الجمعة، 18 سبتمبر 2015

أحكامُ عشر ذي الحجّة وأيام التشريق

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
&  فإن من فضل الله تعالى على عباده أن أنعم عليهم بالمواسم العظيمة والأيام الفاضلة لتكون مغنماً للطائعين وميداناً لتنافس المتنافسين . ومن هذه المواسم عشرُ ذي الحجّة وأيام التشريق بعدها ، حيث أن هذه الأيام كانت محلاً لأمّهات العبادة ، من الصلاة والصيام والصدقة والحج والأضحية والتكبير  وغيرها . والمسلم مطالب بأن يعمر هذه الأيام بأنواع القربات ، وعليه أن يتعلم الأحكام الشرعية المتعلقة بها ليُحسن استغلالها كما ينبغي .

'وأهم مسائل البحث ما يلي :
1- فضل عشر ذي الحجة
2- ما يجتنبه في العشر من أراد الأضحية
3- الأعمال والطاعات في العشر ومنها الحج والأضحية  
4- فضل يوم عرفة والتكبير فيه
5- فضل يوم النحر وأحكامه                 
6- فضل أيام التشريق وآدابه

1-  فضل عشر ذي الحجة :
        إن الله عز وجلّ فضّل بعض الشهور والأيام والليالي على بعض ليكون ذلك عوناً للمسلم في زيادة العمل والرغبة في الطاعة وتجديد النشاط ليعظم أجره ويحظى بنصيب وافر من الثواب . وقد فضل الله تعالى عشر ذي الحجة على غيرها من الأيام ، فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال :"" ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبّ إلى الله منه في هذه الأيام العشر ، قالوا : ولا الجهاد في سبيل ‍ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء "" رواه البخاري وأحمد وابو داود وغيرهم . وفي رواية عند الدارمي "" ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجراً من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى) وإسناده حسن كما في إرواء الغليل (3/398) وهذا دليل على فضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد بأنها أفضل الأيام للعمل الصالح وحثَّ فيها على العمل الصالح وأمر فيها بكثرة التسبيح والتحميد والتكبير في قوله :"" ما من أيام أعظم عند الله ولا أحبّ إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد "" رواه أحمد وقوّاه بشواهد الألباني في الإرواء (890) (3/398) ومما يدل على فضلها أيضاً أن فيها يوم عرفة ويوم النحر وفيها الأضحية والحج . قال ابن حجر ، رحمه الله ، ( والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمّهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره ) فتح الباري (2/460)

2-  ما يجتنبه في العشر من أراد الأضحية :
دلّت السنّة على أن من أراد الأضحية يجب عليه أن يمسك عن الأخذ من شعره وظفره وبشرته منذ دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"" إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يُضحي "" وفي رواية "" فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئاً "" رواه مسلم من أربع طرق (13/146) وهذا أمر للوجوب ونهي للتحريم على أرجح الأقوال لعدم وجود الصارف لهما .
· فإذا تعمد الأخذ من شعره وأظفاره ، عليه أن يستغفر الله ، ولا فدية عليه والأضحية بحالها .
· ومن احتاج إلى أخذ شئ من ذلك لتضرره ، فلا بأس ولا شئ عليه .
· ومن أخذ من شعره أو ظفره لعدم ارادته الأضحية ثم أرادها، أمسك حينها ,
· والحكم متعلق بالمُضحي والوكيل لا يتعلق به نهي فمن ضحى عن غيره بوصية أو وكالة فهذا لا يحرم عليه أخذ شئ من شعره أو ظفره أو بشرته .
· وظاهر النهي أنه يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة والأولاد وغيرهم .

3-  الأعمال والطاعات في العشر من ذي الحجة وأيام التشريق :
وقد مرّ معنا الحديث "" ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه العشر "" فجميع الأعمال الصالحة والقُربات يُستحب الإكثار منها في هذه الأيام ، ولا شك أن الحج والصلاة والصيام والصدقة والأضحية من أهم هذه الأعمال .
· فالحج فريضة على كل مُكلّف مستطيع وهو فرضٌ مرّة في العمر ، لحديث "" الحج مرة فمن زاد فهو تطوع "" صحيح سنن أبي داود (1721) فمن حج الفريضة يُستحب له الحج مرة أخرى .
· والأضحية واجبة على الراجح للقادر عليها ، ووقتها من بعد صلاة عيد الأضحى إلى أخر أيام التشريق الثالث عشر من ذي الحجة ، وهي من أفضل الأعمال الصالحة في العشر .
· والصيام من أفضل الأعمال الصالحة ، فيستحب له أن يكثر من الصيام في هذه الأيام وخاصة يوم عرفة ، ففيه ثواب عظيم كما سيأتي قريباًَ ، وفي الصيام المطلق جاء الترغيب فيه كثيراً ومن ذلك ما رواه النسائي وغيره عن أبي أمامة قال : قلت يا رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة قال:"" عليك بالصوم لا مثل له ""
· ومن الأعمال الصالحة : التكبير : فيستحب التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر ، وإظهار ذلك في المساجد والمنازل والطرقات وغيرها .قال الله تعالى ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام( الحج(28) . وجمهور المفسرين على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر من ذي الحجة ، وقد مر معنا قوله صلى الله عليه وسلم :"" فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد "" إرواء الغليل (890) والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة فينبغي الجهر به ولا سيما في أول العشر . وقد ثبت عن السلف ذلك ومنهم عبد الله بن عمر وأبو هريرة، ففي صحيح البخاري أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ـ انظر فتح الباري (2/457)
· ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي الإكثار منها في هذه الأيام تلاوة القرآن وقراءة كتب السُنّة والتوبة النصوح وصلوات التطوع وغيرها من الأعمال . وليحرص المسلم على مواسم الخير وليقدم لنفسه عملاً صالحاً يجده في حسناته .

4- فضل يوم عرفة : يوم عرفة من الأيام الفاضلة في هذه العشر وهو يوم التاسع من ذي الحجة
·   فقد أكمل الله تعالى دينه يوم عرفة عندما نزلت الآية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( قال عمر (قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة) متفق عليه  البخاري (45)
·   وفي يوم عرفة يعتق الله من النار كثيراً من عباده كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :"" ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة "" رواه مسلم (1348) وفي حديث أخر يقول :"" إنّ الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم : انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثاً غُبراً "" رواه أحمد وابن خزيمة (4/263) وقال الألباني فيه :إسناده صحيح ، وقد ذكر ابن رجب ، رحمه الله ، أن العتق من النار عامٌ لجميع المسلمين ـ كتاب اللطائف صـ315
·   ويستحب صيام يوم عرفة حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم عرفة فقال :"" يُكفر السنة الماضية والسنة القابلة "" رواه مسلم (1662) وهذا يُستحب لغير الحاج وأما الحاج فلا يُسن له صيام هذا اليوم وفطره أفضل تأسيّاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد ترك صومه
·   وللدعاء يوم عرفة مزية على غيره فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"" خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخيرما قلت أنا والنبيون من قبلي ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير "" رواه مالك والترمذي وهو في الصحيحة للألباني برقم (1503) فليحرص المسلم على الدعاء في هذا اليوم العظيم .
·   ويشرع التكبير من فجر يوم عرفة إلى أخر ايام التشريق لثبوت ذلك عن السلف الصالح . قال ابن تيمية ، رحمه الله ، ( انه أشهر الأقوال وهو الذي عليه العمل ) تفسيره(1/358) قال البخاري (وكان ابن عمر يكبر بمنىً تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً) فتح الباري (2/462) ويكون التكبير بدون تحديد عدد معين ولا بصوت جماعي واحد ولا في وقت محدد .

5- فضل يوم النحر وأحكامه : يوم النحر يوم عظيم لأنه يوم الحج الأكبر وهو أفضل أيام العام كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"" إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر "" والحديث في صحيح سنن أبي داود .
*  وفي هذا اليوم الخروج إلى المصلى لصلاة العيد ، وهي واجبة على القول الراجح كما قال ابن تيمية في الفتاوى(23/161) وابن القيم في كتاب الصلاة صـ29 والشوكاني في السيل الجرار (1/315) وغيرهم
*  وفي يوم النحر ذبح الأضحية وتوزيعها والأكل منها وذلك بعد صلاة العيد إلى أخر أيام التشريق  وهي واجبة على القول الراجح.
 ويشرع التهنئة بالعيد مثل قول المسلم لأخيه : تقبل الله منا ومنكم ، كما ثبت عن السلف
*   ثم الإكثار من الأعمال الصالحة في هذا اليوم الذي هو من العشر ذي الحجة .

6- فضل أيام التشريق وآدابها :
* أيام التشريق هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة . سُميت بذلك لأن الناس يشرقون فيها لحوم الأضاحي والهدايا ، أي ينشرونها .
* وهي من الأيام الفاضلة التي أمر اله تعالى عباده بذكره فيها فقال تعالى )واذكروا الله في أيام معدودات) قال البخاري: قال ابن عباس (الأيام المعدودات أيام التشريق( فتح الباري (2/458) وقال ابن رجب (هذا قول ابن عمر وأكثر العلماء) لطائف المعارف صـ329
* وهي أيام ذكرٍ وأكلٍ وشرب كما روى مسلم في صحيحه (1141) عن رسول الله قوله :"" أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل ""
*  وفي أيام التشريق تقع بقية أعمال الحج كالرمي والطواف وغير ذلك
*  وقد مر أنه يشرع التكبير إلى أخر أيام التشريق والجهر به في الطرقات وبعد الصلاة وغير ذلك
*لا يشرع صيام أيام التشريق إلا للمتمتع إذا لم يجد الهدي ، على القول الراجح لظاهر قوله تعالى ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ) وقوله في الحج يعم ما قبل يوم النحر وما بعده فتدخل فيه أيام التشريق ، وقد ورد عن ابن عمر وعائشة أنهما قالا (لم يُرخص في أيام التشريق أن يُصَمن إلا لمن لم يجد الهدي) رواه البخاري (1894) وفتح الباري (4/243) . وهذا له حكم الرفع ، قال الشوكاني (وهذا أقوى المذاهب) نيل الأوطار (4/294)
* وأيام التشريق بالإضافة إلى يوم النحر هي أيام ذبح للأضاحي والهدي ، على الأرجح .

خاتمـــة :
هذا ما تيسر جمعه في فضائل وأحكام عشر ذي الحجة وأيام التشريق
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الخميس، 17 سبتمبر 2015

أحكام الأضحية

* الأضحيــــة : اسم لما يُذبح من الأنعام بسبب عيد الأضحى تقرباً إلى الله تعالى ، وهي مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة . قال الله تعالى )فصلِّ لربِّك وانحر(  وقال ابن عمر : (أقام النبي صلي الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يُضحي) أحمد والترمذي ـ فتح 13/65 . وعن أنسٍ قال : (ضحَّى النبي بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده ، وسمىَّ وكبّر ، ووضع رجلَه على صفاحِهما) متفق عليه ـ خ 5233/ م 1966 .
*حكـم الأضحيـة : اختلف العلماء في الأضحية على قولين : واجبة وسنة مؤكدة . والراجح هو أن الأضحية واجبة على المستطيع وهو قول الأوزاعي والليث ومذهب أبي حنيفة وروايةٌ عن أحمد وابن تيمية وقال (هو أحد القولين في مذهب مالك أو ظاهر مذهب مالك) وقال ابن تيمية (ووجوبها مشروط بأن يقدر عليها فاضلاً عن حوائجه) فتاوى 23/162  ،وأدلة الوجوب هي :
1- قال ابن عمر (أقام النبي بالمدينة عشر سنين يُضحي) أحمد والترمذي ـ ما تركها ولو مرة واحدة .
2- قوله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس إنّ على أهل كل بيتٍ أضحيةً في كل عام) قال ابن حجر في الفتح ـ أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي وحسنه الترمذي ـ قلتُ وهو في صحيح أبي داود 2487
3- قوله صلى الله عليه وسلم " من وجد سعة فلم يُضحِ فلا يقربنّ مصلانا " رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم ، قال ابن حجر في الفتح رجاله ثقات ـ وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه
4- قال الله تعالى )فصلِّ لربِّك وانحر( أمر بالنحر بعد الصلاة ، والأمر للوجوب .
5- قوله صلى الله عليه وسلم " من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله " متفق عليه . قال شيخ الإسلام (والأظهر وجوبها فإنها من أعظم شعائر الإسلام ، وهي النسك العام في جميع الأمصار والنسك مقرون بالصلاة وهي ملة إبراهيم الذي أُمرنا باتباع ملته ، وقد جاءت الأحاديث بالأمر بها ، ونفاة الوجوب ليس معهم نص) الفتاوى (23/162) . قال الشيخ العثيمين (صرح كثير من أرباب هذا القول ـ أنها سنة مؤكد ـ بأن من تركها يكره للقادر وذكر في جواهر الإكليل شرح مختصر خليل أنها إذا تركها أهل بلد قوتلوا عليها لأنها من شعائر الإسلام) كتاب إطعام الأضحية
* هل تُجزىْ القيمة في الأضحية؟ لا تُجزىْ القيمة في الأضحية لأنه لم يُنقل عن رسول الله ذلك ولم ينقل عن أحدٍ من الصحابة ولا الأئمة أن أحداً منهم أخرج القيمة ولو مرة ، ولأن الله عزوجل قال  )فصلِّ لربِّك وانحـر(
 ولأن إراقة الدم والذبح هو المراد من الأضحية وإخراج القيمة تعطيل لهذه الشعيرة.  قال ابن القيم ( لو تصدق عن دم المتعة والقران بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه، وكذلك الأضحية ، والله أعلم) تحفة المودود بأحكام المولود صـ36 ، وهكذا قال ابن تيمية (26/304) . بل أن الناس أصابهم ذات سنةٍ مجاعةٍ في عهد النبي في زمن الأضحية ولم يأمرهم بصرف ثمنها إلى المحتاجين بل أقرّهم على ذبحها وأمرهم بتفريق لحمها كما في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع . ولو عدل الناس عن ذبح الأضحية إلى الصدقة لتعطلت شعيرةٌ عظيمة ذكرها الله في القرآن وفعلها رسول الله وسماها سنَّة المسلمين .
* وقتهــا : أول وقت الأضحية بعد صلاة عيد الأضحى ، وآخر وقتها غروب شمس آخر أيام التشريق . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ذبح بعد الصلاة فقد تم نُسُكه وأصاب سنّة المسلمين " البخاري . وقال صلى الله عليه وسلم " كلُ أيام التشريق ذبح " أحمد وابن حبان والبيهقي . وقال صلى الله عليه وسلم " من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها  "متفق عليه . فوقتها من بعد صلاة العيد إلى أيام التشريق .
* جنسُ ما يُضحـى بـه : قال تعالى )ولكلِّ أمةٍ جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ( وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم من ضأنٍ أو معزٍ فلا يجزئ غيرها .
* شـروط الأضحيـة وموانعهــا :
أما شروطها : 1) أن تكون مُلكا للمضحي غير مغصوبة أو مسروقة أو مرهونة أو أمانة أو غيرها .
                2) أن تكون من بهيمة الأنعام بدليل الآية وفعله وأمره صلى الله عليه وسلم .
                3) أن تكون بالغة السن المعتبر شرعاً بأن يكون ثنياً لحديث (لا تذبحوا إلا مُسنَّةً ، إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن) مسلم . والثنيُ من الإبل ما تم له خمس سنين ، ومن البقر ما تم له سنتان ، ومن الغنم ما تم له سنة ، والجذع نصف سنةٍ .
أما موانعهـا : فهي العيوب المانعة من الأجزاء وهي المذكورة في حديث البراء بن عازب قال ( قام فينا رسول الله فقال:" أربعٌ لا تجوز في الأضاحي ـ وفي رواية لا تجزىء : العوراءُ البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضها ، والعرجاء البيّن عرجها ، والكسير التي لا تنقى " (العجفاء) الضعيفة . رواه الخمسة . والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم .
الأولى : العوراء البين عورها وهي التي انخسفت عينها أو برزت ، وتلحق بها العمياء التي لا تبصر .
الثانية : المريضة البين مرضها كالحمى والجرب الظاهر والمبشومة ، وكذلك ما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع .
 الثالثة : العرجاء البين ظلعها وهي التي لا تستطيع معانقة السليمة في الممشى ، وكذلك مقطوعة الرجلين .
الرابعة : الكسيرة أو العجفاء (الهزيلة) التي لا تُنقى أي ليس فيها مخ في عظامها .
هذه العيوب المانعة من الأجزاء ، فمتى وُجد واحد منها في بهيمةٍ لم تجزْ التضحية بها لفقد أحد الشروط وهو السلامة من العيوب المانعة من الأجزاء .
* صفــة الذبـح : من كان يحسن الذبح فليذبح بنفسه ، ولا يوكِّلْ في ذبحها لحديث أنسٍ رضي الله عنه    (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين ، فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسميّ ويكبّر فذبحهما بيده) متفق عليه خ 5233/ م 1966 ، ولأن الذبح قربة وكون الإنسان يتولى القربة بنفسه أفضل من الاستنابة . قال البخاري رحمه الله (أمر أبو موسى بناته أن يُضحين بأيديهن) فتح الباري (10/19) وفي صحيح مسلم أن رسول الله نحر ثلاثاً وستين بدنة بيده واستناب علياً في نحر ما بقي من بُدنه ـ كتاب الحج . ولذلك تجوز الاستنابة في الذبح .
وعند الذبح تراعى الأمور الآتيــة :
1- الإحسان إلى الذبيحة بعمل كل ما يُريحها عند الذبح : عن شدّاد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إنّ الله كتب الإحسان على كلِ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتْلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليُحدَّ أحدكم شفرته وليُرح ذبيحته " مسلم 1955 . عن ابن عمر قال (أمر النبي بحدِّ الشّفار وأن توارى عن البهائم ، وقال : إذا ذبح أحدكم فليجهز) رواه أحمد وابن ماجه ـ صحيح الترغيب صـ529 ج1ـ وانظر شرح النووي لمسلم (13/113)
2- تجب التسمية عند الذبح : قول (بسم الله) فقط : قال تعالى  )فكلوا مما ذُكر اسم الله عليه( الأنعام118 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" ما أنهرَ الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا " متفق عليه خ/2356 م/1968. قالت عائشة (وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال : بسم الله) مسلم 1967 ـ وانظر أضواء البيان (5/638)
3- لابدَّ من إنهار الدم ويكون ذلك بقطع الحلقوم والمريء والودجين .
فائدة : (كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم . قال عطاء : سألت أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه : كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله فقال : إن الرجل يُضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون) رواه مالك والترمذي وابن ماجه ، وإسناده حسن .
فائدة أخرى (يُحرم أن يبيع شيئاً من الأضحية لأنها مالٌ أخرجه لله فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة ، أما من أهدي شيء منها أو تُصدق به عليه فله أن يتصرف فيه بما يشاء لأنه ملك)
* حكم الأكل من الأضحية والإطعام والتصدق والإدخار :
      قال تعالى )فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير(
وقال صلى الله عليه وسلم :"كلوا وادخروا وتصدقوا " رواه مسلم من حديث عائشة ، وقال أيضاً (كلوا وأطعموا وادخروا) رواه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع . والإطعام يشمل الصدقة على الفقراء والهدية للأغنياء . وقال أبو بردة للنبي صلى الله عليه وسلم (اني عجلت نسيكتي لأُطعم أهلي وجيراني وأهل محلتي ) والنبي صلى الله عليه وسلم أمر في حجة الوداع من كل بدنة ببضعةٍ فجعلت في قدرٍ فطُبخت فأكل من لحمها وشرب مرقها) رواه مسلم من حديث جابر . فذهب بعض العلماء إلى وجوب الأكل منها ومنع الصدقة بجميعها لظاهر الآية والأحاديث التي تأمر بالأكل منها ، والأمر يدل على الوجوب .ووردت آثار عن السلف
كلها تدل على حرصهم على الأكل منها والإطعام ، عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود والشافعي وأحمد  ولا يوجد في النصوص مقدار ما يؤكل ويُتصدق به ويُطعم .
فائدة (لا يُعطى الجازر أُجرته من الأضحية لأن ذلك معاوضة وهي في معنى البيع وقد ورد عن علي رضي الله عنه قال (أمرني رسول الله أن أقوم على بُدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلَّتِها وأن لا أعطي الجازر منها  قال(نحن نعطيه من عندنا) وفي رواية (ولا يُعطى في جزارتها منها شيئاً) متفق عليه خ 1630 ـ م 1317 لكن إن دفع إلى جازرها شيئاً لفقره أو على سبيل الهدية فلا بأس لأنه مستحقٌ للأخذ ويعطيه أجرته كاملة مع الهدية) راجع فتح الباري (3/556)
سؤال مهم : سُئل الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله : ما حكم إرسال الأضاحي أو الهدي لتُذبح في الخارج وما هي المحذورات في ذلك ؟ فأجاب حفظه الله (الأضاحي تُضحى في بلاد المضحين ، فإن رسول الله لم يُنقل عنه أنه ضحى إلا في محل إقامته في المدينة ، والأفضل أن يباشرها بنفسه فإن لم يستطع فعليه أن يوكل من يذبحها أمامه ، وإذا نُقلت الأضاحي إلى بلادٍ أخرى يحصل من ذلك بعض المحذورات لأنه ليس المقصود من ذبح الأضاحي مجرد اللحم لكن المقصود الأهم هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح والله يقـول )فصلِّ لربِّك وانحر( فنصيحتي للمسلمين أن يتولوا ذبح أضاحيهم بأنفسهم في بلادهم وأن يأكلوا منها ويطعموا منها ويظهروا شعائر الإسلام .
أحاديث ضعيفة تتعلق بالأضحية من سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني :
1-    حديث (ما عمل ابن آدم في هذا اليوم أفضل من دم يراق ، إلا أن تكون رحماً توصل) الضعيفة (525) .
2-   حديث (ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحبّ إلى الله من اهراق الدم ، إنه ليُاتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وأن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً) (526)
3-   حديث (الأضاحي سنّة أبيكم إبراهيم ، قالوا : فما لنا فيها؟ قال : بكل شعرة حسنة قالوا : فالصوف؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة) موضوع ـ الضعيفة (527)
4-   حديث (يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عمِلته ، وقولي (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) حديث منكر ـ الضعيفة (528)
5-    حديث (من ضحى طيبة بها نفسه ، محتسباً لأضحيته كانت له حجاباً من النار) موضوع ـ الضعيفة (529)
6-    حديث (ننسخ الأضحى كل ذبحٍ ، وصوم رمضان كل صومٍ) ضعيف ـ الضعيفة (904)
7-     حديث (أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها) ضعيف ـ الضعيفة ( 1678 )

هذا ما تيسر جمعه من الأحكام التي تتعلق بالأضحية، نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا ويرزقنا العمل به ،

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الحقَّ وأسبابُ رفضِه

فإن هذا الموضوع من أهم المواضيع التي يجب أن يعتني بها المسلم للنجاة يوم القيامة ، فما هو الحقَّ ؟ وما هي علاماتُه ؟ ولماذا يمتنع الناس عن قبوله وهو حقٌّ ؟ والله عزّ وجلَّ أخبرنا بأنه خلق السموات والأرض بالحقَّ ، وأنه أنزل القرآن بالحقُّ ، قال تعالى  (وبالحقِّ أنزلنا ، وبالحق نزل).
*والحقُّ هو : كلُّ ما جاء في القرآن والسنّةِ من العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك وغيرها ، وبفهم الصحابة والتابعين والأئمةِ ومن سار على ذلك إلى يوم القيامة .
*والحقّ لا يتعـدّد : لأن الربُّ المعبود واحد ، والرسولُ المبلّغ واحد ، وإلا لما ذكر العلماء طرق الجمع والترجيح ولما وُجدت ردود العلماء على بعضهم البعض في المسائل المختلف فيها .
*وأما علاماته فهي : موافقة القرآن والسنّةِ وفهم السلف في كل شيءِ ، وكذلك موافقة القواعد الشرعيةِ وإجماع الأمّة والقياس المعتبر . وهذه أدلة الشريعة المتفق عليها .
أما أسبابُ امتناع الناس عن قبول الحق فهي :
1-      التقليدُ للآباء والأجداد :
 * قال الله تعالى  (وكذلك ما أنزلنا في قريةٍ من نذيرٍ إلا قال مترفُوها إنا وجدنا آباءَنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون)
2- الغلوُّ في الرجال وعدمُ إنزالهم المنزلةَ التى أنزلها اللهُ إيّاهُم :
  * المعلومُ أنه لا معصوم  من الخطأ والسهو والجهل في بعض الأمور إلا رسولُ الله صلي الله عليه وسلم والإسلامُ شرع لنا تقديرَ العلماء واحترامَهُم وإنزلَهُم المنزلةَ التي يستحقونها ، وكذلك بيّن لنا أنه لا معصوم إلا رسول الله صلي الله عليه وسلم .
   * ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله (كّلٌّ يؤخذُ من قوله ويُردُّ إلاّ صاحبَ هذا القبر صلي الله عليه وسلم) ، وقال ابنُ تيمية رحمه الله (وأما الصدّيقون والشهداءُ والصالحون فليسوا بمعصومين ، وأما ما اجتهدوا فيه ، فتارةً يصيبون وتارةً يخطئون ، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم  أجران ، وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجرٌ واحدُ على اجتهادهم ، وخطؤُهم مغفورٌ لهم) الفتاوى (35/69) .
* فالواجبُ تجاه العلماء موالاتُهم واحترامُهُم والأخذُ عنهم وعدمُ القدح فيهم والحذرُ من تخطئِتهم والتماسُ العذر لهم ، واعتقادُ عدم عصمتِهم والحذرُ من زلاتِهِم والثقة بهم ، فهذه منزلةُ العلماء من أهل السنّةِ والجماعة أهلِ الحديثِ ، وقضيةُ  الغلوِّ في الرجال منتشرةٌ في هذه الأيام حتى بين الملتزمين المستقيمين ، وطالبُ الحقِّ لا يهولُه اسمُ مُعظِّمِ كائناً من كان ، قال عليُّ رضي الله عنه (إنّ الحقَّ لا يُعرفُ بالّرجال ، إعرف الحقَّ تعرف أهلهُ ) .
3- من أسبابِ رفض الحقِّ : العادات والتقاليد التي نشأ عليها الناس :
      فمن الناس من يرفض الحقَّ لأنه مخالفٌ لعاداتهم وتقاليدهم ، والعادات والتقاليد منها ما هو موافقٌ للشرع ، ومنها ما هو مخالفٌ ومضادٌ للحقِّ وهذه المقصودة فهناك عاداتٌ في المظهر أو الملبس أو التعامل أو حتى آداب الطعام مخالفةٌ للحق ، فمن أمثلة العادات المخالفة للحق : الدخولُ على النساء ومصافحتُهُنَّ من قبل غير المحارم ، وبعضُ الرقصات الشعبية والفنون الشعبية ، والإسرافُ في الولائم ، وحلق للحى ، وغيرها من التقاليد التي تخالف الشريعة .
4- ومن أسباب رفض الحق : الكبْـرُ :
 * وكما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " الكبْرُ بطرُ الحقَّ ، وغمطُ الناس " متفق عليه ، وعند مسلم مرفوعاً (لا يدخلُ الجنّةَ مَنْ كانَ في قلبه مثقالُ ذرّةٍ من كبرْ) وبطر الحق أي ردّه .
والكبــرْ : خُلُقٌ باطنٌ تصدُر عنه أعمالٌ ، وذلك الخلقَ هو رؤيةُ النفس فوقَ الغيرِ في صفات الكمال ، فإنَّ الإنسانَ متى رأى نفسَه بعين الاستعظامِ ، حقَرَ مَنْ دونه ، والمتكبّرُ لا يقدُر على التواضع ولا على ترك الحقد والحسد والغضب ، وكذلك لا يقدر على قبول النصح ، ولذلك يرفض الحقَّ ويمتنعُ عن قبوله ، فتراهُ يترفعُ في المجالس ويتقدم على الأقران ، وينكرُ على من قصَّر في حقِّه ، ويزكِّي نفسَه ، يفاخرُ بنَسَبِه وقبيلتِه وأصله * فالكبرُ يؤدي إلى رفضِ الحقِّ ، ويجبُ علاجُه بالتواضع للناس وذلك بالمواظبة على استعمال خلقِ المتواضعين ، وكذلك بتذكرّ أصلَه وأنه من تراب ثم من نطفةِ ... وهكذا .
5- ومن أسباب رفض الحق: العصبيّةُ والحزبيَّةُ للأفرادِ وللجماعات وللأحزاب والقبائلَ والمذاهب والأشخاص:
والعصبيّة هي الحبُّ والبغضُ لأجل الحزب أو المذهب أو الجماعة أو القبيلةِ ، وآثارها كثيرةٌ منها أنها تؤدي  إلى الافتراق والاختلاف ، وردِّ كلِّ ما يخالفُ مبادئها ولو كانَ حقاً ، فالمتعصّبُ لحزبٍ يردُّ كلَّ حقٍّ يخالفُ ما عليه حزبُه !! والمتعصّبَ لمذهب من المذاهب ، يردُّ الحقَّ الذي يخالفُ مذهبَه ولو كان حديثاً ثابتاً ، والمتعصبُ لشيخٍ يردُّ الحقَّ الذي يخالفُه شيخُه ، والمتعصبُ لقبيلتِه كذلك ، ولذلك فالعصبيُّة والحزبيةُ لغير الله ورَسوله ، محرَّمةٌ لا تجوز لأنها تؤدي إلى رفض الحق .
6- ومن أسباب رفض الحقِّ : الحسدُ وهو تمنيِّ زوال النعمةِ عن المحسود :
      يرى أنّك على حق فيحسدك ولا يعمل بالحق ويتمنيَّ أن يزول عنك ، قال الله تعالى ) وَدَّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردُّونكم من بعد إيمانِكم كُفَّاراً حسداً من عند أنفُسِهِم من بعد ما تبيَّن لهمُ الحقُّ ... ( 109 البقرة ، وكذلك فإن هناك من المسلمين من أهل البدع والأهواء يرفضون قبول الحق من أهله ، حسداً ، ولذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " دَبَّ إليكُم داءُ الأمم قبلكم ، الحسدُ والبغضاءُ " صحيح سنن الترمذي 2038 – صحيح الجامع 3361 .
7- ومن الأسباب : البغضاءُ والعداوةُ الشخصيةُ :

      فلا يقبل الحقَّ من فلانٍ لأنه يكرهُه ويعاديه ، ولو قال بالحقِّ غيُره لقَبِلَهُ منه ، ولذلك من الأهمية للداعية إلى الحق أن يكسبَ قلوب الناس حتى يقبلوا ما عنده من الحقِّ .

8- ومن أسباب رفض الحق : اعتناقُ وتبنيِّ أفكارً ومذاهبَ مخالفةً للحق :
      مثل الأفكار العلمانية والإلحادية وغيرها ، وكذلك تبنيِّ أصولاً لأحزابٍ ، وهذه الأصولُ أو بعضُها ضدُّ الحق ، فيرفضُ الحقَّ لأنه يخالفُ ما تبنّاهُ من أفكارٍ وعقائد .

9- ومن أسباب رفض الحق : الجهلُ به :
       ومن جهلَ شيئاً عاداهُ وعادى أهله ، فكثيرٌ من الناس يعادون الحقَّ وأهل َ الحقٍ لأنهم يجهلون الحقَّ ، يجهلون أن الحقَّ هو القرآنُ والسنّةُ وفهمُ السلف الصالح لهما ، فلذلك أنه من الواجب على أهل الحقَّ أن يُعلِّموا الناسَ الحقَّ ، ويُبَيِّنُوُهُ لهم في جميع  الأماكن والمناسبات .

10- ومن أسباب رفض الحقّ : التأثُر بأقوال أعداء الحقِّ المخالفين له :
        لذلك من أصول أهل السنّة والجماعة السلفِ الصالح أهل الحديث : عدم مجالسة ومصاحبة أهل البدع والأهواء ، لماذا ؟ حتى لا يتأثر المسلمُ بأقوالهم وأفعَالهم ، ومن المخالفين للحق من يشوّه صورة الحقِّ وأهلهِ فيقولون هؤلاء متشدّدون ، متزمّتُون  وهابيون ، فيسمعُهُم أناسُ فينفُرون من الحقِّ وأهله ، فيرفضون الحقّ .

11- ومن أسباب رفض الحق : اعتقادُ أن أهل الحقِّ هم الكثرة من الناس :
   فيقول : كلُّ هؤلاء الناس الملايين خطأ وأنتُم القلّةُ أهلُ الحق ، فيرفض الحقَّ ، ويجهلُ أو ينسى أن أهل الحقِّ هم القلّةُ في كل زمان ، قال الله تعالى ) وما أكثرُ الناس ولو حرصت بمؤمنين (ويقول الله تعالى) وإن تُطعْ أكثر مَنْ في الأرض يضلُّوك عن سبيل الله ( ويقول صلي الله عليه وسلم عن الغرباء " ناسٌ صالحون قليل في أُناسِ سوءٍ كثير ، مَنْ يعصيهم أكثُر ممَّن يطيعُهُم " وقال الله تعالى (... إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ وقليلٌ ما هُم ... )

12- ومن أسباب رفض الحقّ : الضغطُ الاجتماعيُّ :
    أحياناً يُرفضُ الحقَّ بسبب الضغوط الاجتماعية والقبليّة
أمثلة : أ) عندما قذف هلالُ ابنُ أمَّية رضي الله عنه امرأتَه ، وتلاعنا ، فلمَّا شهدت المرأة أربع شهادات أنه من الكاذبين ، وجاءت الخامسة أن غضب الله عليها ، أوقفوها وقالوا لها : إنّها موجبة ، قال ابن عباس : فتلكَّأت ونكصت ، حتى ظنناَّ أنها ترجع وتعترف ، ولكنها قالت : لا أفضح ُ قومي سائر اليوم ، فمضت وأكملت الخامسة ، فرفضت الحق بسبب خوف فضيحة أهلها . والحديث في صحيح البخاري وغيره .

ب) وكذلك : ما الذي حمل آبا طالب على رفض الحقَّ ، الضغطُ الاجتماعي ، قال : ولقد علمتُ أن دينَ محمدٍ من خيرِ أديانِ البَريَّةِ دينا : لكنْ لولا الملامةُ أو حذارُ مَسَبَّةٍ لوجدتني سمحاً بذاك مُبينا .

- وكثيرٌ من الناس يريدُ أن يلتزم بالحقّ ولكنه يرفضه لأنه يستسلم للضغوط الاجتماعية .

فهذه بعض أسباب رفض الحق التي عليها كثيرٌ من المسلمين

وأخيــراُ :

-  يجب علينا أن نتجرِّد ، ونضعَ الحقَّ فوقَ كلِّ اعتبار ، ونتحرر من كل ما يمنعنا عن قبول الحق .
-   يجبُ علينا أن نتعلَّم الحقَّ ونسألَ عنه .
-  والحقُّ هو القرآن والسنّة وفهم السلف الصالح لهما .
-   ويجبُ علينا كذلك أن نبيّن للناس هذا الحقِّ ونصبر على ذلك .

نسأل الله عز وجل أن يرينا الحق ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل ويرزقنا اجتنابه
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِ العالمين