الأربعاء، 6 مايو 2015

الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ على الأمة


واعلم أن التعرف على الحديث الضعيف أمر واجب وحتم لازم على كل مسلم يتعرض لتحديث الناس وتعليمهم ووعظهم ، وقد أخلّ به جماهير المؤلفين والوعاظ والخطباء ، فإنهم كثيرا ما يروون من الأحاديث ما لا أصل لها غير مبالين بنهيه صلى الله عليه وسلم عن التحديث عنه إلا بما صح ، كقوله "" إياكم وكثرة الحديث عني ، من قال عليّ فلا يقولن إلا حقاً أو صدقاً ، فمن قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار "" ابن أبي شيبة ـ الصحيحة(1753)

أسباب وضع الحديث :
1- أعداء الإسلام من الزنادقة وغيرهم الذين أرادوا أن يُفسدوا على الناس دينهم ، مثل كريم بن أبي العوجاء ، الذي قال عندما أرادوا قطع رأسه ( والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل الحرام ) قال حماد بن زيد رحمه الله (وضعت الزنادقة على رسول الله أربعة عشر ألف حديث )
2- أصحاب الأهواء والآراء التي لا دليل عليها من الكتاب والسنة ، وضعوا أحاديث نُصرةً لأهوائهم ومذاهبهم :قال عبد الله بن يزيد المقرئ : ان رجلاً من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول (انظروا هذا الحديث عمّن تأخذونه فإنّا كنّا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً ) وقال حمّاد ين سلمة رحمه الله ( أخبرني شيخٌ من الرافضة أنهم كانوا يجتمعون على وضع الأحاديث )
3- القُصّاص يضعون الأحاديث في قصصهم قصداً للتكسب والارتزاق : هم جُهّال تشبهوا بأهل العلم واندسوا بينهم فأفسدوا كثيراً من عقول العامة . قال ابن حبان أنه دخل مسجداً فقام بعد الصلاة شاب فقال ( حدثنا أبو خليفة ، حدثنا أبو الوليد عن شعبة عن قتادة عن أنس ، وذكر حديثاً ، فقال ابن حبان : فلما فرغ من دعوته قلت :رأيت أبا خليفة؟ قال : لا ، قلت كيف تروي عنه ولم تره؟ فقال إن المناقشة معنا من قلة المروءة ، أنا احفظ هذا الإسناد فكلما سمعت حديثاً ضممته إلى هذا الإسناد ( ذكره أحمد شاكر في الباعث والحثيث النوع 21)
4- ومنهم بعض علماء السوء الذين تقرُّبوا إلى الملوك والخلفاء بالفتاوى الكاذبة إرضاء للأهواء الشخصية ونصر للأغراض السياسية ، كما فعل غيُّاثُ بن إبراهيم الكوفيُّ الكذاب الذي دخل على المهدي أمير المؤمنين وكان يحب الحمام ويلعب به ، فقال له : حدثنا فلانٌ عن فلان أن النبي قال : لا سَبَق إلا في نصلٍ أو خفٍ أو حافر أو جناح )فأضاف كلمة (جناح )في الحديث الصحيح للتقرب إلى الخليفة  .
5- قوم ينسبون أنفسهم إلى الزهد والتصوُّفِ لم يتحرَّجوا من وضع الأحاديث في الترغيب والترهيبِ إحتساباً للأجر عند الله ، مثل نوح الجامع الذي وضع لكلِّ سورةٍ حديثاً في فضلها .
6- ومن أسباب وضع الحديث: كراهية صنفٍ من الناَّس لسببٍ من الأسباب فيضع فيهم حديثاً : روى الحاكم عن سيف بن عمر التميمي قال : كنت عند سعد بن طريف ، فجاء ابنه من الكتاب يبكي فقال : مالك ْ ؟ قال : ضربني المعلمُ ،قال : لأخزينَّهم اليوم ، حدّثني عكرمة عن إبن عباس مرفوعاً ( معلموا صبيانكم شرارُكم، أقلُّهم رحمة لليتيم ، وأغلظُهُم على المسكين )
7- وجود مصلحة شخصية للكذاب :
* أحد العميان وضع حديثا ( من قاد أعمى أربعين خطوة دخل  الجنة ) 
* ورجل آخر وضع حديثا ( إذا غسلت المرأة ثياب زوجها كتب الله لها ألفي حسنة )
* بائع فواكه وضع حديثا ( تفكهوا قبل الطعام )
* وآخر وضع حديثا ( الباذنجان شفاء من كل داء )
* وآخر يبيع القطط فوضع حديثا ( حب الهرة من الإيمان )
* وخباز وضع حديثا (  أكرموا الخبز فإن الله أكرمه ) ضعيف الجامع ( 1125 )
ج- أمثلة على الأحاديث الموضوعة :
1- أحاديث مدح وذم العزوبة : مثل :
- حديث ( ركعتان من المتزوج أفضل من سبعين ركعة من الأعزب ) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني رقم( 4 ) ص134
- وحديث ( شراركم عزابكم ) المرجع السابق
2- أحاديث لترويج البضاعة : منها :
- حديث : ( إن البطيخ ماؤه رحمه وحلاوته مثل حلاوة الجنة ) قال ابن الجوزي ( لا يصح من فضائل البطيخ شيء إلا أن رسول الله أكله ) ذكره في الفوائد المجموعة ( ص179)
- حديث ( عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكثر الدماغ )
- حديث ( سيد طعام أهل الجنة اللحم )
3- أحاديث في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم : منها :
- حديث ( هبط جبريل عليّ فقال : إن الله يقرئك السلام ويقول : إني حرمت النار على صلبٍ أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك ، أما الصلب فعبد الله وأما البطن فآمنة وأما الحجر فعبد المطلب ) الفوائد المجموعة ( ص 341 )
- حديث ( ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحييها فأحياها فآمنت بي وردها الله تعالى ) المصدر السابق ( ص 341 )
- حديث ( لولاك لما خلقت الأفلاك ) المصدر السابق ( ص 346)            
4- أحاديث في الشهور والأيام : منها:
- شهر رجب : صيام أيامه وقيام لياليه وإخراج الزكاة فيه والاعتمار فيه ، مثل حديث ( من صام ثلاثة أيام من رجب كتب له  صيام شهر ) الفوائد المجموعة ( ص 1126 )
- حديث ( ما من عبد يبكي يوم قتل الحسين ، يعني يوم عاشوراء ، إلا كان يوم القيامة مع أولي العزم من الرسل ) الفوائد المجموعة ( ص457 )
د-  الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة و الموضوعة :
1- ترك العمل بالآثار الصحيحة والثابتة والانشغال بالموضوعات والضعيفة التي لا تفيد : وأخطر من ذلك العمل بالأحاديث الموضوعة المخالفة للأحاديث الثابتة مثل حديث( لا سلام على طعام )
2- الوقوع في الشرك المخرج من الملة:مثل حديث (لو إعتقد أحدكم بحجر لنفعه)وفيه عبادة الأحجار  
3- صرفُ الناس عن التوسل المشروع : مثل حديث (توسْلوا بجاهي فإنّ جاهي عند الله عظيم)
4- صرفُ الناس عن الصلاةِ والعباداتِ : مثل حديث(من لم تنهه صلاتُهُ عن الفحشاء والمنكر فلا صلاةَ له)
5- إنكار شيء من أصول الإعتقاد مثل حديث (لا مهدي إلا عيسى) وأحاديث المهدي متواترة . وحديث(من مات مخضوباً لم يدخل القبر إلا ومنكر ونكيرُ لا يسألانه)الفوائد المجموعة (ص213)
6- إنتشار البدع بين المسلمين : ومن الأمثلة :
- حديث(من شمَّ البخور فليصلِّ عليّ َ) بدعـة
 حديث(إذا نزل أحدكم منزلاً فقال فيه،فلا يرحل حتى يصلّي ركعتين)ضعيف الجامع(705)
- حديث(من زار قبر والديه كلَّ جمعةٍ فقرأ عندها يس غفر له بعدد كلِّ آيةٍ وحرف)
- حديث ( إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني ، وليصلِّ عليَّ ، وليقل ، ذكر الله من ذكرني بخير)ضعف الجامع(586)
- حديث(الوضوء قبل الطعام ينفي الفقرَ)الفوائد المجموعة(ص175)
- حديث(من حجَّ البيتَ ولم يزرني فقد جفاني)
7- إدخال أمرٍ من الإيمان ليست منه:مثل حديث(حبُّ الوطن من الإيمان) لأنه قد يكون الوطنُ كافراً.
8- إختراع أصولٍ في الجزاءِ  والحسابِ ما أنزل الله بها من السلطان : مثل حديث(إنَّ الله تعالى لا يعذبُ حسان الوجوه) وحديث (لا يدخل النارَ من إسمهُ محمد أو أحمد)
9- تأصيل أصولٍ مخالفةٍ للشريعةِ : مثل حديث ( إختلاف أمتي رحمة) موضوع-ضعيف الجامع(230) وهو مخالفٌ للنصوص التي تذم الإختلاف .
قال إبن حزم ( وهذا من أفسدِ قولٍ يكون ، لأنه لو كان الإختلافُ رحمة كان الإتفاقُ سخطاً) الأحكام (5/64)
10 تحريم أشياء حللها الله : مثل أحاديث تحريم لحم البعير، ومثل حديث ( تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمن ) الفوائد المجموعة (صـ155)
11- وهكذا من آثار الأحاديث الموضوعة :
   - نشر اعتقادات فاسدة والتشجيع على أمور من المفاسد في الأخلاق .
    - تشويه صورة الصحابة والأئمة مثل حديث ثعلبة بن  حاطب ( حمامة المسجد)
&وأخيــراً :
هـ موقف المسلم من الأحاديث الموضوعة والضعيفة :
- لا يجوز العمل بها ولا تصديقها ولا تعليمها للناس إلا بغرض التحذير منها .
- التثبت من الأحاديث التي يسمعها في خطبة الجمعة والدروس إلا من عالم يتحرى الصحة في نقله .
- تجنب الكتب غير المحققة وغير مخرجة الأحاديث من الثقات .
- سؤال أهل العلم عن صحة الأحاديث أو ضعفها .
- الإكثار من قراءة الصحيحين والسلسلة الصحيحة وصحيح الجامع الصغير وغيرها .
                                    
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


هناك تعليق واحد: