأمرُ على ذلك – رواه البخاري. قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله (أما قيامُ رمضان فإن رسول الله سَنَّه لأمته وصلى بهم جماعةً عدّة ليالٍ ، وكانوا على عهده يصلَّون جماعات وفرادي ، لكن لم يداوموا على جماعةٍ واحدةٍ ، فلما كان عمرُ ، جمعهم على إمامٍ واحدٍ...) الفتاوى 22/234 . ثم قال أيضاً (فأما صلاة التراويح فليست بدعةً في الشريعة ، ولا صلاتُها جماعة بدعةٌ ، بل هي سنّة في الشريعة..) اقتضاء الصراط المستقيم 4/588 وبمثل قول شيخ الإسلام هذا قال ابنُ رجب في جامع العلوم 252 ، والشاطبيُّ في الاعتصام 1/194.
‌ب-  إن قول عمر (نعمت البدعةُ هذه) ينصرف إلى البدعةِ اللغويةِ لا الشرعية وذلك لأمور:-
1- أن صلاة التراويح جماعة سنّةٌ ثابتةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يمكن أن يسمِّي عمرُ هذه السنّة بدعةٌ إلاّ من باب اللغة.
2- إن صرف قول عمرَ إلى البدعة اللغوية هو الأولى ، لأنه لا يعقل أن يرضى عمرُ بالبدعة في دين الله وقد سمع قول النبيُّ صلى الله عليه وسلم (كلَّ بدعةٍ ضلالةٍ) مع ما عُرف عنه من حرصٍ على إتّباع السنّةِ ومحاربةِ البدعة.
3- أنه يردُ في استعمال الصحابة بعض المصطلحات الشرعيةِ بمعانيها الأصلية في لغة العرب، كقول أُبي بن كعب للنبي صلى الله عليه وسلم (أجعلُ لك صلاتي كلَّها قال: إذاً تُكفى همَّك ويُغفر لك ذنبُك) ، فمراده بقوله صلاتي (دعائي) وكقول عائشة (كان رسول الله في نفر فجاء بعيرٌ فسجد له...) والمرادُ انه طأطأ رأسه وانحنى ، ومن هذا الباب قول عمر (نعمت البدعةُ هذه فإنّه أراد بها البدعة بالمعني اللغوي أي الأمرُ الجديد . قال ابن رجب الحنبليُّ (ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية فمن ذلك قولُ عمر (نعمت البدعةُ هذه) جامع العلوم والحكم لابن رجب.
وقال شيخُ الإسلام (...أكثرُ ما في هذا تسميةُ عمر تلك بدعةً مع حسنها ، وهذه تسميةٌ لغويةٌ لا تسمية شرعية ، وذلك أن البدعة في اللغة تعُمُّ كلَّ ما فُعل ابتداءً من غير مثالٍ سابق...) اقتضاء الصراط المستقيم 2/589 . قال ابنُ كثير (والبدعةُ على قسمين : تارة تكون بدعةً شرعيةً كقول (فإن كلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٍ) ، تارة تكون بدعةً لغويةً كقول عمر عن جمعِه إياهم على صلاة التراويح (نعمت البدعةُ هذه) تفسير ابن كثير 1/282 .
ج- أما حديثُ صلاة الضحى وقولُ ابن عمر (أنها بدعة) وقوله (ما أحدث الناسُ شيئاً أحبَّ إليَّ منها) فالجوابُ عنه ما يلي:-
1- ثبت بالأحاديث الصحيحة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الضُّحى ولم يداوم عليها وثبت أنه حثَّ عليها ، في الصحيحين قال أبو هريرة (أوصاني خليلي محمد بصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر ، وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام) خ 2/53 – م 1//498. وعند الحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله قال (لا يحافظُ على صلاةِ الضُّحى إلاّ أوابٌ) الحاكم وابن خزيمة – الصحيحة 4/648 .
2- أمّا إنكارُ ابنُ عمر على الذين يصلُّونها وتسميتُه الفعلَ بدعة يجابُ عنه بقول ابن حجر في الفتح 3/53: (ليس في أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى ، لأن نفيه محمولٌ على عدم رؤيتِه، لا على عدم الوقوع في نفس الأمر).
3- يُحتمل أن الذي أنكره ابنُ عمر ليس هو صلاة الضُّحى وإنما صفةٌ رآها لاحقةً لها كإظهارها في المساجد ، والملازمةِ لها ، وصلاتِها جماعةً ونحو ذلك ، ذكر ذلك ابنُ حجر في الفتح 3/53 والنووي في شرح مسلم 8/237 وابن القيّم في زاد المعاد 1/354.
4- ولعلَّ ابن عمر يرى أن صلاة الضُّحى تُفعل لسبب كالقدوم من سفر أو غزوة أو زيارة أو نحو ذلك ممّا ثبتت به الأحاديث الصحيحة، وأما فعلُها بدون سبب فلم يثبت عند ابن عمر ، وذلك اجتهادٌ منه ، وقد يصيب وقد يخطئ. وقد ثبت الدليلُ والإجماع على مشروعيتها.

(6) ومن الشُبهات التي يتعلّق بها المحسِّنين للبدع:- عبارات وشُبهات من كلام العلماء ، فيقول أن العالم الفلاني قال كذا وهو صاحب علمٍ وفضل وكلامُه أولى من كلامنا: والجوابُ هو:-

1- كلُّ يُؤخـذ من كلامه ويُرد إلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فكيف إذا كان القـولُ مخالفـاً للسنّة الصحيحة (كلَّ بدعة ضلالة).
2- قال الشافعيُّ رحمه الله (كلُّ كلامٍ كان عاماً ظاهراً في سُنَّة رسول الله فهو على ظهوره وعمومه حتى يُعلم حديثٌ ثابتٌ يدلُّ على أنه أُريد بعضُ الجملة دون بعض..) الرسالة 341 – ومن ذلك (كلَّ بدعة ضلالة) فأين الدليل على تخصيصه ؟؟!!.
ومن العلماء الذين يحتجُّ المحسِّنُ للبدعِ بما روي عنهم: قولُ الإمام الشافعيُّ (البدعة بدعتان: بدعةٌ محمودة ، وبدعةٌ مذمومة ، فما وافق السنّة فهو محمود ، وما خالف السنّة فهو مذموم ، واحتجَّ بقول عمر في قيام رمضان (نعمت البدعةُ هي) ...) حلية الأولياء لأبي نُعيم 9/113 – فتح الباري 13/253 . قال المحسِّن للبدع: هذا تقسيمُ إمامٍ ، وهو صريحٌ في أن من البدع ما هو حسنٌ!!!
والجواب عنه ما يلي:
3- احتجَّ الشافعيُّ على البدعة المحمودة بقول عمر (نعمت البدعةُ هذه) ، وهذا يدلُّ على أنه أراد المعنى اللغوي .
4- ورد عنه أيضاً أن البدعة المذمومة هي ما خالف السنّة وهذا منطبقٌ على سائر البدع في الدين، فخرجت البدع اللغوية.
5- قد يكون مرادُ الشافعي الحوادثُ التي استجدَّت وتدخل تحت أصلٍ من هذا الدين وهي ليست من العبادات المحضة ، كالمصالح المرسلة فهي لا تسمَّى بدعاً في الدين، وإن كانت تسمَّى بدعاً من جهة اللغة ، وهذا ما أراده الشافعيّ.
6- ثم نقول: إن الإمام الشافعي ذمَّ الاستحسان في الدين ، فكيف يُفهم من كلامه أنه يقول بالبدعة الحسنة. قال محمد بن داود (لم يُلحظ في دهر الشافعي كلّه أنه تكلّم في شيئٍ من الأهواء ولا نُسب إليه ، مع بغضه لأهل الكلام والبدع) سير النبلاء للذهبي10/26 . وقال أحمد بن حنبل (ما رأيتُ أحداً اتبعَ للأثر من الشافعي) سير النبلاء 10/26.
7- ثم لو افترض جدلاً أن الشافعيَّ أراد بقوله في تعريف البدعة ما ذهب إليه محسِّنوا البدع ، فإنه كلامُ بشر لا يعارض بالنصوص الشرعية ، وهو القائل (إذا وجدتُم في كتابي خلافَ سنَّةِ رسول الله فقولوا به ودعوا ما قلتُه) سير النبلاء 10/34 . وقال (كلُّ حديث عن النبي فهو قولي وأن لم تسمعوه منِّي) المرجع السابق ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كلَّ بدعة ضلالة)!

(7) ومن العلماء الذين يحتجُّ المحسِّنون للبدع بما رُوي عنهم :- سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام حيث قال: (البدعةُ هي فعلُ ما لم يُعهد في عصر رسول الله، وهي منقسمةٌ إلى بدعةٍ واجبةِ ، وبدعةٍ محرمةٍ، وبدعةٍ مندوبةٍ ، وبدعةٍ مكروهةٍ ، وبدعةٍ مباحةٍ والطريقُ في معرفةِ ذلك أن تعرض على قواعد الشريعة ..) قواعد الأحكام 2/172. واعتمد على هذا القولُ بعض من جاء بعد العزِّ بن عبد السلام مثلُ القرافيِّ والنوويِّ والسيوطيِّ والسخاويِّ وغيرهم. والجوابُ هو:-
1- هذا التعريف يشمل البدعة الشرعية وهي المحرَّمة والمكروهة ، ويشمل البدع اللغوية وهي المندوبة والواجبة والمباحة ، بدليل أول التعريف (فعلُ ما لم يعُهد في عصر رسول الله) وما لم يُعهد يشمل أمور الدين والدنيا والعبادات والعادات والمعاملات .
2- يظهر من خلال أمثلة العز بن عبد السلام أنه أدخل المصالح المرسلة في مسمَّى البدع ، فلكونها داخلةً تحت قواعد الشرع، حكم عليها بالوجوب أو الندب أو الإباحة.

(8) ومن الشُبه التي يحتجُّ بها مُحسِّنُ البدع :-
شُبهٌ من جهة النظر والذوق والكلام ونحو ذلك ومنها:-
قول المبتدع : إن هذا الأمر لا يزالُ معمولاً به في جميع الأقطار قديماً وحديثاً ولم ينكرهُ أحدٌ ، والجوابُ هو:-
1-  إن أراد بقوله هذا إجماعَ الأمّة ، فليس الإجماعُ هو إجماع العوام.
2-  إن أراد أن عوائد الناس ومألوفاتهم حجَّةٌ على دين الله فهو عينُ الضلال.
3- أما قوله (ولم يُنكره أحدٌ) فهذا قولٌ باطلٌ ، لأنه لم يزل في كل وقت مَنْ ينهى عن البدع بعمومها ، ويشهدُ لذلك قوله صلى الله عليه وسلم (يحملُ هذا الدين من كلّ خلفِ عدولُه ، يُنفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين) رواه البيهقيُّ والخطيبُ في شرف أصحاب الحديث وهو حديثٌ حسنٌ.

(9) ومن الشُبه استدلال المبتدع بالعموميات من الأوامر الشرعية:-
فيستدل على الأذكار المبتدعة بقول الله تعالى (اذكروا الله ذكراً كثيراً) الأحزاب 41 وهذا يوجد في كثير من البـدع . والجوابُ هـو:-
 إن عمومات الأدلّة الشرعية فحقٌ ، لكن العملَ المعيَّنَ إمّا أن يُستحب بخصوصه أو لما فيه من المعنى العام ، لا من أجل عموميات الأدّلة الشرعية وحدها ، فالعبادات من حيثُ الاستحباب والكراهة المتراوحة بين الإطلاق والتقييد تنقسم إلى ثلاثة أقسام:-
‌أ-  منها ما هو مستحبٌ بخصوصه كالنفل المقيَّد بوقت مثل ركعتي الفجر وقيام رمضان وغيرها، والمقيّد بسبب كصلاة الكسوف والاستسقاء وغيرها والمقيّد بعدد كالوتر وغيرها.
‌ب- ومنها ما هو مستحبٌ بعموم معناه كالنوافل المطلقة بدون تحديد وقت أو سبب أو عدد أو مكان .
‌ج- ومنها ما هو مكروهٌ محرَّمٌ تخصيصه كقيام ليلة الجمعة أو صيام يومها مفرداً ، والصلاةُ في وقت النهي.

(10)  ومن الشُبه أنّهم يعملون ذلك من أجل تعليم الناس وربطهم بالدين :-
ومن ذلك بدعة المولد والدعاء الجماعي بعد الصلوات المفروضة ، فيقال لهم : لا يتعلَّم الناسُ من البدع شيئاً.

ممّـا سبق تبيّن لنا أنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالة فلا توجدُ بدعة حسنة .



وآخـر دعوانـا ان الحمـد لله رب العالميــن .،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق