الحمد لله رب العالمين والصلاةُ
والسلامُ علي خاتم النبيين والمرسلين ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله وبعد،،
إن سعادة العبد الأبديّة في جنّة
عرضُها السموات والأرضِ ولن ينالَها إلا بالعبادة على بصيرة فلابد من أن يصحّحَ النيّة
ويصحّحَ العمل بالإتباع ويحاسبَ نفسَه دائماً فقد يُكثرُ من الأعمال الصالحة فتميلُ
نفسُه إلى ما يُحبط هذه الأعمال وهي لا تشعر .
وقد كانَ السلف الصالح يخافون
من أن تحبط أعماُلهُم وهم لا يشعرون قال تعالى )إنّ الذين هُمْ من خشيةِ ربِّهم مشفقُون ، والذين
هم بآياتِ ربِّهم يؤمنون ، والذين هم بربِّهم لا يشركون ، والذين يُؤتُونَ ما آتَوَا
وقلوبُهُم وجِلةٌ أنِّهمُ إلى ربِّهم راجعون( المؤمنون (57-60(
سألتْ عائشةُ رضي الله عنها رسولَ
الله صلي الله عليه وسلم عن هذه الآية) والذين يُؤتُونَ ما آتَوا وقلوبُهُم وجلةٌ( قالت عائشة : هم الذين يشربُونَ
الخمر ويُسرفون ؟ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (لا يا
بنتَ الصدّيقِ ولكنَّهم الذين يصومون ويُصَلُّونَ ويتصدقون وهم يخافون أن لا يُتَقَبّل
منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات) أحمد والترمذي والحاكم ( وحسّنُه
سليم الهلالي ) فهم يخافون أن لا يتقبل منهم فتسابقوا في الخيرات وتنافسوا في فعل
الصالحات .
يقول عبد الله بنُ أبي مليكةَ
التابعي (أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم كلُّهم يخافُ النفاقَ على
نفسه) علقه البخاري في صحيحة فتح (1/109) وهو موصولٌ عند أبي زرعه في تاريخ دمشق
.
قال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر
بعض الصحابة الذين أدركهم ابنُ أبي مُليكة (وذلك لأن المؤمنَ قد يعرض عليه في عمله
ما يشوبه مما يخالفُ الإخلاص)
أما مذهب السلف الصالح في مبطلات الأعمال فقد قرّروا أن الإحباط الحقيقي (أي إبطال
الشيء جملةً) هو إحباط الكفرِ والشركِ والردّة والنفاقِ للإيمان
.
وأن الإحباط النسبيَّ لا يذهبُ بأصل الإيمان مثل بطلان بعضِ العبادات بسبب بعضِ
المعاصي أو نقصان الأجر والثواب بسبب آخر .
وأهم مبطلات الأعمال هي :
1) الكفُر والشركُ والردَّةُ والنفاقُ
:
قال تعالى (ومن يرتددْ منكم عن دينه فيمُت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالُهُم
في الدنيا والآخرة ) البقرة (217)
وقال تعالى (ولقد أُوحيَ إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركتَ ليحبطنّ عملك )
الزمر (65)
وقال تعالى (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمُلهُ وهو في الآخرةِ من الخاسرين )
المائدة (5)
والأدلّة الصحيحة تقرر أن الكافر
إذا أسلم نفعه عملُه الصالحُ في الجاهلية ، أمّا إذا مات على كفره فإنه لا ينفعه بل
يُحبط بكفره ولكن يجازى على عمله الصالح شرعاً في الدنيا . ففي الحديث الذي رواه مسلم
وأحمد (..أما الكافر فيطعم بحسناتِ ما عمل بها لله في الدنيا
حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنةٌ يُجزى بها)
2)
ومن مبطلات الأعمال
(الريـــــاءُ)
والمرائي هو الذي يُريَ الناسَ
ما يطلب به الرضا عندهم قال تعالى (فويلٌ للمصلّينَ الذين
هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يُراؤون...)
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (إنّ أخوفَ ما أخافُ
عليكم الشرك الأصغر : الرياء ، يقول اللهُ يوم القيامة إذا جَزَى الناسَ بأعمالهم
: اذهبوا إلى الذين كنتُم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء) أحمد والبغوى . بإسناد صحيح على
شرط مسلم .
واعلموا أن المرائين أوَّل ما تسعر النارُ فيهم لأنّهم استمتعوا بنتائج أعمالهم
في الدنيا .
3)
المنُّ والأذى بعد الإنفاق على الناس :
قال تعالى
(يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى
....) البقرة (264)
وقال رسول
الله (ثلاثة لا يقبل اللهُ منهم صرفاً ولا عدلاً : عاقٌ ومنّانٌ
ومكذّبٌ بالقدر) ابن أبي عاصم في السنّة وحسنه الألباني في الصحيحة
(1785)
.
4)
تركُ صلاة العصر
تكاسلاً حتى يفوتَ وقتُها :
قال البخاريُّ:
باب من ترك العصر وذكر حديث أبي المليح قال : كنَّا مع بُريدة في غزوة في يوم ذي غيم
فقال : بكِّروا بصلاة العصر فإن النبيَّ قال "من ترك
صلاة العصر فقد حبط عملُه " البخاري رقم (553) فتح (2/31)
5)
التألِّي على الله
سبحانه (أي الحلف بالله على الله بأنه لا يغفر لفلان)
المعلوم أن رحمة الله واسعة ومن
رحمته أنه إذا شاء غفر الذنوب بلا توبة إحساناً منه تعالى عن جندب رضي الله عنه قال
: قال رسول الله (أنّ رجلاً قال : والله لا يغفر الله لفلان
، وأن الله قال ( من ذا الذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان ، قد غفرتُ لفلان وأحبطتُ
عملك ) رواه مسلم (16/174) نووي
6)
مشاقّةُ الرسول
قولاً وعملاً :
قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالَكمُ)
محمد (33)
وعن أنسٍ
أنه لما نزلت الآية (....لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي....)
جلس ثابتُ بن قيس في بيته وقال : حبط عملي وأنا من أهل النار واحتبس عن النبي
فسأل النبيُ سعد بن معاذ عنه فقال سعد : إنه لجَارى وما علمتُ له بشكوى قال : فأتاه
سعد فذكر له قول رسول الله فقال ثابت : نزلت الآية وقد علمتُم أنى من أرفعكم صوتاً
على رسول الله فأنا من أهل النَّار ، فذكر ذلك سعدٌ للنبي فقال رسول الله (بل هو من أهل الجنّة) متفق عليه فتح (6/260/نووي
2/133)
7)
الابتداعُ في الدين :
ففي الصحيحين حديث (مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدَّ) فتح (5/301) (مسلم
12/16 نووي) وعند مسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو
ردّ)
8)
انتهاك حرمات الله
في السرّ :
عن ثوبانَ عن النبي أنه قال "لأعلمن أقواماً من
أمّتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجعلها اللهُ عز وجلّ هباءً منثُورا" قال ثوبان : يا رسول الله صفهُم لنا جَلِّهم لنا
أن نكونَ منهم ونحنُ لا نعلم قال : "أما إنّهم إخوانكم
ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنّهم قومٌ إذا خلو بمحارم الله انتهكوها
" رواه ابن ماجه وصححه المنذري والألباني في الصحيحة (505)
ومن محبطات
الأعمال :
9)
الفرح والسرور بقتل
المؤمن :
قال عليه الصلاة والسلام (من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل اللهُ منه صرفاً ولا عدلاً)
أبو داود وغيرُه أي لم يقبل الله منه نافلةً ولا فرضا.
10)
إتيان الكهّانِ
والعرّافين :
قال رسول
الله (من أتي عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين
يوماً) مسلم (14/227 نووي)
وقال رسول
الله (من أتي عرّافاً أو كاهناً فصدَقه بما يقول فقد كفر بما
أنزل على محمد) الترمذي وأبوداود وأحمد
11)
الإدمان على الخمر :
قال رسول الله (من شرب الخمر لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً) الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم
وقال رسول الله (مدمنُ الخمرِ إن مات لقي اللهَ كعابدِ وثن) حسن شواهده قالهُ سليم الهلالي
أحمد وأبن حبان وأبو نعيم
12)
اقتناء الكلب في
البيت :
قال رسول الله (من أمسك كلباً ينقص من عمله كلَّ يومٍ قيراط الاّ كلب حرث أو كلب
ماشية) متفق عليه فتح (6/360)
13)
العبدُ الآبقُ حتى
يعودَ إلى مواليه :
14)
والمرأةُ الناشز
حتى ترجع إلى طاعة زوجها :
قال رسول الله (اثنان لا تجاوز صلاتُهما رؤوسَهُما : عبدٌ أبقَ من مواليه حتى يرجع
إليه وامرأةٌ عصت
زوجَها حتى ترجع) الحاكم والطبراني وله شواهد يرتقى بها إلى الصَّحة وصححه
الألباني في صحيح الجامع الصغير
15)
من أمَّ قوماً وهم
له كارهون :
قال رسول الله (ثلاثةٌ لا تجاوز صلاتُهم آذانهم : العبدُ الآبق حتى يرجع ، وامرأةٌ
باتت وزوجُها عليها ساخط وإمامَ قومٍ وهم له كارهون) الترمذي وله شواهد يرتقي بها إلى
الصحّة وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير
قال الترمذي
في سننه 2/192 :
وقد كره قوم من أهل العلم أن يؤُم الرجلُ قوماً وهم له كارهون فإذا كانَ الإمامُ
غيرُ ظالم فإنّما الإثمُ على من كرهه .
ونقل عن منصور: فسألنا عن أمر
الإمام ؟ فقيل لنا : إنما عنَى أئمةً ظلمةً فأمَّا من أقام السنّةَ فإنما الإثمُ على
من كرهه .
16)
هجر المسلم لأخيه
المسلم دون عذر شرعي :
عن أبى هريرة أن رسول الله قال
"تُفتحُ أبواب الجنّة يوم الاثنين ويوم الخميس فُيغفر
لكل عبدٍ لا يشرك بالله إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال : انظروا هذين حتى
يصطلحا ، انظروا هذين حتى يصطلحا...) مسلم وغيرُه (16/122 نووي )
انتهــى
...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق