الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

هل تُقضَى الصلواتُ الفائتةُ عمداً

ليس من خلُق المسلم أن يتعمَّدَ قطع الصلةِ بينه وبين خالقه عزّ وجلَّ ، وممّا لا شك فيه أن تاركَ الصلاةِ عمداً حتى يخرجُ  وقتُها قد قطع هذه الصلةَ . فعن جابر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الكفرِ تركُ الصلاة " مسلم وأحمد صحيح الترغيب (560) . وعن عبد الله بن شقيق قال (كانَ أصحابُ محمد صلي الله عليه وسلم لا يرونَ شيئاً من الأعمال تركُه كفرٌ غيرَ الصلاة) الترمذي – صحيح الترغيب (562) . وعن نوفل بن معاوية أن النبي صلي الله عليه وسلمقال (من فاتته صلاةٌ ، فكأنما وترَ أهلَه ومالَه) ابن حبان – صحيح الترغيب (574) . قال ابنُ حزم في المحلَّى (2/242) (وقد جاء عن عُمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرِهم من الصحابةِ أن من ترك صلاةَ فرضٍ واحدةٍ متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافرٌ...)

       فتاركُ الصلاةِ عمداً حتى يخرج وقتها قد ارتكب كبيرةً من الكبائر وليس له عند الله عهدٌ ، وكثيرٌ من العلماء قال أنه كافرٌ كفراً مخرجاً من الملّة وهذا مذهبُ أحمد وغيرهِ من العلماء  قال الإمام النوويُّ رحمه الله (فرعٌ في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاةَ تكاسلاً مع اعتقاده وجوبَها ، فمذهبنا المشهور أن يقتل حداً ولا يكفّرونه ، قال به مالكٌ والأكثرون من السلف والخلفِ ، وقالت طائفةٌ يكفُر ويجري عليه أحكامُ المرتدين في   كل شيء...) المجموع (3/18) .

فما هو حكمُ قضاءِ الصلواتِ الفائتةِ عن وقتها، إذا تركها عمداً؟

    اختلف العلماء في هذه المسألةِ على قولين :

قال ابنُ رجب في شرح البخاري – حديث (597) (وأما تركُ الصلاةِ متعمداً : فذهب أكثرُ العلماء إلي لزوم القضاء له ، ومذهبُ الظاهريّةِ أو أكثرهم أنه لا قضاء على المتعمّد … وذكرا آثاراً عن السلف أنه لا قضاء عليه....) .قال ابنُ تيمية في الاختيارات الفقهية (34) (أن تارك الصلاةِ عمداً لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه ، بل يُكثرُ من التطوّع وكذا الصوم ، وهو قولُ طائفةٍ من السلف كأبي عبد الرحمن صاحب الشافعي وداود بن علي وأتباعه ، وليس في الأدلّةِ ما يخالفُ هذا ، بل يوافقُه) وقال ابنُ تيمية في الفتاوى (22/40) (فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد ومالك وغيرهما ، قيل : يجبُ عليه القضاءُ وهو المشهورُ عن أصحاب الشافعي وكثيرٍ من أصحاب أحمد ، وقيل : لا يجبُ عليه القضاءُ وهذا هو الظاهرُ) .

فيظهرُ ممَّا سبق أن المسألة من المسائل الخلافية بين أهل العلم وليس فيها إجماع ، وسنذكر القولين في المسألة مع أدلّتهما ثم الترجيحَ بينهما .
القـول الأول : منَ ترك صلاةً واحدةً متعمداً حتى فاتَ وقتُها لا يقضيها ، وإذا قضاها لا تقبلُ منه ، وإنما عليه التوبةُ والإكثارُ من النوافل فقط : وهذا هو مذهبُ كثيرٍ من السلفِ واتباعِ المذاهبِ وأهلِ الحديث . وقد ذكر ابنُ رجب في شرح البخاري تحت حديث (597) منهم الحسنَ البصري وداودَ بن علي وأبا بكر الحميدّي وغيرَهم ، وذكر ابنُ تيمية أنه قولُ طائفةِ من السلف كأبي عبد الرحمن صاحب الشافعي ، ثم رجَّح هذا القول في الفتاوى (22/40) والاختيارات (34) . قال الحسن البصري (إذا ترك الرجلُ صلاةً واحدة متعمداً فإنَّه لا يقضيها) ذكره محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (2/987) .قال أبو بكر الحميديُّ في الصوم والصلاة إذا تركها عمداً أنه لايُجزئُه قضاؤهما – مسند الحميدي آخر صفحةٍ منه (2/547).

*قال ابنُ رجب في شرح البخاري (597) عن كلام الحميدي : ووقع مثلُه في كلام الجوزجاني والبربهاري وابن بطّة ثم قال : (قال ابنُ بطة: أعلم أن للصلاةِ أوقاتاً ، فمن قدّمها على وقتها فلا فرضَ له من عذرٍ وغيرِه ، ومن أخّرها عن وقتها مختاراً لذلك من غيرِ عذرٍ فلا فرض له ،  وقال البربهاريُّ : الصلواتُ لا يقبلُ اللهُ منها شيئاً إلا أن تكونَ لوقتها إلا أن تكون نسياناً)  وقد نصَّ الإمام أحمد في روايةِ ابنه عبد الله : على أن المصلِّى لغير الوقت كالتارك للصلاةِ في استتابتهِ وقتلِه ، فكيف يؤمرُ بفعلِ صلاةٍ حكمُها حكمُ ترك الصلاةِ)  ثم قال ابنُ رجب بعد ذلك (وقد وردت آثارٌ كثيرةٌ عن السلف في تارك الصلاةِ عمداً أنه لا يقبلُ منه صلاةٌ ، ثم ذكر قولَه صلي الله عليه وسلم(ثلاثةٌ لا تقبلُ لهم صلاةٌ) ذكر منها (الذي لا يأتيِ الصلاةَ الا دباراً) يعني بعد فوات الوقت ، رواه أبو داود وابن ماجه –   قلتُ : هو في صحيح سنن أبي داود رقم (554) ثم قال رحمه الله (ولاُ يعرفُ عن أحدٍ من الصحابةِ في وجوبِ القضاءِ على العامدِ شيءٌ ، بل ولم أجدْ صريحاً عن التابعين أيضاً فيه شيئاً إلا عن النخعي ..) شرح البخاري حديث (597) . قال ابنُ حزم (ت 456 هـ) في المحلَّى (2/235) : مسألة (279) : وأمّا من تعمّد تركُ الصلاةِ حتى خرج وقتُها فهذا لا يقدرُ على قضائها أبداً ، فليكثر من فعل الخيرِ وصلاةِ التطوّع ، وليتب وليستغفر الله عز وجل ، وذكر مذاهب العلماء والسلف والأدلّةَ النقليةَ والعقلية على ما ذهب إليه) – فليُراجع في عشر صفحات في المحلَّى . قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة تحت حديث (66) : (من لم يدرك من صلاتِه شيئاً قبل خروج الوقت فإنه لا صلاةَ له ، ولا هي مبرئةٌ للذمّةِ ، وليس ذلك إلاّ من باب الزجر والردع  له عن إضاعة الصلاةِ) . وللإمام ابن القيمِّ بحثٌ مفصّلٌ في هذه المسألةِ ردَّ على القائلين بالقضاء على المتعمّد – أعلامُ الموقعين – فصل إبطال القياس .
أدلّـةُ هـذا القـول :

1) روى البخاري (597) عن أنسٍ عن النبيِّ صلي الله عليه وسلم قال (من نسيَ صلاةً ، فليصلِّ إذا ذكرها ، لا كفارةَ لها الاّ ذلك) وأقمِ الصلاةَ لذكري (فتح الباري (2/71) . قال ابنُ حجر (كذا في جميع الروايات بحذف المفعول ، ورواه مسلم بلفظ (فليصلها) وهو أبينُ للمراد ، وزاد مسلمٌ أيضاً (أو نام عنها) ، وقد تمسَّك بدليل الخطاب منه القائلُ إنّ العامدَ لا يقضي الصلاةَ ، لأن انتفاءَ الشرطِ يستلزم انتفاءَ المشروط ، فيلزمُ منه أنّ من لم ينسَ لا يصُلى ، بل يقولُ : إنّه لو شرع له القضاءُ لكان هو والناسي سواء ، والناسي غيرُ مأثوم بخلاف العامدِ فكيف يستويان ؟) انتهى كلامه رحمه الله في فتح الباري (2/71) . قلتُ : وللحديث ألفاظٌ أخرى ذكرها الألبانيُّ في إرواء الغليل تحت حديث (263) منها: ما رواه ابنُ أبي شيبة بإسنادٍ صحيح بلفظ (من نام عن صلاةٍ أو نسيَ صلاةً فليُصلِّها إذا ذكرها وإذا استيقظ)، وفي لفظ (من نسي صلاة فوقتُها إذا ذكرها)

 قال صدِّيق حسن خان في الروضة الندّية (1/337) (والحقُّ أن ذلك هو وقتُ الأداءِ لا وقتُ القضاء للتصريح منه صلي الله عليه وسلم أن وقت الصلاةِ المنسيةِ أو التي نام عنها المصلَّى وقتُ الذكر). وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميه (22/59) (فإنَّه مأمورٌ أن يفعلها في ذلك الوقتِ بحيث لو أخرها عنه عمداً كانَ مضيِّعاً مفرطاً ، فإذا اشتغل عنها بشرطها كتحصيل ماءِ الطهارةِ أو ثوبِ استعارةِ بالذهاب إلي مكانه ونحو ذلك لجاز تأخيرها عن الوقت)

2) قولُه صلي الله عليه وسلم (من أدرك من العصر سجدةً قبل أن تغربَ الشمسُ أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أدركها) أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه – أرواء الغليل (252) . وفي لفظ آخر صحَّحه الألباني بطرقه في السلسلةِ الصحيحة رقم (66) : قال صلي الله عليه وسلم (إذا أدركَ أحدُكم أوّلَ سجدةٍ من صلاةِ العصر قبل أن تغربَ الشمسُ فليُتم صلاته، وإذا أدرك أول سجدةِ من صلاةِ الصبح قبل أن تطلع الشمسُ فليُتم صلاته). قال الشيخ الألباني (إنّ الحديثَ إنما هو فـي المتعمِّد تأخيرَ الصلاةِ إلي هذا الوقتِ الضيِّقِ، فهو على هذا أثمٌ بالتأخير وإن أدرك الصلاةَ لقوله صلي الله عليه وسلم (تلك صلاة المنافقِ ، يجلسُ يرقبُ الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطانِ ، قام فنقرها أربعاً ، لا يذكر  الله فيها إلا قليلاً) رواه مسلم (2/110) وهو في صحيح سنن أبي داود (441) . ثم قال : ومعنى قوله (فليتم صلاتَه) أي لأنه أدركها في وقتها وصلاّها صحيحة وبذلك برئت ذمَّتُه ، وأنه إذا لم يدرك الركعةَ فلا يُتمُّها لأنها ليست صحيحة بسبب خروج وقتها ، فليست مُبرئةً للذمَّةِ ، ولا يخفى أنّ مثله من لم يدرك من صلاتِه شيئاً قبل خروج الوقت فإنه لا صلاة له ، وليس ذلك إلاّ من باب الزجر والردع له عن إضاعةِ الصلاةِ ، فلم يجعل الشارعُ الحكيمُ لمثله كفارةً كي لا يعود إلى إضاعتِها مرَّةً أخرى) انتهى كلامه في الصحيحة رقم (66) .

3) حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كانَ يقولُ :" ثلاثةٌ لا يقبلُ اللهُ منهم صلاةً : من تقدّم قوماً وهم له كارهون ، ورجلٌ أتى الصلاةَ دباراً – والدبارُ : أن يأتيها بعد أن تفوته ، ورجلٌ أعتبدَ مُحرَّرَهُ) رواه أبو داود وابن ماجه وصححَّه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (554) ما عدا الشطر الثاني منه . والحديث واضحُ الدلالةِ على عدم قبول من صلَّى الفائتةَ متعمداً .

4) عن أبي هريرةَ عن النبيِّ صلي الله عليه وسلم أنه قال:" أولُ ما يحاسبُ به العبدُ يوم القيامةِ من عمله : الصلاةَ ، فإذا صلحت فقد أفلح وانجح ، وإن فسدت فقد خابَ وخسر، وإن انتقص من فريضةٍ شيئاً قال الربُّ تبارك وتعالى " انظروا هل لعبدي من تطوّع؟ " فيُكمَّلُ بها ما اتنقص من الفريضةِ ، ثم يكونُ سائرُ عمله على ذلك " أحمد والأربعة . قال ابنُ رجب في شرح البخاري (5/141) (وردت أحاديثُ كثيرةٌ تدلُّ على أن نقصَ الفرائضِ يُجبَرُ من النوافل يوم القيامة – وذكر حديثَ أبي هريرة – ثم قال – واختلف الناسُ في معنى تكميل الفرائض من النوافل ، فحمله آخرون على العامدَ وغيرِه وهو الأظهرُ إن شاء الله) حديث (597) . قلتُ : ذكر ذلك استدلالاً على أن الذي ضيَّع الصلاةَ عن وقتها متعمداً ليس عليه القضاء وإنما التوبةُ ورجاءُ أن تُجبَرَ من النوافل يوم القيامة .

5) قال الله تعالى )فإن تابوا وأقاموا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ فخلُّوا سبيلَهمِ( التوبة (5) قال صديق حسن خان في الروضة النديَّة (1/336) ( فتاركُ الصلاةِ إن تاب وأنابَ وجب علينا أن نخليَ سبيلَه ، وإن لم يتب قتلناه – حكمُ الله ومن أحسنُ من الله حكماً ) انتهى . فالتوبةُ تكفي لمن ترك الصلاة ، ولم يأمرْه اللهُ بالقضاء لأنه تركها عمداً .

القولُ الثاني : من ترك الصلاةَ متعمداً حتى فات وقتُها فيجبُ عليه القضاءُ مع التوبةِ . ذكره ابنُ رجب في شرح البخاري (597) أنه قولُ أكثر العلماء ومنهم من يحكيه إجماعاً .واستدلوا بما يلي :
1- القيـاسُ : قالوا : أمر المعذورُ بالنوم والنسيان بالقضاء ، فغيرُ المعذور أولى إشارة لحديث (من نسي صلاةً أو نام عنها فليصلِّها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك) متفق عليه واللفظ لمسلم .
والجوابُ على الاستدلال  :
* قال ابنُ رجب في شرح البخاري حديث (597 ) (وفي هذا الاستدلال نظرٌ ، فإنّ المعذورَ إنمّا أمره بالقضاء لأنه جعل قضاءه كفارةً لها ، والعامدُ ليس القضاءُ كفارةً له فإنه عاصٍ تلزمُه التوبةُ من ذنبه بالاتفاق ، ولهذا قال الأكثرون : لا كفارةَ على قاتل العمد ولا على مَنْ حلف يميناً متعمداً فيها الكذب لأنّ الكفارةَ لا تمحُو ذنبَ هذا ، وأيضاً إنّ القضاءَ إنما يجبُ بأمرٍ جديدٍ ، فلا دليل على إلزام العامدِ بالقضاء  فإنه ليس لنا أمرٌ جديدٌ يقتضي أمرَهُ بالقضاء كالنائُم والناسي...) .
* قال صدّيق حسن خان في الروضة الندية (1/336) ( والحق أنه لابد من دليل جديد ، لأن إيجاب القضاءَ هو تكليفٌ مستقلٌ غير تكليف الأداء ، ومحلُّ الخلافِ هو الصلاةُ المتروكةُ لغير عذرٍ عمداً...)

*قال الشيخ الألبانيُّ في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (66) : ( إنّ قول بعضِ المتأخرين ( إذا كانَ النائمُ والناسي للصلاةِ يقضيانها بعد خروج وقتها ، كانَ المتعمدُ لتركها أولى ) أنه قياسٌ خاطئٌ لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه وهو فاسدٌ بداهةً ، إذ كيف يصحُّ قياسُ غيرِ المعذور على المعذور، والمتعمِّدِ على الساهي ، ومن لم يجعل اللهُ له كفارةً على من جعل اللهُ له كفارةً ‍؟ ، ثم قال ( وللعلامةِ ابن القيمِّ رحمه الله بحثٌ هامٌ مفصَّلٌ في هذه المسألةِ أنقُل منه فصلين : قال رحمه الله – أي ابنَ القيمِّ – بعد أن ذكر القولَ المتقدّم :  فجوابُه من وجوهٍ :
أحدهما : المعارضةُ بما هو أصحُّ منه أو مثلُه وهو أن يقال : لا يلزمُ من صحَّةِ القضاءِ بعد الوقتِ من المعذور صحَّته وقبولَه من متعدٍّ لحدود الله مضيِّعٍ لأمره ، فقياسُ هذا على هذا في صحّةِ العبادةِ وقبولها منه من أفسد القياس .
 ثانيها : أن المعذور بنومِ أو نسيانٍ لم يصلِّ الصلاة في غير وقتها، بل في نفس وقتها الذي وقّته اللهُ له فإن الوقت في حق هذا حين يستيقظ ويذكر، فكيف يقاسُ عليه من صلاها في غير وقتهاعمداً ؟
 ثالثُها : إنّ الشريعةَ قد فرَّقت في مواردها ومصادرها بين العامد والناسي وبينِ المعذور وغيرِه فإلحاقُ أحدِ النوعين بالأخرِ غيرُ جائز .
رابعها : أنّا لم نسقطها عن العامد المفرّط إلا على وجهٍ لا سبيل له إلي استدراكها تغليظاً عليه ) انتهى كلام الألباني في الصحيحة (66) .

2- واستدلوا بحديث ابن عباس أن امرأةً جاءت إلي النبيِّ فقالت : إنّ أميِّ نذرت أن تحجَّ فلم تحجَّ حتى ماتت ، أفأحُجُّ عنها ؟ قال : نعم حُجِّي عنها ، آرآيتِ لو كان على أُمُّكِ دَينٌ أكنتِ قاضيَتَة ؟ اقضُوا اللهَ ، فاللهُ أحقَّ بالوفاء) رواه البخاري (1852) فتح (4/64) . قالوا : قالوا هذا دليلٌ على وجوب القضاء على تارك الصلاةِ عمداً قياساً على قضاء الحجج .
والجوابُ :  قال الشيخ عبد الرحمن عبد الصمد صـ36 (وهذا أيضاً لا حجةَ لهم فيه البتةَ فهذا الحديثُ ورد في سياق الحج ولا علاقة له بالصلاةِ ، والحجَّ عن أهل الأعذارِ كمن نذر عن الحج أوعزم عليه وأدركه الموتُ أو أصابه مرضٌ فأقعده ، فهؤلاءِ باتفاق الأمَّةِ أنه يُحجُّ عنهم لما ورد في الأحاديثِ الصحيحةِ بذلك ، وأن الحج والصيام وردت بهما النصوصُ بأنهما يُقضيان عن الغيرِ بأمرٍ من النبيِّ صلي الله عليه وسلم ، بسبب الموت أو المرض أو الهرم ونحوه أمَّا الصلاةُ فهي مفروضةٌ على الأعيانِ لا تسقط عنهم بحالٍ من الأحوال ، ولم ينقل عن أحد من الصحابةِ والأئمةِ أنّ أحداً صلَّى عن أحدٍ ... فلا يجوزُ والحالةُ هذه أن يقاسَ قضاء الصلوات المتروكة عمداً على قضاءِ الصوم والحج عن أهل الأعذارِ ... ) إلى صـ38 بتصرّف يسير .

3- واستدلوا بالحديث الذي رواه أبو داود (أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر المجامع في نهار رمضان عمداً بالقضاء) قالوا : على المصلِّى الذي فوّت الصلاة عامداً يقضيهَا كالمجامع في رمضان عمداً .
والجوابُ : قال ابنُ رجب في شرح البخاري رقم (597) ( يفرّقُ بين ترك الصلاةِ والصيام ، ومن دخل فيهما ثم أفسدَهما ، فالثاني عليه القضاءُ كمن فسد حجُّه ، والأول كمن وجب عليه الحجُّ ولم يحُجَّ وإنما أمرهْ أن يُحجَّ بعد ذلك لأن الحجَّ فريضةُ العمر )  قلتُ : قد أمر رسوُل الله المجامعَ في رمضان عمداً بالقضاء ، فهل أمر العامدَ تأخيرَ الصلاةِ بالقضاءِ ؟
4- ومن  أدلَّتهم على وجوب القضاء : حديث قصةِ الخندقِ عندما شُغلَ رسول الله عن صلاةِ العصرِ ، فصلاّها بعد غروب الشمس – رواه مسلمٌ وغيرُه . قالوا : قضى الصلاةَ بعد فواتِ وقتها .
والجوابُ : قال الشيخ عبد الرحمن عبد الصمد صـ34 (لا مُتمسَّك لهم بالاستدلال بها على وجوب القضاء لعدّةِ أمورٍ :
 الأول : أنه لم يشرع للمسلمين قضاءُ الصلواتِ الفائتةِ إلا في ثلاثة أحوالٍ : للنائمِ ، والناسي ونحوهما كالمغمى عليه والسكران ، والمشغولِ عنها بعمل لا يمكنُه من أدائها في وقتها كما حصل مع النبيِّ والصحابةِ في حفر الخندق وذلك قبل نزول صلاة الخوف ، فبناءً على ذلك فإن قضاءَ الصلاةِ لمن يُشغلُ عنها قد نسخ فلا مسوِّغَ للاحتجاج بها .
الثاني: أن النبيِّ لم يتركها عمداً ، إنما تركها عن شُغل وهو القائلُ   (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاةِ العصر) فلا يقاسُ من تركها متعمداً فارغاً صحيحاً على من تركها لشُغل في سبيل الله .
 الثالثُ : أن التارك لها عمداً قد أثمَ وحبط عملُه وبرئت منه الذمَّةُ ، وأمّا رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما تركها لشغل شغله في سبيل الله لم يأثم ولم يحبط عملُه ، فلا يقاسُ ذلك على هذا وبذلك يسقط الاستدلالُ بالقصةِ على وجوب القضاء على التارك المتعّمد .
فتبّين ممَّا سبق : أن القولُ الراجح في هذه المسألة هو القولُ الأولُ وهو أن من ترك صلاةً متعمداً حتى فات وقتهُا لا يقضيها ، وإنما عليه التوبةُ والإكثارُ من النوافل فقط  . والله أعلم

جميع ما سبق ينطبقُ على الفرائض والنوافل معاً .
مسألةٌ : إذا فاتت النوافل عن وقتها بغير عذر لا تقضى كالفرائض على الراجح ، لعموم قوله صلي الله عليه وسلم (من نام عن صلاةٍ أو نسيها...)
مسألةٌ : إذا فاتت النوافل والرواتب عن وقتها بعذر فمتى تُقضَى ؟  فيها قولان :
 الأول : إنها تقضى إذا استيقظ من نومه أو ذكرها أو انتهى من شغله كالفرائض ، ولو كانت في الأوقات المنهية لأن لها سبباً : قال ابنُ رجب في شرح البخاري (5/97) : والمشهور عند أكثر أصحابنا أنَّ الحكمَ يتعدّى إلى قضاء جميع السنن الرواتب في جميع أوقات النهي ) وهذا هو الراجحُ والله أعلم والرسولُ أقرَّ الذي صلَّى السنّة بعد صلاة الصبح وكذلك قضى سنّةَ الصبح مع الفريضةَ بعد طلوع الشمس ، وكذلك حديث ( من نسي وتره فليصله إذا ذكره ) صحيح سنن الترمذي.

 الثاني : أنها تقضى بعد العصر فقط : قال البخاريُّ في صحيحه باب (33) من كتاب مواقيت الصلاة : بابُ ما يُصلَّى بعد العصر من الفوائتِ ونحوها ثم ذكر عن أم سلمة ( صلَّى النبيَّ بعد العصر ركعتين وقال :  شغلتني ناسٌ من عبدِ القيس عن الركعتين بعد الظهر ) متفقٌ عليه خ (1233) م (834) وأحمد (6/310)  قال ابنُ رجب في الشرح (5/94) : ومقصودُ البخاريّ بهذا الباب أنه يجوزُ قضاءُ الفوائت من النوافل الراتبةِ فيما بعد العصرِ كما يقوله الشافعيُّ .. ) وذكر أقوالاً أخرى فلتراجع .

مسألةٌ : قولُه صلي الله عليه وسلم ( لا صلاةَ بعد الصبح حتى تطلع الشمسُ ولا صلاةَ بعد العصر حتى تغيبَ الشمسُ ) متفقٌ عليه ، ليس إطلاقه . ففي صحيح مسلم (833) عن عائشةَ قالت : قال رسول الله ( لا تتحرَّوا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غروبَها فتصلّوا عند ذلك ) فهذا هو وقتُ النهي وليس بعد صلاة الصبح والعصر مباشرة . وعند أبي داود والنسائي ( لا تصلُّوا بعد الصبح ولا بعد العصرِ إلا أن تكون الشمسُ نقيةً )  قال ابنُ حجر (2/62) ( فدلَّ على أن المراد بالبعديةِ ليس على عمومة وإنما المراد وقتُ الطلوع ووقت الغروب  )  وقال ابنُ رجب (5/73) ففي حديث عائشة إشارةٌ منها أن النبيَّ صلي الله عليه وسلملم يكن يصلِّى في وقت نهي عن الصلاةِ فيه  )

مسألةٌ : الفوائتُ تُقضَى كما فاتت لعموم الأحاديث :  فصلاةُ الوتر تقضَى كما فاتت ، وصلاةُ السفر تقضى كما فاتت ، وصلاةُ الليل تُقضى كما فاتت جهريةً ، وكذلك صلاةُ النهارِ ، وهكذا

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالميــن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق