الخميس، 28 يوليو 2016

الفقه في الدين

الحمّد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد،،،

¨الفقه في الدين هو جماع الخير

فقد صح عن النبي  صلي الله عليه وسلم أنه قال "من يردُ اللهُ به خيراً يفقّهه في الدين" متفق عليه

¨ وأسباب اختيار هذا الموضوع هي:

        (1) خطا كثير من الناس في فهم الفقه في الدين وفي وسائله وأهميته وضرورته.

        (2) قلّةُ الفقه في الدين رغم انتشار الكتاب والشريط وغيرها.

        (3) عزوفُ كثيرِ من الشباب عن العلوم الشرعية أو أخذُهم العلوم الشرعية علي غيروجهها الصحيح ممّا أضعف فقهَهُم وفهَمهُم للدين رغم كثرة ثقافتهم.

وسنختصر هذا الموضوع الواسع في نقاط هي :

1- مفهوم الفقه في الدين.

2- حكم تحصيل الفقه في الدين.

3- ركائز الفقه في الدين.

4- كيف يتفقه المسلم في دينة.

5- صفات المتفقه في دينة.

6- بعض أخطاء المتفقهين في الدين.

1) مفهومُ الفقه في الدين (هو تحصيلُ العلم الشرعِّي وفهمُه والعملُ به علي هدىً وبصيرة)

إذا لابد في الفقه في الدين من السعي لتحصيله وليس كما قالت الرافضة أنهم يرثون الدين والفقه وأنهم ورثوا النبوّة عن النبي صلي الله عليه وسلم والعلم ويشبهُ الرافضةَّ المتصوفةُ فإنُهم يزعمون لشيوخهم وأوليائهم ما يسمَّي بالعلم اللدنّي ولذلك يقول أحدُهم  (حدّثني قلبي عن ربّي) ولهذا انقطعوا عن الفقه في الدين.

¨فالفقهُ لا يتم الا بتحصيل العلوم الشرعية ولا يستقيم الا بالعلم والعمل معاً.

        والفقه لا يكون إلاّ بالاهتداء وبالاقتداء بهدي النبي صلي الله عليه وسلم ثم بسلف هذه الأمة فمن أخذ أو حصّل  شيئاً من العلوم الشرعية لكنه لم يقتد بالنبي في هدية فليس بفقيه.

 2)  حكُم تحصيل الفقه في الدين :

1- منه ما هو واجب عيني على كل فرد وهو أصول العقائد والأحكام الضروريّة ما يتعلق بتوحيد الله والإيمان به وفروض العبادة وما يتعلق بأركان الإيمان وأركان الإسلام.

  2- منه ما هو واجب كفائي يأثم الجميع بتركه مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من العلوم التي يحتاجها المسلمون.

  3- منه ما هو مستحبُ مثل معرفة المستحبات وتعليمها للناس.

* فضل العلم والفقه في الدين :

1- قال تعالي (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)

2- حديث (إذا مات ابنُ أدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوله) مسلم

3- حديث (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سّهل اللهُ به طريقاً إلي الجنّة) مسلم .

4-حديث (فضل العلم خيٌر من فضل العبادة وخيرُ دينكم الورع) صحيح الترغيب(65) رواه الطبراني والبزّار

5- حديث (من عّلم علماً فله أجرُ مَنْ عمل به لا ينقصُ من أجر العامل شيء) حسن – صحيح الترغيب  (76)

6-حديث (مُعلم الخير يستغفر له كلُّ شيء حتى الحيتانُ في البحر) صحيح – الترغيب (78)

7- حديث (من غدا إلي المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يُعلِّمه كانَ له كأجر حاج تاماً حجّتُهُ) الطبراني – صحيح – صحيح الترغيب (81)

¨الفقه في الدين طريقُ السلامة من الوقوع في البدع والخرافات¨

3 ) ركائزُ الفقهِ في الدين : أي الأمورُ التي يقومُ عليها الفقهُ في الدين :

1) أن الفقه في الدين ينبني علي التسليم للّه تعالي والخضوع الكامل بالقلب والمشاعر والجوارح :

        ومن يحفظ ويعلّم ولكن لم يسلم لله لا ينفعه ذلك كالمنافق والمستشرق ، وكذلك أصحابُ البدع فإنهم لا يفقهون من الدين شيئاً لأنهم لم يستسلموا لله تعالي ورسوله

¨قال حسان بن عطية (ما ابتدع قومٌ بدعة إلاّ تركوا من السنّة مثلها) الدارميُّ – المشكاةُ رقم (188) صـ66

2) الركيزةُ الثانية : سلامهُ مصدر التلقي :

        فالفقهُ لا يتم إلاّ بما يتلقاهُ المسلمُ عن الله تعالي وعن رسوله صلي الله عليه وسلم ثم نهج السلفُ الصالحُ وهذه مصادرُ التلقي لمن أراد أن يتفقه في الدين.

¨ أما الذي يتلقى الفقه من القوانين الوضعية أومن عقله مستقلاً عن الشرع أو بذوقه وهواه فإن هذا لن يتفقه في دينة أبداً.

3) الركيزة الثالثة : الإقتداءُ والاهتداء  بالنبي صلي الله عليه وسلم وكذلك الصحابة :

        لأنهم نقلوا لنا الدين علماً وعملاً وهدياً ثم من تبعهم بإحسان ، فمن أراد أن يتفقه في الدين بدون الإقتداء بالنبي وأصحابه فليس بفقيه . فلابد من الإقتداء بالظاهر والباطن ، بالسلوك والاعتقاد والعبادات .

4) سلامةُ المنهج في تحصيل الفقه في الدين:

أي أن تحصيل العلم الشرعي لابد أن يكون علي طريقةٍ صحيحة وعلي أسلوبٍ شرعيٍّ مناسب ،  ومن سلامة المنهج ما يلي :

أ) لا يتمُ الفقه في الدين حتى  يَسْلَمَ منهجُ الاستدلال والأخذُ بالأدلّة كما نقل عن رسول الله  وعن  الصحابة والتابعين فمن أخل به فلابد أن يختل فقه.

¨فلابد من الأخذ بأنواع الأدلّة كالخاص والعام والمطلق والمقيّد والناسخ والمنسوخ ومراعاة قواعد الدين فلا إفراط ولا تفريط ولا ضرر ولا ضرار وكل محدثة في الدين بدعة.

¨مثال علي من خرج علي قواعد الاستدلال ومناهجه: الخوارج .

         فقد خرجوا في عهد الصحابة وأخلّو بمنهج الاستدلال فأخذوا يستدلون بالقرآن والسنّة علي ما يحلو لهم دون الرجوع إلي الصحابة فمن هنا ، كفّروا مرتكب الكبيرة

ب) ومن سلامةِ المنهج في تحصيل الفقه : سلامةُ منهج الاستنباط  أي استنباطَ الأحكام من  الأدلة عن طريق أصول الاعتقاد وأصول الفقه والقواعد الفقهيّةُ وهذه الأصول ضروريّة للمتفقه في الدين لأنها ترشدُ إلي استنباط الأحكام من نصوصها .

جـ) ومن سلامةِ المنهج الاعتمادُ علي فهمِ وتفسيرِ السلف الصالح للنصوص لأنهم عاصروا  التنزيل وسمعوا من النبي صلي الله عليه وسلم وهم الأهدى والأتقى والأقرب إلي زمن النبوة والأعلم بلغة العرب فلا يمكن لفقيه أن يستغني عن فهم السلف وعن علمهم.

د) ومن سلامةِ المنهج في تحصيل الفقه في الدين أن يتلقَّى المسلمُ الفقَه عن القدوة وهم  العلماءُ والمشايخ وطلبة العلم :

      4) كيف يتفقهُ المسلم في دينه ؟؟

        طريقةُ الفقه في الدين وتحصيل العلم الشرعي طريقةٌ مأثورةٌ عن أئمةِ  الدّينِ وهذه قواعدٌ ضَروريّةٌ لكل من أراد أن يتفقه في دينهِ وهي:

1- العنايةُ بالحفظ  وخاصةٌ حفظُ القرآن الكريم أولاً ثم حفظُ الأحاديث ثم حفظُ أقوال السلفِ الصالح ، ولذلك كانَ الأئمةُ يعتنون بحفظِ القرآنِ أولا.

 2- للتعلُّمِ طريقان :

                   الأول : الجلوسُ في حلقاتِ العلم والدراسةِ علي المشايخَ وطلبةِ العلم مباشرةً في   المساجد وفي غير المساجد أينما وجدت هذه الحلقات . ولابد لكل مسلم قادرٍ على أن يتعلم الضروريَّ من أمورِ دينهِ بالجلوس في حلقات العلم.

                 الثاني : لمن لا يقدر علي الأول وهو طريقُ السؤال يسأُل أهلَ العلم كلّما احتاج إلي ذلك وخاصةً عما هو ضروريٌ من أمور دينه.

3- تصحيحُ النيّة في التعلُّم :

        فلابد أن يكون طلبُ العلم لوجه الله تعالي وهو طريق لمعرفة الله عز جل ولمعرفة أحكامه العملية الشرعية وهو طريق إلي الجنّة كما في الحديث (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سّهلَ الله له به طريقاً إلي الجنَّة ") مسلم وأحمد .

¨فإذا اتخذ طالب العلم هذا العلم طريقاً إلي الدنيا لم يبق له نصيب من الجنّة كما في الحديث الآخر ( من تعلّم علماً ممّا يُبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب عرضاً  من الدنيا لم يجد عرْف الجنّةِ يوم القيامة)  أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه وأقره الذهبي.

¨وكذلك حديث (لا تعلّموا العلم لتُبَاهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا لَتحيزوا به المجالس فمن فعل ذلك فالنارُ النار) رواة بن عبد البر في جامع بيان العلم – صحيح –صحيح الجامع وصحيح الترغيب .ابن ماجه وابن حيان والحاكم عن جابر.

 4- أول ما يجب أن يتعلَّمهُ المسلمُ فقهَ الإيمان وفقهَ الأحكام وهما من فروض الأعيان فلابد أولاً  من علم التوحيد لتصحيح الإيمان الذي سيلقى العبدُ عليه ربَّه ثمَّ بفقه الأحكام ليصحِّح عمَله ولا يستغني كلٌ منها عن الآخر.

 5- أن يكونَ التعلّمُ علي منهج السلفِ الصالحِ في كلِّ شيءً في العقيدة والشريعةِ والسلوكِ وغيرهاِ.

        وليس على مسلك الفلاسفة أهل الكلامَ أو المتصوفة أو الباطنية فلابد من فهم القرآن والسنّة كما فهمها الصحابة والتابعون ومن سار على هديهم.

 6- الاعتناء في بدايةِ التفقِّهِ بالعلوم العمليّة وإلي الجوانب العملية في العلوم:

        ولا  تعتني بالترف العلمي كالفلاسفة فابدأ بالكتب التي تعطيك الفقه في الدين من أيسر طريق وأقومه ، فإذا درست التجويد مثلاً فابدأ بكتاب سهل ميسَّر ليس فيه تعقيدات وإذا درست أصول الفقه كذلك.

        لأن من الكتب ما هو مليءٌ بالتعقيدات والترف العلمي لأنّها غالباً صُنّفت في عصور غلبة الفلسفة والجدل على العلوم الإسلامية

ومن القواعد الضروريّة للتفقه في الدين :

7- لابدَّ في التفقُّهِ السليمِ من البداءة بالتدرُّج في آخذِ العلم كمًّا ونوعاً وطريقةً:

  والمقصودُ بالتدرُّج أن يأخذ العلوم الأساسية من كتبها الأساسيّة ثم يرتقي إلى ما هو أوسعُ ثم إلى الكتب الكبيـرة.

- فلابدَّ من البداية بتلقّي الأوّليات في كلِّ علم أي الأساسيات.

فمثلاً أول شئ  يتعلمه المتفقه في الدين التوحيد (العقيدة)  فيدرس كتاباً صغيراً فيه أساسيات العقيدة وأقسام التوحيد ككتاب التوحيد أو الأصول الثلاثة أو تطهير الجنان مثلاً ثم ينتقل إلى الواسطية أو التدمريّة ، ثم العقيـدة

الطحاوية ، ثم دراسة أبواب الإيمان والتوحيد والاعتصام بالسنة من كتُب الحديث الستة وهكذا ، وكذلك الفقه وأصول الفقه والحديث وأصول الحديث واللغة وأصول اللغة والقرآن وعلوم القرآن وهكذا.

¨هذا التأسيس والتدرّج في سلَّم التعلُّم ضروري لكل متفقه ، بعد ذلك فليتوسع وليتبحّر فيما يشاء ويختار من العلوم ولمعرفة كيفية التدرّج يجبُ مشاورة طلبه العلم¨

8- التفقُّهُ عن الأئمّةِ العُدولِ الأكابرِ من أهل العلم وعن طلاّب العلم :

¨لا يتم الفقه في الدين على الوجه السليم الاّ بتلقي العلم عن الرجال ، عن العلماء وطلاب العلم الذين تمرّسوا في المسائل فهؤلاء يستفاد منهم علماً وعملاً وحكمة وتوجيهاً وتربية فإذا ظفر الطالبُ بهم فليحرِصْ علي أن يتلقى كلَّ علم عن أهله ، يتلقى القرآن من أهله والتفسيرَ من المفسرين والحديثَ من المحدّثين والفقه من الفقهاء ووجود هؤلاء نادر.

¨قال الإمام مالك رحمه الله (كلُّ علمٍ يُسألُ عنه أهلُهُ).

¨وتلقي العلمَ عن الشيوخ سنَّةُ النّبيٌ صلي الله عليه وسلم فهو عليه الصلاة والسلام تلقى القرآن من جبريل عليه السلام وكذلك الصحابةُ تلقوا القرآن والسنن من فم النبي صلي الله عليه وسلم وهكذا التابعون ومَنْ بعدهم.

¨ ملاحظة هامّة (خطرُ الاعتماد على الوسائل فقط وتركُ الرجال في التفقه في الدين) :

1-   يؤدى ذلك إلى ظهور نزعات الافتراق والأهواء عند البعض.
2-  يؤدى إلى تخطئة العلماء والأئمة وهذا هو الغرور.
3-  ومن آثارها الاستغناء عن العلماء وعدم الآخذ عنهم بل استنقاصهم.
4-  يؤدى إلى الاعتماد على الكتب الفكريّة والثقافية فتظهر بعضُ الأهواءِ والآراءِ الشاذة.
والخلاصة انه لا يتمُّ الفقه في الدين عن طريق الوسائل بل لابد من آخذ العلم من العلماء وطلبةِ العلم وعن أصوله وعلى طريقته السليمة.

9- لابد من الاستمرار والصَّبرِ في طلب العلم :

فإذا أردت التفقه في الدين فلابد من الاستمرارية والانقطاع للتحصيل .

       إنّ المتفقه إذا آخذ العلم بأساليبه الصحيحة واستشار أهل العلم وأخذ الأسلوب في التعلّم على العلماء وتدرّج في آخذ العلمُ الشُرعي وبدأ فيه بالسهل ثم الأصعب حتى يتمرّس في العلم فإنه بذلك يصل إلى نتيجة بإذن الله تعالي .

10- استمرارُ المسلم في مجالسة الصالحين في حلق الذكر وفي المساجد وفي العمل وفي كل مكان :

    بحيث يختار المسلمُ جلساءه من أهل العلم وأهل الفقه في الدين يرشدونه ويحثونه على الخير ويعينونه على نفسه.

5) السمات التي يتميز بها المتفقه في الدين :

1- الصلاح والاستقامة على السنَّة ظاهراً وباطناً وسلامة الاعتقاد وهؤلاء يؤخذ العلم منهم ولذلك في الحديث (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنةٌ من فقهه) رواة مسلم وكذلك تخفيف سنتي الصبح وكذلك القصر في السفر.

2- تلقي العلم عن أهله وعدم الاستقلالية في طلب العلم : وأهل العلم هم العلماء والمشايخ وطلبة العلم والاستقلالية عنهم من علامات الغرور والافتراق وتؤدى إلى الانفصال عن العلماء في الهدي والرأي والمواقف والنظرة تجاه الأمور والحكم عليها.

3- ومن علامات المتفقه في الدين : تحصيل العلم الشرعي على نهج سليم وهو نهج السلف وطريقتهم في طلب العلم وهي التلقي عن المشايخ والتدرّج في طلب العلم والصبر وتحمل الأذى.

4- التواضع وعدم التعالي والغرور :  ومن مظاهر الغرورُ اللمز للعلماء والمشايخ والاستهانة بهم والاستقلالية عنهم والخروج عن طريقتهم وهديهم في التفقه.

¨والسؤال المطروح : لماذا نجعل العلماء هم الموازين وأن الأصل في الفقه في الدين هو التلقي عنهم ؟

¨ والجواب هو :

       أن العلماء والمشايخ في جملتهم هم أهل الاستقامة وهم القدوة لأنهم: هم ورثة الأنبياء وهم حجّة الله في أرضه وهم الجماعة وهم أهل الحل والعقد وهم الدعاة وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وهم أمثل الأمّة وأفضلها وأعلاها منزلة . فهم مصدر الفقه في الدين فلاُ يتفقَّه إلا عن طريقهم فقط . فلا يجوز لمزَهُم وغيبتهم والاستهزاء بهم ويجب الذَّبُّ عن أعراضهم ونصرتهم قال عليه الصلاة والسلام (من ذبَّ عن عرض أخيه بالغيبة كانَ حقاِّ على الله أن يعُتقه من النّار) وقال (من نصر أخاهُ بظهر الغيب نصرهُ اللهُ في الدنيا والآخرة)

5- ومن سمات المتفقه في الدين  الاعتدال بالعمل بالدين فلا تشديد ولا تساهل ، والاعتدال هو المنهج الوسط ومن ذلك الاعتدال في القول والنقل عن الآخرين قال تعالي (ولا يجر منّكم شنئانُ قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى).

6- ومن العلامات :  أداء واجب النصيحة كما في الحديث الصحيح (الدين النصيحة ، قالوا لمن  يارسول الله ؟ قال : للّه ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتهم) مسلم وأحمد والنسائي وأبو داود .

 6) بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس في الفقه :

1- انتقاص بعض طلاب العلم للفقه والفقهاء أي الفقه في الأحكام : واستنقاص كتب الفقه وتراث الأئمة فيه مسلك خطير ويدل علي عدم الفقه في الدين فلا بد من تعلّم الفقه من كتب الأئمة لأن الأحكام قائمة إلي قيام الساعة.

2- ومن الأخطاء :  تتلمذ الصغار على الصغار والاكتفاء بهم عن المشايخ والعلماء فلا مانع أن يدرس طالب العلم بنفسه ولا مانع من أن يدرّس غيره لكن بشرط أن يكون التلقي عن المشايخ هو الأصل وهو الأغلب. فلا يكون طالب العلم هو المرجع لغيره ويحجبهم عن المشايخ والعلماء.

 3- ومن الأخطاء : الإعتماد على الوسائل دون التلقي عن أهل العلم فلا يتفقه في دينه من اعتمد على الكتب والكتيبات فقط وكذلك الأشرطة فهذا الذي يقرأ الكتب كثيراً ويسمع الأشرطة كثيراً ولكن لا يدرس على المشايخ يكون عنده علم ولكن ليس عنده فقه والاعتماد على الوسائل فقط يؤدى إلي آثار سلبية منها النظرة للمشايخ بنظرة قاصرة ويتَهم المشايخ بالقصور والتقصير وبعدم إدراك الواقع ويستهين بهم.

4- ومن الأخطاء : فصل الدعوة عن العلم والفقه:

     ولذلك نجد من يهتم بالدعوة عملياً لكن تحصيله للفقه والعلم الشرعي قليل جداً وكذلك نجد العكس من يهتم بالعلم الشرعي ولا يهتم بالدعوة عملياً وكلاهمُا خطأ ، فلابد من العلم الشرعي والدعوة إلي الله معاً.

5- ومن الأخطاء : الاعتماد على كتب الفكر والثقافة دون الكتب الشرعية.

6- ومن الأخطاء : الغلو في الدين أي التشديد علي الناس في الدين وهذا الخطأ يكثر في الذين لم يتلقوا الفقه والعلم على المشايخ.

7- ومن الأخطاء : عدم العناية بالتربية والعبادة والبناء الخلقي :  فلا يفقه في دينه من لا يعمل بعلمه ، فلا بد من العمل والانقياد والخشوع والخشية والمراقبة والزهد في الدنيا وموافقة العمل للقول ، وكلما ازداد العبد علماً صحيحاً زادت لديه هذه الخصال.

قال الحسن : (كانَ الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يُرى ذلك في تخشّعه وبصره ولسانِه ويده وصلاته وزهدِه) جامع بيان العلم 1/60

        وقال أبو قلابة لأيوب السختيانى (إذا أحدث اللهُ لك علماً فأحدث له عباده ولا يكن هّمك أن تحدث به) جامع بيان العلم 1/88 ، وقال الحسن بن صالح (إنّك لا تفقه حتى لا تبالي في يدي من كانت الدنيا)جامع بيان العلم 1/190 ، وقال أحد السلف (إنّما الفقيه : الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، البصير بأمر دينه المداوم على عبادة ربه) سنن الدرامي 1/88



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،،

الأربعاء، 27 يوليو 2016

نعمة المرض ـ فوائده وأحكامه

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،و بعد :
سنة الابتلاء :- إن المرض وسائر المكاره  بل الصحة وسائر المحاب سنة ربانية للابتلاء والامتحان، فالعبد مبتلى في كل شيء ، فيما يسره ويحبه ، وفيما يسوؤه ويكرهه ،قال تعالى) ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون (الأنبياء (35) قال ابن عباس (نبتليكم بالشدة والرخاء ، والصحة والسقم، والغني والفقر والحلال والحرام والطاعة والمعصية ، والهدي والضلالة) تفسير الطبري (17/25)  فالأمراض من جملة ما يبتلى الله به عباده ولها فوائد وحكم ،وذكر ابن القيم أكثر من مئة منها في شفاء العليل صـ 525

 & حكم وفوائد المرض منها :
1- استخراج عبودية الضراء وهي الصبر وعبودية السراء وهي الشكر: فتتقلب أحوال العبد بين المرض والصحة حتى يتبين صدق عبوديته لله تعالى ، قال صلى الله عليه وسلم"" عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير  وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) مسلم (2999) 4/2295 .
2- تكفير الذنوب والسيئات :  فالمرض سبب في تكفير خطاياك التى اقترفتها بقلبك وسمعك وبصرك ولسانك  وسائر جوارحك ، قال ابن عبد البر (الذنوب تكفرها المصائب والآلام والأمراض ، وهذا أمر مجتمع عليه) التمهيد (23/26) . فإن المرض قد يكون عقوبة على ذنب وقع من العبد ، قال تعالى (وما أصابتكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) الشورى 30  وقال صلى الله عليه وسلم  ""ما اختلج عرق ولا عينٌ إلا بذنب وما يدفع الله عنه أكثر"" الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع (5521) وتعجيل العقوبة للمؤمن في الدنيا خيرٌ له كما قال صلى الله عليه وسلم ""إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة"" الترمذي – صحيح الترمذي(2/5)
* والأحاديثُ في بيان تكفير الأمراض للذنوب كثيرة منها :- قال صلى الله عليه وسلم ""ما من مسلم يصيبه أذىً من مرضِ فما سواه إلاّ حطًّ اللهُ به سيئاتِه كما تحطُّ الشجرةُ ورقها"" متفق عليه خ(5647) م (2571)  وقال صلى الله عليه وسلم ""ما يزالُ البلاءُ بالمؤمن والمؤمنةِ في نفسِه وولده وماله حتى يلقى اللهَ وما عليه خطيئةَ"" الترمذي – صحيح الترمذي (2/286)  .
3- كتابة الحسنات ورفعُ الدرجات : فإذا صبر العبد على المرض فإنه يُثاب بكتابة الحسنات  له ورفع الدرجات وحصول الأجور العظيمة ، ففي الحديث الصحيح ""ما من مسلم يُشاك شوكةً فما فوقها، إلاّ كُتبت له بها درجة ، ومُحيت عنه بها خطيئة"" مسلم (2572) وفي الحديث ""لا يصيب مؤمنا نكبةٌ من شوكةٍ فما فوق ذلك إلا حطّت عنه بها خطيئة ، ورفع له بها درجة""  أحمد – صحيح الجامع (1660)
4- سبب في دخول الجنة :  لا تُنال الجنة إلاّ بما تكرهه النفس كما في الحديث ""حفت الجنة بالمكاره""  متفق عليه خ (6487) م (2822) والنبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة التي تصرع ""إن شئت صبرت ولك الجنة"" متفق عليه خ (5652) م (2576) . وفي الحديث القدسي (إذا ابتليت عبدي بحبيبته فصبر عوضته منهما الجنة) البخاري (5653) . فالبلايا والأمراض والأحزان من أسباب دخول الجنة .
5- النجاة من النار : عن أبي هريرة عن رسول الله أنه عاد مريضا من وعك (حُمى) كان به ، فقال له رسول الله ""أبشر ، فإن الله يقول (هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا ، لتكون حظه من النار في الآخرة)"" احمد وابن ماجة –الصحيحة (557) . وعن عائشة مرفوعا (الحمى حظ كل مؤمن من النار) البزار – وصححه الألباني في الصحيحة (1821) .
6- رد العبد إلى ربه وتذكيره بمعصيته وايقاظه من غفلته :- فالمرض والمصائب ترد العبد الغافل عن ربه إليه ، وتكفه عن معصيته ، لأنه إذا ابتلاه الله بمرض أو غيره استشعر ضعفه وذله وفقره إلى مولاه ، وتذكر تقصيره في حقه ، فعاد إليه نادما . قال تعالى) ولقد أرسلنا إلي أممٍ من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون (الأنعام 42. قال الطبري رحمه الله (فامتحناهم بشدة الفقر والأسقام لعلهم يتضرعون إليَّ ويخلصوا لي العبادة…) التفسير (7/192) قال شيخ الإسلام (مصيبةٌ تُقبل بها على الله خير من نعمة تنسيك ذكر الله) تسلية أهل المصائب صـ226.
7- تذكيرك بنعم الله السابقة والحاضرة :  فالمرض يذكرك بكثير من النعم التي تتمتع بها وأنت صحيح ، فيكون ذلك التذكير سببا في زيادة شكرك لربك وفي هذا أعظم المنفعة للعبد .
8- تذكيرك بحال إخوانك المرضى : الذين طالما غفلت عنهم في حال الصحة والسلامة ، فيدعوك ذلك إلى القيام بحقوقهم وزيارتهم وقضاء حوائجهم والتخفيف عن مصائبهم ومواساتهم ، والسعي في أسباب الشفاء لهم والدعاء بالعافية إلى غير ذلك .
9- طهارة القلب من الأمراض : كالكبر والخيلاء والعجب والحسد وسائر الأمراض القلبية ، قال ابن القيم رحمه الله (انتفاع القلب والروح بالآلام والأمراض أمر لا يحس به إلا من فيه حياة ، فصحة القلوب والأرواح موقوفة على آلام الأبدان ومشاقها…) شفاء العليل صـ 524.

& المرض نعمة ومنحة :-  من خلال ما تقدم ذكره من فوائد المرض يتضح لنا أن الأمراض والمصائب نعمة ومنحة من الله ورحمة . ولكون المرض والبلاء نعمة كان الصالحون يفرحون به كما يفرح الواحد منا بالرخاء : فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ابتلاء الأنبياء والصالحين بالمرض وغيره ثم قال ""وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء"" ابن ماجة والحاكم ، وصححه الألباني في صحيحة (144) ذكر ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين  ذلك فقال (ارض عن الله في جميع ما يفعله بك ، فإن ما منعك إلا ليعطيك ، ولا ابتلاك إلا ليعافيك ، ولا أمرضك إلا ليشفيك ، ولا أماتك إلا ليحييك ، فإياك أن تفارق الرضى عنه طرفة عين ، فتسقط من عينه) مدارج السالكين (2/216) وراجعه ففيه كلام نفيس . وقال سفيان الثوري (ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة) حلية الأولياء (7/55) .
& البلاء يشتد على المؤمنين بحسب إيمانهم :- قالت عائشة رضي الله عنها (ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم) متفق عليه خ(5646) م(2570)

& بشرى للمريض :- ما كنت تعمله من الطاعات والقربات ، ومنعك المرض من فعله ، فهو مكتوب لك ولو لم تفعله ؟!! عن أبي موسى قال (قال رسول الله ""إذا مرض العبدُ أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا"" البخاري (2996) فتح الباري (6/136) . وعن أنس قال : قال رسول الله ""إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده ، قال الله عزوجل للملك : أكتب له صالح عمله الذي كان يعمله ، فإن شفاه غسله وطهره ، وإن قبضه غفر له ورحمه"" أحمد ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (58).

& الصبر على البلاء والمرض :- إن واجبك أخي المريض أن تصبر على هذا البلاء . قال شيخ الإسلام (الصبر على المصائب واجب باتفاق أئمة الدين) تسلية أهل المصائب صـ 173. وقال ابن القيم رحمه الله (الصبر على المصائب واجب بإجماع الأمة ، وهو نصف الإيمان ، فإن الإيمان نصفان ، نصف صبر ونصف شكر… (ثم قال) : والصبر يتحقق بثلاثة أمور : حبس النفس عن الجزع والسخط . وحبس اللسان عن الشكوى للخلق . وحبس الجوارح عن فعل ما ينافي الصبر .
ثم ذكر أن أنواع الصبر (22 نوعا) منها :-
*أن الله  عز وجل أثنى على أهل الصبر وأحب أهله وأوجب معيته لهم ،في ذلك آيات كثيرة منها : قال تعالى (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) البقرة (177)  قال تعالى (والله يحب الصابرين) آل عمران(146) ، قال تعالى (واصبروا إن الله مع الصابرين) الأنفال (46) قال بعض السلف (ذهب الصابرون بخير الدنيا والآخرة ،لأنهم نالوا من الله معية الله) عدة الصابرين صـ 134 وقال تعالى (إنما يوفى الصابرون آجرهم بغير حساب) الزمر (10) ، راجع مدارج السالكين 2/152 وعدة الصابرين لابن القيم . وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصبر خير ما أُعطيه العبد فقال (ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر) متفق عليه خ(1469) م(1053) .
*أما أخبار وآثار السلف الصالح فكثيرة جدا منها : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (وجدنا خير عيشنا بالصبر) صحيح البخاري فتح (11/303) . وقال علي رضي الله عنه ( الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد …) تسلية أهل المصائب لابن تيمية صـ 182 . وقال الحسن رحمه الله ( الصبر كنز من كنوز الخير ، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ) المرجع السابق صـ182

& أسباب الصبر على المرض : هناك أسباب وأمور تعين على تحصيل الصبر على المرض منها :
1- العلم بأن المرض مقدر من عند الله : قال تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) التوبة (51) . وقال تعالى (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ، ومن يؤمن بالله يهد قلبه) التغابن (11) .قال علقمة (هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويُسلّم) تفسير ابن كثير (8/163) سورة التغابن
2-  أن تتيقن أن الله أرحم بك من نفسك ومن الناس أجمعين، قال تعالى (كتب على نفسه الرحمة) الأنعام (54). وقال صلى الله عليه وسلم (لله أرحم بعباده من هذه بولدها) متفق عليه خ (5999) م (2754) فإذا علمت أن الله أرحم بك من نفسك دعاك هذا إلى الاستسلام لما يقضيه والصبر على تدبيره .
3- أن تعلم أن حق الله عليك في هذه البلوى هو الصبر فهو عبودية الضراء .
4- أن تتذكر فوائد المرض وثمراته التي مرت معنا .
5-أن تعلم أن الله أراد بك خيرا في هذا المرض ففي الحديث ""من يرد الله به خيرا يصب منه"" البخاري (5645)
6- أن تعلم أن الابتلاء بالمرض وغيره علامة على محبة الله للعبد : قال رسول الله (إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط) الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/286) .
7-  ومن الأمور التي تعين على الصبر: علمك بأن الجزع لا يفيدك وإنما يزيد آلامك ويضاعف عليك المصيبة ويفوّت عليك الأجر ، كما في الحديث السابق (فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)
8-  تذكر الموت وسرعة الانتقال عن هذه الدار : فضيق المرض يهون عليه ذكر الموت ذلك ويوسع عليه لعلمه بالثواب والأجر، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أكثروا من ذكر هادم اللذات ، فما ذكره عبد قط  وهو في ضيق إلا وسعه عليه ، ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيقها عليه) ابن حبان وغيره . وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1211) . وقال عمر بن عبد العزيز (إذا كنت من الدنيا فيما يسوؤك فاذكر الموت يسهل عليك) الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا صـ42 .
9-  ومن أسباب الصبر على المرض : علمك بأن الدنيا دار ابتلاء وامتحان ، وهي محل للأنكاد والأسقام والأحزان ، قال تعالى (لقد خلقنا الإنسان في كبد) البلد (4) قال بعض السلف (يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة) تفسير ابن جرير (30/197) .
10- التسلى والتأسي بالنظر إلى من هو أشد منك بلاء وأعظم منك مرضا .
11- أن تنظر إلى ما أبقاه الله عليك من النعم الأخرى ، نعمة الإيمان والعقل والسمع والبصر والنطق وغيرها ، قال بكر المزني رحمه الله (إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك) الشكر لابن أبي الدنيا صـ 15.
12- ومن أسباب الصبر على المرض : أن تصبر نفسك عليه ، كما في الحديث ""ومن يتصبر يصبره الله"" متفق عليه خ(1469) م(1053) .
13- وأخيرا من الأسباب : انتظار الفرج فإن في ذلك تهوينا للمرض ومعونة على الصبر عليه.

& نصائح للمريض :
1- دع عنك (لو) فإنها تفتح عمل الشيطان : فإذا مرضت بسبب من الأسباب فلا تقل : لو فعلت كذا لكان كذا ، ولو لم أفعل كذا لم يكن كذا … إلى غير ذلك مما فيه اعتراض على القدر .
2- لا حرج عليك في التداوي وبذل أسباب الشفاء والبحث عن الطبيب الماهر : لقوله صلى الله عليه وسلم  ""تداووا عباد الله ، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وله دواء"" أحمد والأربعة وصححه الألباني في صحيح الجامع (2930 ) لكن تنبه إلى أمرين :-
( أ ) أن الدواء مجرد سبب للشفاء ، والشافي حقيقة هو الله عز وجل ، فلا يتعلق قلبك بطبيب ما …
(ب) لا تتداوا بمحرم لحديث ""تداووا ، ولا تتداووا بحرام"" حسن سنده الألباني في الصحيحة (1633) .
3-  لا تخف من الموت فإن المرض لا يقرب من الموت ولا يدني منه ، كما أن الصحة لا تباعد منه،


كم من صحيح مات من غير علة
كم من عليل عاش دهرا من الدهر
,
,
كم من فتى يمسي ويصبح أمنــا
قد نسجت أكفانه وهو لا يــدري
(ديوان علي صـ78)


4-  لا تتمن الموت ولا تدع به إذا اشتد عليك المرض وازداد عليك الألم : عن أنس قال : قال رسول الله (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لابد متمنيا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) متفق عليه خ(5671) م (2680) . قال الشيخ عبد الرحمن ابن سعدى رحمه الله (هذا نهي عن تمني الموت للضر الذي ينزل بالعبد من مرض أو فقر أو خوف أو وقوع في شده ومهلكة فإن في تمني الموت لذلك مفاسد منها أنه يؤذن بالتسخط وهو مأمور بالصبر ، وأنه يضعف النفس ويوقع في اليأس ، وأن الموت يقطع على العبد الأعمال الصالحة التي هو بصدد فعلها .
5-عليك بالدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى فهو الشافي وحده (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) النحل (62) ولا تستعجل الإجابة لحديث (يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، فيقول : دعوت فلم يستجب لي) متفق عليه خ (6340) م(2735) وعليك بالإلحاح بالدعاء وكن على يقين بالإجابة، وعليك بالرقى الشرعية فهي من أسباب الشفاء المؤثرة بإذن الله تعالى ومنها :-
*قراءة الفاتحة مع النفث – قراءة المعوذات ثلاث مرات مع النفث لحديث عائشة في الصحيحين أيضا
*المسح باليد اليمنى وقول (أذهب الباس رب الناس ، واشف أنت الشافي ، ولا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما) متفق عليه
*وضع اليد على مكان المرض وقول (بسم الله ثلاثا وأعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) مسلم (2202) ومالك وأبو داود .
*يأخذ الراقي من ريق نفسه على أصبعه ثم يضعها على التراب ثم يمسح به على الموضع العليل ويقول (بسم الله  تربة أرضنا، بريقة بعضنا يشفى به سقيمنا بإذن ربنا) متفق عليه خ (5745) م (2194) عن عائشة
6-عليك بالاستغفار والتوبة وذكر الله تعالى دائما .
7-أحسن الظن بربك لأن الله لا يظلم أحدا .
8-انتظر الفرج واعلم أن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا .
9- لا تأت الكهان والعرافين والسحرة وغيرهم ممن يدعي علم الغيب : قال صلى الله عليه وسلم ""من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة "" مسلم (2230) قال الشيخ ابن باز حفظه الله (فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة الذين يدعون علم الغيب ليعرف منهم مرضه ، كما لا يجوز أن يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجما بالغيب…) مجموع الفتاوي 3/274 .
10- لا تأس على ما فاتك من حظوظ الدنيا بسبب المرض : فإن الدنيا بأجمعها لا تستحق الحزن لفقدها : قال صلى الله عليه وسلم (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء) الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع (5292)  ثم أن الرزق قد تكفل الله به ،ففي الحديث (إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله) الطبراني  وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1630) وقال صلى الله عليه وسلم (لا تستبطئوا الرزق ، فإنه لن يموت العبد حتى يبلغه أخر رزق هو له ، فأجملوا في الطلب) ابن حبان صحيح الجامع (7323) .
11- لا تشكٌ من يرحمك إلى من لا يرحمك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الله عز وجل : إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من أساري ، ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه ، ثم يستأنف العمل) الحاكم والبيهقي – صحيح الجامع (4301) . أما إخبار المريض بمرضه لا على سبيل الشكوى وإنما إجابة لسؤالٍ أو إخبار الطبيب أو من يرجو أن يدله على الدواء فهذا جائز، قال ابن القيم (إذا حمد المريض الله ثم أخبر بعلته لم يكن شكوى منه ، وإن أخبر بها تبرما وتسخطا كان شكوى منه) عدة الصابرين صـ107 قال ابن حجر (أما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقا) فتح الباري (10/124) .
12- احفظ وقتك بما ينفعك ويقربك إلى ربك على قدر استطاعتك وابتعد عن المحرمات كلها .
13- بادر بكتابة وصيتك إذا كان عليك حقوق للناس أو لك حقوق عندهم أو ترغب في الوصية بشيء من مالك .
14- تحلل ممن له عليك حق : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء ، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمة ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) البخاري ( 2449) .
15- وأخيرا : إذا منَّ الله عليك بالشفاء فاحمده واشكره واعلم أن الصحة من اجلّ النعم وأعظمها ، واغتنم صحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك واستعملها في طاعة الله تعالى .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين